القاهرة – محمد هاشم عبد السلام

 

15/11/2015

 

يواصل مهرجان القاهرة السينمائي فعاليات دورته السادسة والثلاثين بنجاح يبدو أن سيكون لافتًا في عمر هذا المهرجان على أكثر من مستوى. فقد كان الجميع يخشون عدم الانتظام وإهدار الوقت الاضطراب وغيرها من الأمور التي عانت منها الدورات السابقة. لكن، وبشهادة الجمهور نفسه، ثمة انتظام في جميع عروض البرامج المختلفة لأقسام المهرجان دون أي تعديلات أو تبديلات أو إلغاء، إضافة إلى الحرص الشديد على بدء جميع العروض في أوقاتها، كذلك مواعيد الدخول والخروج وتوقيتات العرض التي تطبق حتى على أعضاء لجان التحكيم. وفوق كل هذا، جودة الصوت والصورة والترجمة أيضًا بكافة قاعات المهرجان. أما النجاح الكبير الذي فاجأ حتى المنظمين أنفسهم، فتبدى في الكثافة غير المسبوقة للجمهور بمعظم العروض والندوات، وأحيانًا تعذر الدخول نظرًا لامتلاء القاعات.

ومع دورة هذا العام اشتكى الكثير من الجمهور اضطرارهم لعدم مشاهدة أفلام جيدة لتزامنها مع أفلام أخرى أكثر جودة تعرض في نفس التوقيت. كما دفعت الشكوى إدارة المهرجان والمسئولين عن برنامج آفاق السينما العربية لتخصص عرض ثالث للفيلم الأردني “ذيب” للمخرج ناجي أبو أنور، نظرًا لعدم تمكن الكثير من مشاهدته عندما عرض مرتين في يومين متتاليين. وتتوقع إدارة المهرجان بناء على الرصد اليومي لعدد الحضور والتذاكر المباعة، إن استمرت الحضور الكثيف، أن تتفوق دورة هذا العام على آخر دورتين معًا من المهرجان. على أية حال، سوف يتجلى هذا عندما تصدر الإدارة الإحصاءات النهاية بآخر يوم كما أفادت.

 

توقيعات كتب المهرجان

انطلقت مع ثاني أيام المهرجان، في سابقة جديدة، وبحضور الناقد كمال رمزي رئيس تحرير مطبوعات ومدير التحرير محمد عبد الفتاح، حفلات توقيع الكتب الصادرة بالمهرجان، حيث يعقد كل يوم حفلي توقيع وندوة ومناقشة لمدة ساعة بحضور مؤلف كل كتاب. وقد عرض الكاتب الصحفي: إبراهيم منصور كتابه الذي حمل عنوان “خالد السرجاني”، مدير المركز الصحفي والمتحدث السابق باسم المهرجان الذي وافته المنية قبل أيام قليلة من بدء دورة المهرجان. ثم أعقبه حفل توقيع كتاب “بركات: زعيم المحافظين في السينما المصرية”، للناقد السينمائي ومدير المركز الصحفي مجدي الطيب عن المخرج المحتفى بمئوية مولده في دورة هذا العام. وكان اليوم التالي لكتاب “فطين عبد الوهاب: رائد الفيلم الكوميدي في مصر” للناقد والصحفي: أشرف غريب، تلاه التوقيع الآخر لكتاب “حسين صدقي الملتزم” للناقدة والصحفية: ناهد صلاح. وكان اليوم الثالث مع كتاب “السينما الكردية” للناقد والصحفي: إبراهيم حاج عبدي، ثم كتاب “حوارات سينمائية” للناقد والصحفي: نبيل فرج. وبعد ظهر يوم الخميس، كان توقيع كتاب “الكتابة الضوء” لمدير التصوير: سعيد شيمي، تلاه توقيع كتاب “كمال سليم” للناقد: وليد سيف.

 

حلقة بحث

تحت عنوان “مهرجانات السينما الدولية في العالم العربي”، يعقد المهرجان منذ يومه الثاني وعلى مدار سبعة أيام، حلقات بحثية تحت إدارة وإشراف الناقد الدكتور ناجي فوزي، تتمحور حول أهم مهرجانات السينما في عالمنا العربي بحضور مجموعة من الباحثين والكتاب والنقاد الذين كلفوا بكتابة أوراق بحثية تتناول إجابيات وسلبيات تلك المهرجانات والتوصيات التي خرج بها كل باحث. وكانت حلقة بحث اليوم الأول عن “مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة” للباحثة: سلمى حلمي من مصر، وحلقة بحث اليوم الثاني عن “مهرجان الإسكندرية لأفلام دول البحر المتوسط” للباحث: إبراهيم الدسوقي من مصر، وحلقة اليوم الثالث عن “مهرجان دمشق السينمائي الدولي” للناقد والصحفي: ناجح حسن من الأردن، ورابع يوم عن “مهرجان مراكش السينمائي الدولي” للناقد: خالد الخضري من المغرب، وحلقة اليوم الخامس بعنوان “مهرجان دبي السينمائي الدولي” للناقد والصحفي: زياد عبد الله من سوريا. أما حلقتي يومي السبت والأحد فهما تحت عنوان “مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي” للناقد والصحفي: بشار إبراهيم من فلسطين، و”مهرجان أيام قرطاج السينمائية للأفلام العربية والأفريقية” للناقد: محمد بو غلاب من تونس. جدير بالذكر، أن تلك الحلقات البحثية مهداة إلى اسم الناقد والصحفي السينمائي الذي رحل قبل أيام  “قصي صالح الدرويش”.

 

مُلتقى الصناعة

افتتح يوم الثلاثاء الماضي “ملتقى الصناعة” الذي ينظمه المهرجان على مدار إسبوع ويديره أستاذ السينما بالجامعة الأمريكية بالقاهرة: مروان عمارة، بحضور مجموعة من الخبراء الأجانب في الإخراج والمونتاج والتوزيع، الذين يلتقون يوميًا بثمانية من المخرجين الشباب المصريين أصحاب المشروعات التسجيلية والروائية المشاركة في المتلقى، والتي هي في مراحل مختلفة من الإنتاج، وذلك بعد مشاهدتهم لمشروع كل منهم على حدة بغية إطلاعهم على المشكلات أو العيوب الموجودة بتلك المشاريع أو تقديم النصح والمشورة فيما يتعلق بتطوير مشاريعهم أو الوصول بها للمراحل النهاية وحتى مراحل توزيعها لاحقًا.

 

“يوم أن تحصى السنون”

نظم المهرجان في مساء الثامنة مساء الأربعاء الماضي حفلا بعنوان “يوم أن تحصى السنوان” لتذكر المخرجين وكتاب السيناريو المصريين الراحلين خلال العامين الماضيين، منذ الدورة الفائتة، وهم حسب رحيل كل منهم: مدكور ثابت، رفيق الصبان، توفيق صالح، ممدوح الليثي، محمد رمضان، نادين شمس، فايز غالي، حسين الإمام، مدحت السباعي، سعيد مرزوق. وقد أهدي الحفل لاسم منيب شافعي الذي تولى غرفة صناعة السينما المصرية منذ 1977 وحتى رحيله هذا العام. عرض في هذا الحفل فيلمًا من إنتاج المهرجان لمدة ساعة تناول شهادات أصدقاء الراحلين أو العاملين معهم من ممثلين ومخرجين إلى جانب لقطات من أعمالهم. وبنفس عنوان الاحتفالية أصدر المهرجان كتابًا للباحث الفني والصحفي المُدقق محمد دياب، تناول فيه على نحو مفصل ودقيق حياة كل راحل وبعض ما كتب عنه وفيلموجرافيا صحيحة ومجموعة من الصور النادرة.

 

أفلام المسابقة

عرض يوم الأربعاء الماضي بالمسابقة الدولية، الفيلم البرازيلي “الصبي والعالم”، وهو فيلم رسوم متحركة للمخرج: آلي أبريو. وهو فيلم شديد الجمال والبساطة وغاية في الإمتاع من الناحية البصرية والموسيقية، إنه بالفعل وحتى وقتنا هذا أحد أهم الأفلام التي تنتمي لهذا الجنس السينمائي. والفيلم، الذي يصلح لأن نطلق عليه أنه ينتمي لما يعرف بأفلام الطريق، يحمل رسالة إدانة قوية للعالم المادي من حولنا، للاقتصاد ورجال الأعمال وكل ما يسحق الإنسان ويدمره ويستغل معاناة وفقر البشر المكافحين في الحقول أو المصانع وغيرها من أجل حياة بسيطة كريمة. كل هذا وأكثر، ينقله لنا مخرج الفيلم وطاقم عمله، عبر عيني الصبي “كوكا”، الذي يترك منزله الفقير وسط الحقول بإحدى القرى بحثًا عن والده الذي افتقده، بعدما ترك أسرته بحثًا عن سبل جديدة للرزق. وبرأيي أن ثمة مشكلة ليست بالهينة ستواجه لجنة التحكيم فيما يتعلق بتقييم هذا الفيلم المتسابق مع أجناس أخرى غيره، أي الروائي والتسجيلي.

وفي مساء نفس اليوم عرض أحد أقوى أفلام المسابقة حتى الآن، والذي سينال في اعتقادنا إحدى جوائز المهرجان (التمثيل)، إن لم يكن الجائزة الكبرى، والفيلم يحمل عنوان “بلد تشارلي”، من إخراج الاسترالي: رولف دي هير. والفيلم الناطق بالإنجليزية إلى جانب “اليولنجو” لغة السكان الأصليين في شمال استراليا، يعرض لمشكلة غاية في الأهمية والخطورة ألا وهي مشكلة السكان الأصليين، تلك المشكلة التي ستستغرق، على حد قول مخرج الفيلم، خمسمئة عام حتى تحل، نظرًا لأن السكان الأصليين الزنوج لا يعيشون وفقًا للمعنى المتعارف عليه لكلمة مجتمع، بل كفرادى وجماعات متفرقة في أماكن مختلفة دونما حصر أو إحصاء من جانب الدولة. وهذا هو بالتحديد وضع شارلي، المتمسك بأرضه ووطنه الأم الذي يذكره دومًا، ويُذكر الاستراليين البيض به وباغتصابه، مرات على نحو جاد وحاد وأخرى بحدة وسخرية دون خشية شرطي أو حتى قاضي ودون أن يهاب السجن، الذي دخله ومر بداخله بلحظة ضعف وقتيه جعلته يستسلم للتأقلم وحياة ومعيشة وطعام البيض. لكن بعد خروجه يرجع تشارلي إلى النوم بالعراء وسط الغابات، ولإطلاق لحيته وشاربه ويعيش هائمًا على وجه كغيره من الرفقاء مثلما كان في بداية الفيلم، في رفض نهائي من جانبه للتخلي عن موطنه وطريقته في العيش لأنها في النهاية “بلد تشارلي”.

أما يوم الخميس الماضي، فقد عرض في الصباح الفيلم الفرنسي “الحب من أول صراع”، للمخرج: توماس كايلي. والفيلم متواضع المستوى ولا يصلح كفيلم قوي يشترك في مسابقة رسمية لمهرجان كبير. وهو دراما عادية بين عاشقين في طور الشباب يقفان على طرفي النقيض في كل شيء، الشاب خجول مهذب يحب الحياة كما هي وليست لديه أية مشاكل معها ولا يهتم بكل ما يدور من حوله حتى العمل مع شقيقه أو التفكير في مستقبله كما أنه يعيش حياة شبه متواضعة ببيت والدته بعد وفاة والده. أما الفتاة فعلى العكس منه كما أسلفنا بالإضافة لكونها على قدر كبير من الحدة والعنف غير المبررين، حاول المخرج إلى يردهما لتخوفها من المستقبل والنهاية الكونية التي ستحل إن آجلا أو عاجلا والكوارث المحيطة بالبشر الذين يصنعونها يومًا بعد الآخر، وكالمعتاد بعد العراك والعداء بينهما، من جانبها على وجه الخصوص، يشتعل الحب وينقلب كل شيء للنقيض ويأخذها الشاب إلى عالمه وطريقة تفكيره لينتهي الفيلم بالنهاية السعيدة.

أما فيلم المساء فكان التسجيلي الممثل لدولة الإمارات ويحمل عنوان “أحمر أزرق أصفر” وهو من إنتاج وإخراج وكتابة نجوم الغانم. وقد سبق عرضه تقديم المخرجة وكذلك الفنانة التشكيلية نجاة مكي بواسطة رئيس المهرجان، ثم تحدثت المخرجة شاكرة المهرجان ومصر وكتابها وفنانيها ونجومها وتاريخها وكذلك رئيس المهرجان الذي فاجئها على حد قولها بوجوده أثناء العرض الأول للفيلم بمهرجان دبي ثم مرة ثانية بكتابته عنه ثم للمرة الثالثة عندما دعاها واختار فيلمها ليشارك ضمن المسابقة الرسمية. وشكرت الفنانة نجاة مكي رئيس المهرجان ووزارة الثقافة على عرض الفيلم وكذلك لوحاتها في معرض خاص مقام على هامش المهرجان. والفيلم يتناول المسار المهني وأعمال التشيكلية الإماراتية نجاة مكي، أول من نال درجة الدكتوراة في الفنون بدولة الإمارات، وإحدى أهم رائدات الفن التشكيلي والمؤسسين للحركة التشكيلية منذ بداية الثمانينيات، من منظور النقاد والفنانين المعاصرين، وكذلك حياتها الشخصية منذ نشأتها وحتى صناعة الفيلم عبر أسرتها والأقرباء وعلى لسانها أيضًا.