برلين – محمد هاشم عبد السلام

 

في إطار فعاليات اليوم السادس من أيام المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي الخامس والستين، عرضت اليوم ثلاثة أفلام من رومانيا وبريطانيا والصين. وكان الأول بعنوان “عفارم” للمخرج رادو جود، والثاني بعنوان “إيزنشتاين في جواناخواتو” للمخرج بيتر جريناواي، والثالث بعنوان “ذهب مع الرصاص” للمخرج جيانج وين.

 

عفارم

كعادة الكثير من أفلام المسابقة الرسمية هذا العام، لجأ المخرج الروماني رادو جود، ثمانية وثلاثين عامًا، إلى التاريخ البعيد، ليستلهم منه أحداث قصة فيلمه الجديد المتميز الذي حمل عنوان “عفارم”، وهو الفيلم الثامن في مسيرته السينمائية، وسيناريو الفيلم من تأليفه بالاشتراك مع كاتبة السيناريو فلورين لازاريسكو.

والفيلم الذي يمتد لقرابة الساعتين، مُصور كله بالأبيض والأسود، لإضفاء مسحة من المصداقية على أحداث الفيلم التي تدور في أوروبا الشرقية في القرن التاسع عشر، وتحديدًا في عام 1835، كما أشارت العناوين الافتتاحية للفيلم. وكلمة “عفارم” التي يحمل الفيلم عنوانها، هي ذاتها الكلمة التركية التي لا نزال نستخدمها في بعض مجتمعاتنا العربية حتى اليوم، وتحمل نفس المعنى المتداول عندنا.

وطوال الفيلم نتتبع الرحلة المثيرة، والمشوقة أيضًا، التي قام بها الشرطي كوستاندين (تيودور كوربن) وابنه لونيتا (ميهاي كومانوي) فوق ظهر حصانيهما، من أجل إلقاء القبض على “كارفين”، ذلك العبد الغجري الذي هرب من خدمة سيده الثري، والذي تحوم حوله شبهات متعلقة بإقامته علاقة غير مشروعة مع زوجة ذلك النبيل. وخلال تلك الرحلة يقابل الاثنان أصناف كثيرة من البشر متعددي الأعراق واللغات واللهجات، وحتى الأزياء، حيث كانت المنطقة آنذاك لا تزال تحت الحكم العثماني وتشرف عليها الروس ويكثر بها الغجر.

كوستاندين، بطل الفيلم المتميز، يؤدي واجبه في صرامة وعنف وقسوة، إن لزم الأمر، مع من يعتقد أنهم يؤونه، وكل ذلك من أجل الحصول على العبد الهارب، وإعادته لسيده وتطبيق القانون. ظنًا منه أنه لن ينال سوى بعض السياط في نهاية المطاف، لكن ما حدث لم يكن كذلك بالمرة، الأمر الذي يتركه وقد ارتسمت على وجهه علامات عدم الرضا عما فعله.

 

إيزنشتاين في جواناخواتو

في فيلمه التاسع عشر، يقدم لنا المخرج وكاتب السيناريو البريطاني الكبي بيتر جريناوي، على امتداد ساعتين تقريبًا، رؤيته الخاصة للأيام التي قضاها المخرج الروسي الشهير سيرجي إيزنشتاين، في عام 1931، في مدينة جواناخواتو، بالمكسيك، حيث كان قد ذهب إلى هناك بناء على نصيحة من شارلي شابلن، لإخراج فيلم يحمل عنوان “تحيا المكسيك”، والذي صوّر بالفعل أجزاء منه ولكنه لم ينهه.

وقد جاء فيلم جريناواي على نحو شديد التميز والجرأة، وكان هذا معروفًا بالطبع قبل عرض الفيلم، حيث تناقلت الأخبار أن موضوع الفيلم يتناول أيضًا مثلية أيزنشتاين الجنسية، والتي كان لمعرفتها وقع الصدمة عند الكثير من محبي وعشاق هذا المخرج، لا سيما في بلده روسيا. لكن جرأة فيلم جريناواي ليس مردها لطبيعة ما تناوله وفقط، بل أيضًا لرؤيته الحداثية في طرحه لموضوع الفيلم وتناوله للمخرج الكبير سيرجي إيزنشتاين، والذي قام بشخصيته الممثل الفنلندي المتألق في هذا الدور، إيلمر بيك.

كذلك كان لافتًا بشدة الأسلوب الإخراجي والتقنيات التي استخدمها جريناواي في العديد من المشاهد، وتقسيمه المتعدد للشاشة، وأيضًا التضفير المونتاجي المتميز للعديد من اللقطات، وبالطبع نجد في الفيلم كل ما يميز سينما جريناواي من حيث الأسلوب المسرحي في الإخراج والديكورات الباروكية الفخمة وتصميم المناظر والديكور والملابس والحوارات اللاذعة والساخرة من كل وأي شيء.

بالطبع قد يمثل الفيلم عند عرضه صدمة بالنسبة للكثير من الجمهور، الذي ربما يجذبه الاسم، ويرغب في دخول فيلم يشاهد فيه إيزنشتاين وسرد تاريخي للفترة التي قضاها هناك، لكن للأسف، لم يكن هذا بالأساس هو ما رغب جريناواي في تناوله في فيلمه، لأنه في النهاية ليس فيلمًا تسجيليًا أو تاريخيًا يؤرخ فيه لسيرة إيزنشتاين على نحو واقعي.

 

ذهب مع الرصاص

جاء الفيلم السادس للمخرج والممثل وكاتب السيناريو الصيني جيانج وين، والذي حمل عنوان “ذهب مع الرصاص”، والذي امتد زمنه لساعتين تقريبًا، على نحو أقل ما يوصف به أنه شديد السوء، ولا ندري كيف وقع الاختيار عليه ليكون الفيلم الذي يمثل الصين في المسابقة الرسمية لمهرجان كبير كبرلين السينمائي.

وللمرة الأولى، بالفعل، منذ بدأت عروض المسابقة الرسمية للمهرجان ينصرف أكثر من نصف المتواجدين بقاعة السينما التي خصصت للعرض الصحفي الأول للفيلم، وذلك قبل أن يصل حتى إلى منتصفه.

تدور أحداث فيلم “ذهب مع الرصاص”، الذي يجمع بين الدراما الكوميدية الاستعراضية والبوليسية، والذي كتب السيناريو له ثمانية كتاب سيناريو إلى جانب المخرج نفسه، في شنجهاي عام 1920 تقريبًا، وذلك عقب سقوط أسرة كينج والتحول إلى الجمهورية، وتلك الفترة التي برز فيها بارونات الحروب، وتغير وجه المجتمع الصيني نحو الانفتاح على كل شيء.

يتناول فيلم “فيلم ذهب مع الرصاص” تحول بطل الفيلم الأرستقراطي “ما زوري” (مخرج الفيلم جيانج وين) إلى محتال محترف وذلك بالتعاون مع رجل الشرطة “جي يو” (كسيانج فيتان). وضمن هذا السياق، يسرد الفليم القصة المتعلقة بمقتل إحدى فتيات الليل، والتي كانت على علاقة مع بطل الفيلم، وهي مستمدة من قصة حقيقة وقعت بشنجهاي في تلك الفترة. وقد أراد المخرج من خلال فيلمه أن يعكس على نحو ساخر وغير مباشر، استعراضي ومبالغ فيه كثيرًا من حيث الأداء أو الديكورات أو الاستعراضات، الأحداث السياسية والاجتماعية التي كانت تدور في الصين آنذاك.