كان – محمد هاشم عبد السلام
من بين عروض المسابقة الرسمية لدورة مهرجان “كان السينمائي الدولي” الثامنة والستين المنعقدة هذا العام في الفترة بين الثالث عشر والرابع والعشرين، عرض فيلمي “ابن شاؤول” للمخرج المجري لازلو نيميش و”بحر من الأشجار” الأمريكي جاس فان سانت.
ابن شاؤول
بالرغم من أنه الفيلم الروائي الأول للمخرج المجري الشاب لازلو نيميش، في الثامن والثلاثين من عمره، إلا إن فيلمه “ابن شاؤول” جاء على قدر كبير من الروعة والتميز والقوة من كافة النواحي، رغم صعوبة هذا بالنسبة لعمل أول لشاب. ولم يكن اختيار “ابن شاؤول” للمشاركة في المسابقة إلا عن جدارة واستحقاق بالفعل، ومن المنتظر حتى الآن، مع اقتراب المسابقة من منتصفها، أن تكون السعفة من نصيب هذا الفيلم أو جائزة أحسن مخرج. ومن المنتظر أيضًا أن يكون الفيلم ضمن تلك المتنافسة على أوسكار أحسن فيلم أجنبي.
عبقرية لازلو تتبدى لنا، من بين أمور أخرى، في اختياره لقصة مطروقة، المحرقة النازية، التي أكل الدهر عليها وشرب، وتناولها كبار المخرجين ولم يعد بها الجديد ليتم تقديمه على نحو جذاب. ومع ذلك نشاهدها هنا على يد لازلو على نحو شديد القوة والتكثيف، سواء على مستوى القصة أو الأداء التمثيلي أو الأداء الإخراجي وشريط الصوت الرائعين والمتميزين بالجدة والابتكار والتماسك والايقاع الانسيابي المتدفق الذي يكاد يقطع أنفاس المرء، رغم أن الفيلم تغلب عليه الكادرات أو اللقطات الطويلة التصوير، ورغم أن الكاميرا لم تفارق تقريبًا وجه بطل الفيلم “شاؤول”، الشاعر والممثل جيزا رويش.
وشاؤول أوسلاندر، أو شاؤول الغريب بالألمانية، من السجناء اليهود المجريين العاملين بمعسكر الاعتقال أوشفيتز الذين يجبرون على تفتيش اليهود وإدخالهم غرف الغاز ثم تنظيف تلك الغرف وحرق الجثث والتخلص من الرماد. ومنذ افتتاحية الفيلم ونحن نشعر بمدى جدية شاؤول في تنفيذ ما يتلقاه من أوامر وبمنتهى الصرامة كأنه ألماني نازي. ويتضح من سير الأحداث مدى انعزاليته وحزنه وعدم تحدثه إلا فيما ندر.
تتحول الأمور وتنقلب رأسًا على عقب عندما يكتشف شاؤول أن من بين الجثث التي تعرضت للموت بالغاز ومطلوب تشريحها ثم التخلص منها بالحرقة، جثة لصبي صغير سرعان ما يتعرف عليه، إنه ابنه. وهنا، يأخذ شاؤول في بذل كل ما يستطيعه من أجل سرقة الجثة من المعسكر وعدم تشريحها، والأهم هو محاولة دفنهاعلى نحو لائق، والعثور على أي حاخام يهودي بين المعتقلين كي يصلي على ابنه قبل دفنه.
بحر من الأشجار
بعد مرور اثني عشر عامًا على فوزه بالسعفة الذهبية عن فيلمه المتميز “فيل”، يعود المخرج الأمريكي المعروف جاس فان سانت إلى كان هذا العام بفيلمه “بحر من الأشجار”، الذي كتب له السيناريو والحوار المنتج والكاتب والمخرج كريس سبارلينج. وقد امتد زمن عرض الفيلم إلى ما يقترب من الساعتين. وسوف تبدأ أولى العروض التجارية للفيلم في سبتمبر القادم.
تدور أحداث الفيلم، الذي يتعمد مخرجه العودة إلى الماضى لسرد خلفية القصة ثم العودة للحاضر لمتابعة الأحداث، حول “آرثر برنان”، ماثيو ماكونوجي صاحب أوسكار أحسن ممثل العام قبل الماضي، الذي يتوجه ذات صباح إلى منطقة “أوكيجاهارا” في اليابان حيث توجد منطقة هناك تعرف باسم “بحر من الأشجار”، عادة ما يقصدها الأشخاص الراغبين في الانتحار.
وتلك المنطقة عبارة عن بقعة من الغابات الشاسعة، المليئة بآلاف الأشجار الشاهقة والعديد من الينابيع والمرتفعات والمنخفضات الصخرية الخطيرة، وهي مفتوحة للعامة كمتنزه فقط، لكن نظرًا لضخامتها واتساعها وصعوبة العثور على أو إنقاذ أحد بداخلها يتوجه إليها الراغبين في فقدان حياتهم. وعبر الأحداث، نرى أن آثر قد بحث بالفعل على محركات البحث عن أكثر مكان للانتحار، وظهرت له تلك المنطقة.
نتعرف من خلال لقطات الفلاش باك الكثيرة بالفيلم على الأسباب التي دفعت آثر لاتخاذ هذا القرار، برغم كونه أستاذًا جامعيًا ناجحًا في مجال العلوم، ومتزوج من امرأة جميلة هي “يوان برنان”، الممثلة ناعومي واتس. فقط ما نكتشفه لاحقًا أن زوجته كانت تشكو من كونه مهملا لها ومن انشغاله الدائم عنها وعدم الاعتناء بها، وبعض الشجار البسيط فيما بينهما.
لكن لاحقًا يكتشفا إصابتها بمرض خطير في المخ يستوجب الجراحة العاجلة، وبعد الجراحة لا تكون النتيجة كما كان متوقعًا، ولا يتبق ليوان سوى أيام قليلة وتموت، وأثناء مرافقته لسيارة الإسعاف التي تنقلها من مستشفى لآخر تصدمها سيارة مسرعة، فتموت من فورها نتيجة لهذا الحادث، الذي يشعر آرثر بعده أنه كان مقصرًا في حق زوجته وأنه لم يعرفها بالقدر الكافي.
ولأنه كان يحبها حبًا شديدًا ولا يستطيع العيش دونها، يقرر إنهاء حياته، فيستقل الطائرة لتنفيذ تلك الخطوة. وبمجرد دخوله إلى المنطقة تظهر له شخصية كانت هناك من أجل الانتحار أيضًا، لكنها قررت في اللحظات الأخيرة التراجع عن الأمر. وبالتدريج يتراجع آرثر أيضًا عن قراره بالانتحار، يتم إنقاذه. ويذهب بعد خروجه من المستشفى للعثور على تلك الشخصية أو حتى جثتها بالغابة، لكن عندما يصل إلى المكان يتضح له أمرًا غريبًا.