محمد هاشم عبدالسلام
الأحد 8 مارس 2015
في جديدهما الذي يقدماه حديثاً للسينما العالمية بصفة عامة والإيطالية بصفة خاصة، وهو بعنوان “بوكاتشيو الرائع”، الذي بدأت عروضه الجماهيرية في دور العرض الإيطالية الأسبوع الماضي، اختار الأخوان باولو وفيتوريو تافاياني، في منتصف الثمانيات من عمريهما، العودة إلى أحد النصوص الأدبية الخالدة في التاريخ الأدبي والإنساني، وهو العمل الذي يحمل عنوان “ديكاميرون” للإيطالي جيوفاني بوكاتشيو.
بعد فوز فيلمهما الأخير “قيصر يجب أن يموت” بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي عام 2012، يعود أستاذين من أساتذة الإخراج السينمائي المعاصرين، المخضرمين باولو وفيتوريوتافاياني، إلى نص أدبي أيضاً ليستمدا منه بتصرف السيناريو الذي كتباه لفيلمهما “بوكاتشيو الرائع”، والذي يتناول تيمة الحب على وجه التحديد. والحب هنا في نسخة تافاياني يتجلى في أبرز صوره، لأن الموت والخراب يحيطان به من كل جانب.
أحداث الفيلم
تدور أحداث الفيلم على وجه التحديد في عام 1348، حيث الموت الأسود أو وباء الطاعون يضرب فلورنسا، حاصداً آلاف الأرواح، ومُخلفاً مئات الجثث في الشوارع والطرقات أو فوق عربات حمل الموتي حيث تنقلها إلى المقابر الجماعية، وتاركاً المدينة غارقة في رائحة الموت الحتمي. وفراراً من ذلك المصير المُحدق، يقرر مجموعة من الشباب، عشرة شبان، الانعزال بعيداً عن هذا الكابوس في إحدى الفيلات الريفية.
وبالفعل تلتقي الفتيات السبع، في نفس المرحلة العمرية ويرتدين نفس الأزياء مع اختلاف الألوان، في إحدى الكنائس للتخطيط للهرب، وتستأذن ثلاثة منهن في اصطحاب أصدقائهن الذكور معهن في رحلتهم تلك. ومن ثم، يشرع الشبان العشرة في رحلتهم، حتى يصلون في النهاية إلى وجهتهم. وهناك، لتمضية الوقت، يقررون فيما بينهم أن يحكي كل واحد منهم قصصاً للآخرين، وذلك على امتداد عشرة أيام، تدور كلها حول تيمة الحب.
وتجمع تلك الحكايات التي يرويها الشباب، والتي يبدو عليهم أنهم يرتجلونها عفوياً، بين الأسى والحزن وعدم الفوز بالمحبوب وتكليل الأمر بالزواج في النهاية أو حول الموت أو المرض الذي قد يختطف أحد الحبيبن ويترك محبوبه عرضة لشتى المصاعب أو الفروق الطبقية والفقر والغنى فيما يتعلق بأحد الحبيبين، كما لا تخلو بعض القصص من الفرح والنكات والسخرية. وليس ثمة جدال في أن قصص الحب تلك تلامس الكثير من الفضائل أو الخصال الأخرى مثل الصدق والإخلاص والتضحية والتفاني وغيرها.
وغني عن القول، بالطبع، أن تلك القصص أبطالها هم نفس الشباب العشرة الذين يقومون بسرد تلك الحكايات أو قصها والمجتمعين معاً بهذه الفيلا، والذين يقضون أوقات فراغهم التي تتخلل حكيهم لقصهم لتلك في إعداد الطعام وتجهيز الخبز، والسباحة في البحيرة واللهو تحت المطر، في تأكيد قوي على حبهم للحياة واحتفالهم بها.
التصوير
وقد استعان الأخوان تافاياني في تصوير فيلمهما بالمصور الرائع “سيموني زمباني”، الذي صور لهما من قبل فيلمهما “قيصر يجب أن يموت”، وقد اختار سيموني التصوير وسط الكثير من أنقاض وأطلال مناطق تاريخية بتوسكانا ولاتسيو لإكساب مشاهد الفيلم الكثير من المصداقية، بحيث تبدو أجواء القرن الثالث عشر جلية بارزة. كما كان للإضاءة والملابس مفعول السحر في أن تظهر الكادرات بتلك الصور الرائعة التي ظهرت عليها، والتي بدت بالضبط كما لو كانت لوحات تشكيلية مرسومة بريشة كبار المبدعين.
جدير بالذكر أن الفيلم يقف على النقيض تماماً من النسخ السابقة التي استلهمت الديكاميرون من قبل في السينما الإيطالية والعالمية، وتحديداً تلك النسخة التي أخرجها المخرج الإيطالي الكبير بييرو باولو بازوليني عام 1971، والتي حملت عنوان “الديكاميرون”.