محمد هاشم عبد السلام

 

ضمن بناية زجاجية فريدة الطراز تحمل اسم “بيت الفيلم”، بساحة بوتسدامر بلاتس ببرلين، يوجد “السينماتيك الألماني”، و”متحف السينما والتليفزيون”، الذي يشغل أربعة طوابق. المبنى الفريد يدعو الزوار للقيام برحلة عبر الزمن، واكتشاف أكثر من مائة عام من تاريخ السينما. وخمسين عامًا من تاريخ التليفزيون في ألمانيا الشرقية والغربية. تحتوي الطوابق الأربعة للمتحف على معرضين دائمين للسينما والتليفزيون، إضافة إلى مساحات تُخصص للمعارض الخاصة والمؤقتة، التي تقام طوال العام.

اللافت أنه لا يوجد في أوروبا غير هذا المتحف، الذي يجمع تحت سقفه كلا الوسيطين. تحقق هذا عام 2006، عندما افتتح المعرض الدائم للتليفزيون، ليتم تعديل اسم متحف السينما، ليصبح منذاك “متحف السينما والتليفزيون”. ومعروضات المتحف تقع ضمن ثلاث حجرات مقسمة على طابقين. الطابق الثالث ثم صعودًا إلى الرابع. وتشغل مساحة 800م من مساحة المعرض. بخلاف تلك المساحة المخصصة للمعارض الخاصة. وضمن مبنى بيت الفيلم، ثمة عدة تطوابق، تعلو المتحف، بها “السينماتيك الألماني”، والمكتبة. كما توجد قاعات عرض تمتد تحت الأرض، أسفل المبنى وساحته.

المعرض الدائم للسينما، الذي افتتح في سبتمبر 2000، يبدأ بتعريف الزوار بالأيام المبكرة للسينما، ثم يتقدم ببطء عبر الزمن، حتى يصل إلى الوقت الحاضر. كما يعرج في بعض الأحيان على هوليوود، عند التركيز على الأعمال السينمائية للألمان المنفيين والمهاجرين قبل وبعد عام 1933. والمعرض بالكامل منظم زمنيًا، ويكشف عن كثب مدى قرب واتصال تاريخ السينما الألمانية بالتطورات السياسية والاجتماعية. ولا يغفل الكشف عن الكيفية التي استُخدامت بها السينما الألمانية كأداة سياسية في فترات كثيرة.

على مساحة تبلغ 1300م، موزعة على طابقين، الطابق الثالث ثم هبوطًا إلى الطابق الثاني، وخمس عشرة حجرة، يُقدم المعرض الدائم للسينما 1000 قطعة منها: ملابس، واكسسوارات، ومعدات تقنية، وصور فوتوغرافية، وملصقات. فضلا عن وسائط الإعلام المتنوعة. أي، الفيديو ومراحل الوسائط المتعددة، إلى جانب العديد من الأجهزة والأدوات السينمائية العتيقة أو الحديثة.

بالطوابق العليا، فوق المتحف، يقع السينماتيك الألماني. ما يزيد عن مليون صورة فوتوغرافية، و16 ألف ملصق، و20 ألف رسمة، و13 ألف مطبوعة سينمائية محفوظة في أرشيفات “مؤسسة السينماتيك الألماني” (إس دي كيه). مجموعة صغيرة فحسب من هذه المواد، لكنها مثيرة للإعجاب، تعرض منذ عام 2000 في “بيت الفيلم”. ما يتيح للسينمائيين المحليين والدوليين الاستمتاع بسحر قرن من تاريخ السينما الألمانية.

كان السينماتيك الألماني منذ افتتاحه رسميًا 1963، متحفًا للمحفوظات السينمائية. دون معرض أو قاعات عرض ومعروضات. ولما يزيد عن أربعين عامًا، جمعت المؤسسة، وفهرست، واستعادت، كل ما له علاقة بتاريخ السينما والتليفزيون الألماني. إضافة إلى مجموعات قوامها المُمتلكات الخاصة بصنَّاع السينما ونجومها. فضلا على عدد ضخم من الملابس، والمعدات التقنية، والوثائق التاريخية. الأكثر من ذلك، نجاح المؤسسة في جمع مجموعة بالغة الأهمية والتفرد من سيناريوهات مشاهير المخرجين، مثلا: فيتز لانج، وراينر فاسبيندر.

ويحتوي الأرشيف على قرابة 13 ألف فيلم، عبر أكثر من 110 سنة من عمر صناعة السينما. أفلام روائية طويلة، وتسجيلية، وتجريبية، وفيديوهات منزلية، وأفلام رسوم متحركة، تجسد تطور الوسيط السينمائي منذ أيامه الأولى عام 1895، وحتى الوقت الراهن. موجودة كلها على مقاسات مقاسات 64 ملم، و35 ملم، و16 ملم، و28 ملم، و8 ملم، 9.5 ملم. وهناك قرابة 3700 فيلم متوفر للعرض في المتحف، أو يمكن استعارتها. من مقاسات 16 ملم و35 ملم. و18 ألف عنوان آخر على شرائط فيديو. ويمكن أيضًا مشاهدتها داخل المتحف أو استعارتها وعرضها عروضًا غير تجارية.

كما يوجد بأرشيف الأجهزة معدات تقنية منذ 1895، وحتى الآن: كاميرات، أجهزة عرض، وأجهزة مونتاج، ووحدات تحكم، ورسوم متحركة، ومعدات إضاءة وصوت، وكاميرات متحركة على شاريوهات، واكسسوارت، وغيرها من الأدوات التي كانت تستخدم في دور العرض قديمًا، كالنظارات أو العدسات المكبرة. كذلك، يحتوي أرشيف الصور على مطبوعات، وشرائح، ونيجاتيفات، وألواح زجاجية مُتعلقة بالأفلام، والشخصيات العاملة في الحقل السينمائي. وبالأرشيف ما يزيد عن مليون صورة مُفهرسة من مراحل عديدة من تاريخ الصناعة، خاصة في ألمانيا. وأجزاء من أوروبا، وأميركا. والصور المُرَتَّبة وفقًا للعناوين الرئيسية للأفلام تزيد عن 28 ألف صورة، وهناك أخرى مُرَتَّبة وفقًا لأسماء الفنانين.

أرشيف الملصقات بالسينماتيك به حوالي 1500 ملصق (بوستر)، واسكتشات، وملصقات ترجع إلى ما قبل عام 1945. وجزء منها يرجع إلى عصر السينما المُتنقلة. ولديه أيضًا مجموعة أخرى تبلغ 15 ألف ملصق تقريبًا منذ عام 1945 وحتى الوقت الراهن. ومعظم هذه الملصقات لأفلام ألمانية أو أخرى أجنبية، طُبِعَت مُلصقاتها باللغة الألمانية.

يحتفظ أرشيف السيناريوهات والوثائق بالمواد المكتوبة المتعلقة بالسينما أو التليفزيون: بطاقات موقعة بخط اليد، تذاكر دخول، برامج سينمائية، مطبوعات دعائية، ودعوات عروض افتتاحية، ومقالات نقدية، وتسجيلات الرقابة، وسيناريوهات. إضافة إلى مجموعة من النوت الموسيقية للأفلام. كما يُشرف هذا القسم على حفظ وإدارة البيانات الفيلمية الرئيسية المُستخدمة من جانب بقية أفرع الأرشيف. وهذا القسم يتضمن قاعدة بيانات تتضمن ما يزيد عن 55 ألف معلومة عن الأفلام، وما يزيد عن 10 آلاف معلومة عن الأفراد.

يحتفظ أرشيف الملابس والديكورات بمجموعة من رسومات الديكورات، والمناظر، والملابس، منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى الآن. ويحتوي الأرشيف على عدة آلاف من الرسومات المرتبة، والمؤرشفة وفقًا لاسم كل فنان أبدعها. أما أرشيف الملابس فقد أقيم عام 1993. ويتمتع بدرجة عالية من الاهتمام والرعاية، للحفاظ على أنسجة الملابس من التلف، والحشرات، وغيرها من العوامل التي قد تُسرِعُ في إفسادها. ذلك لأن الكثير منها مصنوع من الريش أو الفراء أو الحرير. إلى جانب قرابة 3 آلاف قطعة يحتفظ بها الأرشيف من مقتنيات مارلين ديتريش، تغطي فترة زمنية تتراوح بين ثمانية عقود. من العشرينيات وحتى التسعينيات. منها 40 ثوبًا ظهرت به في السينما، و30 في الاستعراضات، و430 زوج حذاء، و400 قبعة، و150 زوج قفازات، و70 حقيبة يدوية. والكثير منها من تصميم أرقى بيوت الأزياء في أوروبا وأمريكا، ومن بينها شانيل، وديور، ولي، وليفايس. كما تحتوي المجموعة على 16 ألف وخمسمائة صورة من حياة هذه النجمة الحافلة بالأحداث، وألف صورة شخصية وعائلية، و2000 نسخة نيجاتيف لأشهر المصورين. ويحتوي كذلك على مجموعات تخص راينر فيرنر فاسبيندر، وفولفجانج بيترسن، وهاينز رومان، وفيم فيندرز، وفيرنر هيرتزوج.

يحتوي أرشيف الأبعاد الثلاثية على اكسسوارات ومواد أخرى، مثل: النماذج أو الدمى (الموديلز)، والأقنعة، والتماثيل، وأدوات المؤثرات الخاصة، والرسومات المتحركة من الإنتاجات الألمانية والدولية، لديزني، وسبيلبرج، وبيترسن، وآخرين غيرهم.

دخلت مكتبة البحوث الخاصة بالسينما والتليفزيون تحت مظلة السينماتيك الألماني منذ عام 1999. وكانت ولمدة ثلاثين عامًا قبل هذا جزءًا من الأكاديمية الألمانية للسينما والتليفزيون ببرلين. والمكتبة الآن مفتوحة لكل مهتم. وتقع في الطابق الخامس من بيت الفيلم. يذكر أن السينماتيك الألماني ينشر بانتظام مطبوعات عدة، منها: كتب وكتيبات في موضوعات مختلفة عن تاريخ السينما. إلى جانب تلك التي تركز، بصفة خاصة، على تاريخ السينما والتلفيزيون في ألمانيا، منذ أيام جمهورية فيمار، أو ألمانيا الاشتراكية، أو ألمانيا المُقسمة، ثم الموحدة، أو عن الفنانين المُهاجرين أو المنفيين. كما يحرص السينماتيك على تقديم وعرض نسخ قيِّمة من الأفلام التي جرى ترميمها أو إعادة طبعها، وذلك في أجود وأحدث شكل عصري ممكن.

في الطابقين الثامن والتاسع من المبنى، توجد “أكاديمية السينما والتليفزيون الألماني” ببرلين، التي تأسست عام 1966، والتي تعمل على تخريج أجيال جديدة في مختلف المهن الإبداعية المرتبطة بالسينما والتليفزيون. وفي أقسامها المختلفة، يمكن تعليم وتدريب المخرجين المستقبليين، والمصورين، وكذلك تعليم المنتجين مهارات التجارة.

 

شارع النجوم

فور الخروج من بيت الفيلم أو قبل الدخول إليه، لا بد من المرور بأحد أهم البوليفارات أو الشوارع العريضة في العاصمة برلين. هذا الشارع، يُطلق عليه شارع مشاهير السينما. تحديدًا، “شارع النجوم” وفقًا للتسمية الألمانية. يمتد الشارع لمسافة تقترب من النصف كيلو متر، انطلاقًا من ساحة بوتسدامر الشهيرة. ومن ثم فهو يقسمِّ قاعات عرض مهرجان برلين السينمائي إلى شطرين. ويضفي ببصمته الكثير من اللمسات الفنية والسينمائية على المنطقة المجاورة له، حيث قصر البرلينالة، وبيت الفيلم، ومجمع قاعات الآي ماكس، والسيني ستار.

في منتصف شارع النجوم، فوق الطوار العريض المُخصص للمارة، وعلى امتداد بُساط أسفلتي أحمر اللون، يرى المارة تحت أقدامهم مجموعات كبيرة من النجوم البرونزية. قرابة 100 نجمة أو أكثر، محفور بداخلها أسماء عظماء السينما الألمانية ومِهَنِهِم. سواء كانوا مخرجين أو ممثلين أو صناع أو حتى نقاد. منذ بداية عصر صناعة السينما الألمانية، وحتى يومنا هذا. وكذلك تواريخ ميلادهم، أو وفاتهم أو الاثنين معًا، إلى جانب التوقيع الخاص بكل منهم.

افتتح هذا الشارع في 10 سبتمبر عام 2010. وذلك بتدشين أول نجمة، حملت اسم الأسطورة الألمانية مارلين ديتريش. ومن بين الأسماء اللافتة التي تُرصع نجومها شارع المشاهير: ماكس أوفيلس، وفيريدرك فيلهالم مورناو، وفريتز لانج، وبيلي وايلدر، وفيم فيندرز، وفيرنر هيرتزوج، وراينر فيرنر فاسبيندر، وألكسندر كلوجة، وفولكر شلوندورف، وفاتح أكين، ومارجريتا فون تروتا، ورومي شنيدر، وأستا نيلسن، وكلاوس كينسكي، وبرونو جانز.

اللافت والفريد في شارع المشاهير، تلك الآلة التي تشبه الكاميرا السحرية. وهي مُثبتة صوب كل ركن أو زاوية تخص مجموعة من النجوم على الأرض. تلك الكاميرا عبارة عن جهاز بارتفاع متر ونصف المتر تقريبًا، عند النظر عبر عدستها يظهر لنا صور ثلاثة من النجوم، الموجودة أسماءهم على الأرضية أمام الكاميرا. وذلك بحجم طبيعي. بحيث يشاهد المرء ليس فقط النجمة واسم صاحبها، بل صورته أيضًا. وكذلك يمكن للشخص الوقوف خلف تلك الآلة على مقربة من النجوم، بحيث يظهر مع أو إلى جوار هؤلاء المشاهير، وبالتالي التقاط صوره له معهم عبر فتحة العدسة.