محمد هاشم عبد السلام

 

26/12/2014

 

ولد الممثل الإيطالي القدير “مارشيلو ماستروياني” في بلدة صغيرة، بإقليم “فروزينوني” في “لاتسيو”، تدعى “فونتانا ليري”، في السادس والعشرين من شهر سبتمبر عام 1924. وقد نشأ ماستروياني، الذي ولد في أسرة متواضعة، إذ كان لدى والده ورشة نجارة ووالدته ربة منزل، في مدينتي تورينو وروما. ولم يكن لدى مارشيلو سوى شقيق واحد فحسب يدعى “روجيرو”، يصغره بخمسة أعوام وتوفي في نفس عام وفاته، كان من المونتيرين السينمائيين المشهورين في إيطاليا، وقد نفّذ العديد من مونتاج أفلام شقيقه مارشيلو، وحتى قام بالتمثيل في عدد قليل من الأفلام، منها ثلاثة أو أربعة أفلام مع مارشيلو.

وعلى امتداد مسيرته المهنية الطويلة قدّم ماستروياني في النهاية ما يزيد عن مائة وسبعين فيلمًا، وعمل في تشكيلة عريضة متنوعة من الأدوار الدرامية والسينمائية أتاحت له التعاون مع أعظم المخرجين الإيطاليين والأجانب، على سبيل المثال وليس الحصر، لوكينو فيسكونتي، وفيدريكو فيلليني، وفيتوريو دي سيكا، وبيترو جيرمي، ومايكل أنجلو أنطونيوني، وروبرت ألتمان، ورومان بولانسكي، وثيو أنجيلوبولوس، وماركو فيريري، ولوي مال، وألكسندر بلازيتي، وجوزيبي تورناتوري، ونيكيتا ميخائيلكوف.

عرف مارشيلو ماستروياني طريقه إلى السينما ثم المسرح وهو في سن الحادية عشر. وقد دخل إلى أبواب “شينيشيتا”، مدينة السينما الإيطالية العملاقة، للمرة الأولى وهو في سن الرابعة عشر، وكان يتم إعطاؤه أدوارًا إضافية أو هامشية، ككومبارس، أثناء تصوير لقطات حصاد العنب، على سبيل المثال. وكان مارشيلو مسرورًا، على حد قوله، لكونه قادرًا على أكل العنب طوال اليوم والحصول على المال مقابل هذا الأكل. وذلك بالرغم من أن اسمه لم يكن يكتب على تترات الأفلام حتى ضمن أسماء الكومبارس. وكان أول فيلم اشترك فيه ماستروني في عام 1939 يحمل عنوان “ماريونيت”.

وقد ظل مارشيلو يتنقل في تلك الأدوار الهامشية ثم الثانوية لأكثر من عقد تقريبًا، حتى اضطلع بأداء أول أدواره الكبرى في عام 1951، في فيلم “الاتهام”. وقد راكمت كل هذه التجاربة عنده الكثير من الخبرة، حتى صارت هي سنده الأول الذي اكتسبه عبر العديد من الفرص التي سنحت له، في حين كان يبدو عمله في أعين المحيطين به أكثر شبهًا بالتسلية أو تضييع الوقت منه بالمهنة الحقيقية، حسبما كان يصرّح بشكل متكرر على مدى تاريخه المهني.

وقبل أن ينقضي عقد الخمسينات، استطاع ماستروياني أن يخلق لنفسه اسمًا مميزًا كأحد أهم النجوم في السينما الإيطالية والدولية أيضًا، واشترك بالكثير من الأفلام المهمة تحت إدارة العديد من المخرجين الكبار، وأمام صفوة من نجمات السينما، مثل صوفيا لورين وأنيتا إكبيرك ونستاسيا كينسكي وشيرلي ماكلين ومونيكا فيتي وكلاوديا كاردينالي وكاترين دينوف، وفي أدوار بالغة التميز حتى يومنا هذا، ومنها على سبيل المثال دوره كصحفي عام 1960 أمام الممثلة “أنيتا إكبيرك”، في فيلم “الحياة الحلوة” للعظيم “فيدريكو فيلليني”، ومشهدهما الخالد معًا في تاريخ السينما وسط نافورة “تريفي”.

وقد اشتهر ماستروياني بالعديد من الأدوار المهمة، لكن أدائه لدور الأنا الآخر للمخرج “فيدريكو فيلليني” في فيلمي “الحياة الحلوة” و”ثمانية ونصف”، جلبا له شهرة واسعة، كذلك يمكننا القول عن الدور الذي قام به على نحو لا يقل نجومية في فيلم “الطلاق على الطريقة الإيطالية” للمخرج “بيترو جيرمي”. وقد كان المدى الذي لمواهب ماستروياني التمثيلية المتعددة كبيرًا فعلا، ويعكس تدريبه المُكثف كممثل درامي. فقد لعب دور “نقابي عمالي” في فيلم “النقابي” (1963) للمخرج “ماريو مونشيللي”، ودور “قاتل” في فيلم مستقبلي بعنوان “الضحية العاشرة” (1965) للمخرج “إليو بيتري”، ودور “ثوري في القرن التاسع عشر” في فيلم “ألونزانفان” (1974) للأخوين “تافاياني”.

ومن بين أفضل أدوار ماستروياني التمثيلية الكوميدية في السينما، يستوقفنا فيلم “أمس، واليوم، وغدًا” (1964) وفيلم “الزواج على الطريقة الإيطالية” (1965)، وهما من إخراج القدير “فيتوريو دي سيكا”، وقد تم ترشيح الفيلمين لجائز الأوسكار أحسن فيلم أجنبي، وفاز بها فيلم “أمس، واليوم، وغدًا”.

وبالرغم من أن ماستروني أدى الكثير من الأدوار الهامة بالمسرح، في أعمال لأدباء على قدر كبير من التميز مثل “آرثر ميللر”، و”تينيسي وليامز”، و”جولدوني”، و”أنطون تشيكوف”، و”ويليام شكسبير”، إلا إن أفضل أعماله تظل هي تلك التي أداها أمام الكاميرا في السينما، وبصفة خاصة الأدوار الكوميدية.

وقد رُشِّح ماشيلو لجائز الأوسكار أحسن ممثل لثلاث مرات عن أدواره في “الطلاق على الطريقة الإيطالية”، و”يوم مميز”، و”عيون مظلمة”. وهو من الممثلين القلائل جدًا الذي حصلوا في حياتهم على جائزة أحسن ممثل من مهرجان “كان” لمرتين، وذلك عام 1970 عن دوره في فيلم “البيتزا المثلثة” للمخرج “إيتوري سكولا” وعام 1987 عن دوره في فيلم “عيون مظلمة” للمخرج “نيكيتا ميخائيلكوف”.

وفي رصيد ماستروياني العديد من الترشيحات والجوائز الأخرى التي حصل عليها من مهرجان فينسيا، وأكاديمية الفيلم البريطاني، وجمعة المراسلين الأجانب بهوليوود (الجولدن جلوب)، وجائزة “ديفيد دي دوناتيلو – إنجاز الحياة” التي تمنحها الأكاديمية الإيطالية للسينما، وهو من الإيطاليين القلائل جدًا، إلى جانب الممثلة “صوفيا لورين” والممثل والمخرج “روبيرتو بينيني“، الذين حصلوا على جائزة “سيزار” (الأوسكار الفرنسي). وقد حصل ماستروياني على “وسام الاستحقاق الجمهوري برتبة فارس”، وهو أرفع وسام تمنحه الحكومة الإيطالية في مجالات الفنون والآداب والاقتصاد والخدمة العامة، والأنشطة الخيرية والاجتماعية والإنسانية. وفي عام 1992، وتقديرًا لدورهما، وقع الاختيار على مارشيلو ماستروياني وصوفيا لورين ليقوما بتسليم المخرج فيدريكو فيلليني جائزة الأوسكار الخامسة له، عن مجمل أعماله.

وقد توفي الممثل القدير “مارشيلو ماستروياني” في باريس بسبب سرطان البنكرياس، في التاسع عشر من ديسمبر عام 1996، وهو في الثانية والسبعين من عمره. وكان آخر فيلم قد اشترك فيه ماستروياني في مسيرته السينمائية العريضة بعنوان “رحلة إلى بداية العالم” للمخرج البرتغالي المخضرم “مانويل دي أوليفيرا” عام 1997، وقد عرض الفيلم بعد وفاة ماستروياني. وفي العام التالي لوفاته 1997، عرض مهرجاني “كان” و”فينيسيا” فيلمًا تسجيليًا تكريمًا له بعنوان “مارشيلو ماستروياني: أنا أتذكر” للمخرجة الإيطالية ورفيقة ماستروياني في أواخر أيامه “آنا ماريا تاتو”.