محمد هاشم عبد السلام

 

سبقت الكلمة الصورة، وكانت الكلمة هي الرغبة الملحة للإنسان في خلق معادل صوري أو موازاة تصويرية للكلمة المنطوقة. ويرصد الكاتب الدكتور خلف طايع في هذا الكتاب الهام الذي جاء تحت عنوان “الحروف الأولى”، كيف أن فكرة الكتابة لم تتبلور إلا بعد أن تبلورت فكرة العمل وبعد استخدام الإنسان للأدوات واكتشافاته الأولى للنار والزراعة، وكيف أن هذه الاكتشافات كان معناها ميلاد المجتمع، وكيف برزت بميلاد المجتمع الحاجة إلى الاتصال بين أفراده، ليس لأجل التفاهم فقط بين أفراده وإنما أيضًا لنمو المجتمع.

ويرصد الكاتب في هذا الكتاب كيف أن التقدم الاجتماعي والحضاري للإنسان يكاد يكون مرهونًا بتطور المجتمع في علاقته باللغة وتطويره لها، وأن المقصود هنا باللغة ليس اللغة المنطوقة بل اللغة المكتوبة، وكيف اختفت لغات كثيرة منطوقة لم تكن لها كتابة خاصة بها. وكيف بدأت الكتابة في البداية عن طريق الصور، وكيف تطورت مع تطور الحياة وتركيبها وتعقيدها وتحولت إلى رموز، وكيف كانت هذه الخطوة بمثابة نقلة في تاريخ الحضارات وتطورها.

إن الكتاب بحق بحث جديد يتناول التطور التاريخي للعلاقة الدلالية بين الصورة والكلمة. وهو أيضًا إضافة مهمة للغاية للمكتبة العربية التي تنقصها مثل هذه النوعية من الكتابة المتخصصة في مجال نادر مثل هذا، كما يقول الكاتب الكبير أحمد بهجت في كلمته عن هذا الكتاب.

ويشير الدكتور خلف طايع في مقدمته إلى أن بحثه في هذا الكتاب قد نحى منحى تاريخيًا اهتم برصد العلائق والتطورات والتشابكات والترابطات بين الحضارات المختلفة ومراحل كل منها، وكيف استفادت كل حضارة من سابقتها ومن منجزاتها السابقة عليها في هذا الميدان. ويلفت الدكتور طايع نظرنا إلى أن كتابه هذا ليس كتابًا جامعًا مانعًا فيما يتعلق بهذا الموضوع، وذلك نظرًا لأن: “كل مرحلة من مراحل تطور الكتابة يندرج تحتها عدد مهول من الكتابات للشعوب والحضارات المختلفة بعضها ما زال لغزًا يحوطه الغموض كالكتابات القبرصية والكريتية وكتابات الهارابا بوادي نهر السند، والكتابات التي وجدت على الألواح الخشبية في جزيرة ايستر بالمحيط الهادي، وأيضًا كتابات الآتروسك في إيطاليا، … الخ”.

ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أبواب جاء أولها تحت عنوان “ما قبل الكتابة”، وينقسم هذا الباب إلى فصلين، تناول الفصل الأول: “اللغة والكتابة، وسائل الاتصال اللحظية (الإشارات والكتابة)، وسائل الاتصال الثابتة، الخطوات الأولى للكتابة، الكتابة بالأشياء”، وتناول الفصل الثاني :”الرسم وخطواته الأولى نحو الكتابة، اشتقاقات، الأحجار الأزيلية، الكتابة والأسلوب، الكتابة التصويرية”. ثم الباب الثاني الذي بحث في الكتابة منذ بداياتها التصويرية مرورًا بكتابة الكلمات المصورة وحتى الكتابة الصوتية المقطعية ثم الأبجدية، وينقسم هذا الباب إلى ثلاثة فصول اهتم الفصل الثالث منها على وجه الخصوص بالخامات والسطوح التي حملت الكتابات في الحضارات المختلفة والأدوات التي نفذت بها هذه الكتابات. وأخيرًا تناول الباب الثالث تنظيم العلاقة بين الصورة والكتابة بعد أن استقل كل منهما عن الآخر، وانقسم هذه الباب إلى فصلين بحث الفصل الأول عن هذه العلاقة في الدروج والأسفار القديمة والكتب الشرقية الإسلامية والعبرية والصينية واليابانية. وبحث الفصل الثاني في نتائج التطور الحضاري الذي شهدته العصور الحديثة التي أدت إلى استخدام النماذج المتحركة للطباعة ثم تطورها منذ الثورة الصناعية حيث نشطت حركة الطباعة وتوالي صدور الآلاف من وسائل الاتصال المطبوعة.

جدير بالذكر أن الكتاب مزود بالعديد من الرسومات التوضيحية والنقوش الحجرية والأثرية والصور الجدارية والزخرفية التي ساهمت مساهمة كبيرة في نقل وتوضيح وجهة نظر الكاتب، وربط القارئ بصريًا بما أراد شرحه له، وفي نهاية الكتاب فرس تفصيلي شامل وموسع لجميع الأشكال والرسوم والوصور التي وردت في الكتاب.

 

عنوان الكتاب: الحروف الأولى (دراسة في تاريخ الكتابة)

الكاتب: د. خلف طايع

الناشر: دار ميريت –  مصر

الصفحات: 225 قطع كبير