محمد هاشم عبد السلام
“إن اللغة العربية ليست ملكًا لرجال الدين… ولكنها ملك للذين يتكلمونها جميعًا من الأمم والأجيال”. بهذه المقولة التي وردت في كتاب د. طه حسين “مستقبل الثقافة في مصر”، يُصدِّر الكاتب شريف الشوباشي كتابه الجديد الذي تناول فيه وبعمق قضية مشكلة اللغة العربية، التي يصفها الشوباشي في كتابه قائلاً عنها: “إن القضية تتعدى تلاميذ وطلبة الجامعات حيث يكاد لا يوجد شخص في العالم العربي لا يخطئ في اللغة. وحتى الذين يتباكون على اللغة ويتهكمون على أخطاء غيرهم غير قادرين على القراءة والكتابة دون خطأ باستثناء بضع مئات معدودة من المتخصصين في العالم العربي كله”.
ويبدأ الشوباشي في عرض وجهات نظره في مسألة اللغة وعدم تطورها بقوله: “إنها اللغة الوحيدة في العالم اليوم التي لم تتغير قواعدها الأساسية منذ 1500 سنة كاملة”. وهو ما يراه الكاتب أن فيه ” جمودًا وتحجرًا ينعكس سلبًا على العقل العربي”.
وعبر فصول الكتاب المتتالية “برج بابل، وهل هناك لغة عالمية؟، ورسالة إلى حراس الضاد، وهل العربية لغة مقدسة، والمسيحيون والعربية، والمتنبي يخاف من الإعراب، وشيزوفرينيا لغوية، وغاية اللغة، وضد تحنيط العربية، والاستثناء العربي”، وهي فصول قصيرة في صفحاتها غنية وعميقة في محتواها ومناقشتها وأمثلتها، حاول الكاتب بأسلوب سهل بسيط ودون تقعر أو استعراض عقد مقارنات بين العربية بقواعدها الجامدة واللغات الأخرى التي تستخدمها الشعوب المتقدمة، وكذلك ركز الكاتب ولأكثر من مرة على تناول القضية الحساسة وهي علاقة اللغة بالدين واللغة والإسلام والمسلمين، وهل لغتنا العربية لغة توقيفية أي هابطة من السماء ولن يكتب لها التطور والتقدم أم لغة اصطلاحية، أي من صنع الإنسان؟ كما أكد الكاتب في أكثر من موضع على عدم مناداته بهجر اللغة العربية لحساب اللهجات العامية أو استخدام الحروف اللاتينية أو غيرها من الآراء.
ومن بين أهم وأخطر النقاط التي يثيرها الكاتب هي قضية الشيزوفرينيا التي نعاني منها جميعًا، ونلخصها على لسانه فيما يلي، “كنت أتصور أن الفارق بين الفصحى واللهجات ضئيل للغاية وأن من يعرف أحدهما وخاصة الفصحى يعرف الأخرى أو على الأقل لا بد أن يفهمها. لكن التجربة وخاصة مشاهدتي للأجانب الذين يتعلمون العربية أقنعتني بمدى الهوة بين العامية والفصحى. فالأجانب الذين يجدون الفصحى إجادة تامة وعكفوا سنوات عمرهم على دراسة لغتنا يفغرون أفواههم عندما أحدثهم بالعامية… إذًا فكل عربي متعلم يتعامل في حياته اليومية بلغتين مختلفتين حتى وإن جمعتهما مفردات عديدة وبعض القواعد العامة”، ويضيف الكاتب “وقد يجادل البعض بأن اللهجات كانت موجودة دائمًا في العالم العربي فما الذي استجد الآن حتى نفكر في إيجاد مخرج من هذا الوضع؟” وعن هذا السؤال يجب بأن السبب هو ارتفاع نسبة المتعلمين، “الأمية كانت تزيد بالتأكيد على 95 % من الشعوب العربية حتى زمن قريب، لم تكن حالة الانفصام اللغوي تشكل ظاهرة تمس المجتمع ككل. أما اليوم وبفضل انتشار التعليم فقد أصبحت نسبة مستخدمي الفصحى لا تقل عن 50 % من أبناء الشعب العربي. وهذا تغير جذري لا يمكن إهماله”.
ويختتم الكاتب كتابه بهذا التوقع الموقن منه، قائلاً “وأكاد أسمع من يتساءل عن مدى تخصصي في اللغة العربية وهي الحجة التي يواجه بها كل من يحاول الخروج عن الطرق المرصوفة والممهدة والتي أجمعت الأجيال الماضية عليها”. ومع ذلك يضيف الكاتب متحديًا، “ومع ذلك، فإنني على ثقة تامة من أنه سيأتي اليوم الذي يضطر فيه العرب إلى تبسيط لغتهم حتى لا تواجه أزمة طاحنة تعرضها للخطر”، ويتساءل، “فلماذا لا نبدأ من الآن؟ ألا تكفي القرون التي ضاعت منا هباءً؟”
ويضع يديه على المعضلة التي ستواجه الذين يتصدون لمهمة تطوير اللغة والمتمثلة في، “ازدواجية الهدف: الاقتراب من اللغة العامية التي تستخدمها الشعوب العربة للتفاهم اليومي. وفي الوقت ذاته عدم القطيعة مع اللغة العربية الأصلية لغة القرآن ولغة الأدب”.
وفي النهاية لا يسعني ألا أن أشكر الكاتب على محاولته الجريئة هذه وأثني على هذا الجهد الذي بذله في طرح هذه القضية التي لا بد من التصدي لها وليس الاكتفاء بمجرد طرحها وفقط. لكن السؤال الذي سيدور في ذهن قارئ الكتاب هو ما أورده الكاتب في الفصل المعنون بـ”تحنيط العربية”، واكتفى فقط بالإشارة إليه، بل وأرجع به القارئ إلى نقطة الصفر أو لنقل أدخله في دوامة يبدو ألا فكاك منها، يقول الكاتب: “والمطلوب هو العمل على تطوير اللغة بجرأة لكن دون نسف الأسس التي قامت عليها، والحفاظ على الشكل والقواعد الأساسية التي وضعها السلف (؟) وأعلم أن أي تطوير للغة يمس جوهرها هو خوض في بحر غريق (؟) لكن عبور هذا البحر هو سبيل الخلاص للعقل العربي وإنقاذه من الحلقة المفرغة التي يدور فيها منذ عدة قرون (؟). والتطوير الذي أقصده يجب أن يحافظ على أساسيات اللغة بحيث أن من يتعلم العربية بعد التطوير يكون قادرًا على فهم ما كتب قبل إجراء عملية التطوير (؟)”. علامات الاستفهام الواردة في هذا الاقتباس من عندي وليست في النص الأصلي.
عنوان الكتاب: لتحيا اللغة العربية: يسقط سيبويه
المؤلف: شريف الشوباشي
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب – مصر
الطبعة: الأولى 2004
الصفحات: 195 قطع متوسط