محمد هاشم عبد السلام

 

الأربعاء 14 يناير 2015

 

ولدت الممثلة الأمريكية الشهيرة “دوروثي فاي دوناواي”، المعروفة بفاي دوناواي، في الرابع عشر من يناير عام 1941، بباسكوم، فلوريدا. ودوناواي التي تبلغ الرابعة والسبعين هذا اليوم في رصيدها الفني أكثر من مئة عمل في السينما والمسرح والتليفزيون.

خلال حياتها المهنية، عملت دوناواي مع العديد من المخرجين المتميزين، منهم على سبيل المثال، إيليا كازان، آرثر بن، رومان بولانسكي، سيدني لوميت، سيدني بولاك، بيربيت شرودر، أمير كوستوريتسا. كما شاركت العديد من النجوم أدوار البطولة مثل، جاك نيكلسون، وارن بيتي، ستيف ماكوين، داستين هوفمان، ويليام هولدين، بيت ديفيز، جوني ديب، ناتاشا ريتشاردسون، مارلون براندو، أنجلينا جولي.

وفاي هي ابنة لضابط الجيش “جون ماكدويل دوناواي” و”جريس أبريل” ربة المنزل. وهي من جذور ألمانية إنجليزية أيرلندية. أمضت حياتها في السفر عبر الولايات المتحدة وأوروبا وهي صغيرة، هربًا من الجدال الدائم بين والديها، والذي أدى في النهاية إلى انفصالهما وهي مراهقة. وقد تأثرت فاي بهذا كثيرًا، لكن بدلا من تدمير حياتها، حددت لنفسها هدفًا، وهو أن تكون الأفضل مهما يكن.

أخذت دروسًا في الرقص، والرقص بالنقر والبيانو والغناء، ثم درست في جامعتي بوسطن وفلوريدا. وتخرجت في جامعة فلوريدا بدرجة بكالوريوس في المسرح. وفي عام 1962، وهي في الحادية والعشرين، أخذت دروسًا في التمثيل في المسرح القومي والأكاديمية الأمريكية.

رصدها “لويد ريتشاردز” أثناء تمثيلها بمسرحية “البوتقة”، ورشحها للمخرج المؤثر “إيليا كازان”، الذي كان يبحث عن موهبة شابة للعمل معه. أعلن كازان: “ثمة شيء بخصوص فاي يذكرني بجين مورو. إنها لا تزال حيوية ومندفعة بعض الشيء وتبدو دائمًا منطلقة دراميًا”.

وقد تخلت فاي عن منحة دراسية كبيرة من الأكاديمية الملكية للفنون المسرحية، لتقديرها بإنها لا يمكنها ترك فرصة العمل مع كازان. وخلال ستة أيام بعد تخرجها من الجامعة، ظهرت دوناواي بالفعل في برودواي في “رجل لكل العصور” للمخرج “روبرت بولت”. وواصلت نجاحها وأشاد النقاد بأدائها في مسرحية “بعد السقوط” للكاتب الشهير آثر ميلر.

 

انطلاقتها

لكن دوناواي أرادت أيضًا أن تدخل إلى عالم صناعة السينما، وقد تحقق لها هذا. وكان أول أدوارها على الشاشة عام 1967 في فيلم كوميدي بعنوان “يحدث”، لكنه مع ذلك مر الفيلم مرور الكرام. كما شاركت في الحام نفسه بفيلم درامي بعنوان “أفول شمس هاري” من إخراج أوتو بريمنجر وبطولة مايكل كين وجين فوندا. على المستوى الفني، لم يكن الفيلم سيئًا وكذلك أداء دوناواي، التي حظيت بالإشادة، وحتى الترشح لجولدن جلوب أفضل ممثلة ناشئة.

لكن على مستوى التعامل مع المخرج أوتو بريمنجر، الذي وقعت معه عقودًا لخمسة أفلام قادمة، فقد كان صادمًا ووصل لحد إلقاء السباب، ونفى هو عنها صفة الممثلة وهي أدانته كمخرج، ووصل الأمر للمحاكم حتى تتخلص منه، وتقول في مذكراتها: “إن الأمر تمت تسويته في النهاية بعيدًا المحاكم، لكنها ندمت على ما دفعته من أموال مقابل التخلص من ذلك العقد المقيد لها ولمستقبلها، لكن الأمر كان مريعًا ولم يكن من ذلك بد”.

بعد ذلك، كانت دوناواي على وشك ترك المهنة، لكن تزكية كازان لها عند المخرج “آرثر بن” للقيام بدور “بوني” لصة البنوك في فيلمه “بوني وكلايد” أمام النجم “وارن بيتي” في دور “كلايد” أسهمت إلى حد كبير في إثنائها عن هذا القرار. خاصة بعدما اقتنع آرثر بن بالفعل بأنها الأصلح لأداء الدور، وبدوره أقنع بطل الفيلم ومنتجه وارن بيتي. وكانت دوناواي مميزة في هذا الدور بالفعل، وقد اشتهرت بقبعتها “البونيه” اللافتة التي ظهرت بها في مشاهد كثيرة بالفيلم، وصارت موضة آنذاك.

وقد أثار الفيلم، الذي يجسد القصة الحقيقة للصي البنوك الشهيرين بوني وكلايد أثناء فترة الكساد الكبير، والذي تم تصويره في الكثير من الأماكن الحقيقة، الكثير من الجدال النقدي مع أو ضد الفيلم، في حين حظي الفيلم بنجاح جماهيري لافت، لاسيما بين صفوف الشباب، وحقق مبيعات هائلة في شباك التذاكر بأميركا وأوروبا. وتم ترشيحه لعشر جوائز “أوسكار”، ومنها أفضل ممثلة، والعديد من جوائز “البافتا”، وفازت بجائزة أفضل وجه جديد صاعد. وبين ليلة وضحاها طبقت شهرة دوناواي الآفاق. وحتى قيل إنها مارلين مونرو الجديدة.

 

أواخر الستينات وأوائل السبعينات

بعد بوني وكلايد تراوحت أفلام دوناواي بين المتوسط والجديد والرائع، وأثنى النقاد على الكثير من أدوارها وانتقدها البعض الآخر، بالرغم من أن دوناواي حاولت قدر استطاعتها تنويع الأدوار التي تقوم بها، فعملت أدوارًا تراجيدية ورومانسية وكوميدية وحركة وإثارة ورعب، وهناك الكثير من الأدوار بل والمشاهد أيضًا التي لا تنسى لها في العديد من الأفلام التي قدمتها على امتداد مسيرتها المهنية.

وقد حققت دوناواي، خلال تلك الفترة، ناجحًا آخر لافتًا في فيلم حمل عنوان “علاقة توماس كراون” للمخرج نورمان جويسون وبطولة ستيف ماكوين.

في أواخر الستينات، وبعد عملهما المشترك معًا، كانت دوناواي على علاقة شهيرة بالممثل الإيطالي الكبير مارشيلو ماستروياني، وقد امتدت تلك العلاقة لسنوات طويلة، وكانت دوناواي تخطط للزواج منه وتكوين أسرة وإنجاب أطفال، لكن ماستروياني رفض تطليق زوجته. بعد ذلك، قررت دوناواي الاهتمام بعملها فقط.

وبالفعل استطاعت دوناواي تجاوز الأمر، لا سيما وقد جاءتها الفرصة للعمل مع صديقها ومعلمها كازان في فيلم حمل عنوان “الترتيب” (1970)، كما تلقت عرضًا رائعًا للقيام بالبطولة في فيلم “الفخ القاتل” مع المخرج الفرنسي المتميز “رينيه كليمو”. ومنه انطلقت بعد سنوات قليلة للعمل مع مخرج لا يلق تميزًا وهو البولندي رومان بولانسكي في “الحي الصيني” (1974) أمام النجم جاك نيكلسون. وقد تلقت عنه عدة ترشيحات أوسكار لأفضل ممثلة ثانوية والجولدن جلوب والبافتا. واختتمت تلك السنة بزواجها من أحد أشهر مغنيين الروك “بيتر وولف”.

في عام 1976، حصلت دوناواي على عدة جوائز وترشيحات عن دورها المتميز في فيلم “الشبكة”، والذي ترشحت عنه لسادس مرة للجولدن جلوب وفازت بجائزة أفضل ممثلة، وفي العام التالي ترشحت لأحسن ممثلة في الأوسكار لثالث مرة. وأفلحت في انتزاعها من بين أنياب الممثلة السويدية الرائعة “ليف أولمان”. ولم تكن دوناواي تتوقع التتويج بها، على حد قولها. وعن فوزها قالت: “لن أنسى أبدًا ذلك الشعور عندما سمعت اسمي. كانت جائزة الأوسكار حلم العمر. لقد نجحت في مسيرتي كممثلة، لديّ ما يدعو لتصديق هذا”.

 

بعد الأوسكار

احتجبت دوناواي عن السينما لعامين متتالين أو أكثر، ورفضت العديد من الأدوار التي عرضت عليها سواء لضعفها أو لرغبتها في الاهتمام بحياتها الأسرية. وحتى نهاية عقد السبعينات لم تقدم سوى دورين صغيرين نسبيًا أحدهما في الفيلم الحزين البديع “البطل” للمخرج الإيطالي الشهير فرانكو زيفريللي. قد واختتمت دوناواي عقد السبعينات أسوأ ختام بالنسبة لها، وذلك بعد إعلانها وزوجها الانفصال ثم الطلاق.

واصلت دوناواي خلال فترة الثمانينات أدوارها المتذبذبة المستوى أداء واختيارًا في السينما والتليفزيون والمسرح. وفازت بجائزتي أسوأ ممثلة لمرتين متباعدتين وترشحت لعدة جوائز لم تفز بها، كما شهد هذا العقد زواجها من المصور والمخرج “تيري أونيل” وإنجابها ابنًا منه وانتقالها للعيش معه في إنجلترا. ومع انتصاف عقد الثمانينات فازت عن دورها في المسلسل التليفزيوني “جزيرة إيليز” بجائزة الجولدن جلوب لأحسن ممثلة.

كما شهد هذا العقد إقدام دوناواي على العمل في الأفلام المستقلة وقدمت فيها الكثير والكثير من الأعمال في مسيرتها وأقدمت كذلك على خوض تجربة الإنتاج السينمائي، إلى جانب بالطبع قبولها العمل في عدد قليل من الأفلام التجارية وشبه التجارية. وقبل انتهاء ذلك العقد، انفصلت دوناواي وحصلت على الطلاق من زوجها وعادت مرة أخرى للعيش في الولايات المتحدة.

 

التسعينات

خلال عقد التسعينات قدمت دوناواي العديد من الأفلام المستقلة والتجارية والتليفزيونية والمسلسلات والمسرحيات أيضًا بمعدل وصل لثلاثة أعمال في العام تقريبًا، وقد تراوحت أدوارها ما بين البطولة أو الثانوية أو الشرفية في بعض الأحيان. وأهم مساهمة لها خلال تلك الحقبة كانت في المسلسل الشهير “كولومبو” والذي ترشحت عنه لجائزتي الجولدن جلوب وإيمي، وفازت بالأخيرة كأفضل ممثلة تليفزيونية شرفية لعام 1993 – 1994.

وحققت دوناواي في تلك الفترة أهم أحلامها بتقديم مسرحيات ناجحة نقديًا وجماهيريًا، وكذلك العمل مع النجمين “مارلون براندو” و”جوني ديب” في فيلم “دون جوان دي ماركو” إخراج جيريمي ليفين. وعن دورها في فيلم “جيا” للمخرج مايكل كريستوفر وبطولة أنجلينا جولي، ترشحت دوناواي وفازت بثالث جائزة جولدن جلوب في حياتها عام 1998. وحظيت بالنجمة رقم 7012 التي حملت اسمها في شارع المشاهير بهوليوود.

 

القرن الجديد

ومنذ مطلع القرن وحتى الآن، وفاي دوناواي تشارع بالعديد من الأعمال الشرفية أو الصغيرة في المسلسلات والأفلام التليفزيونية وكذلك الأفلام القصيرة والمستقلة، وإن بمعدلات أقل كثيرًا عمّا سبق. وآخر عمل اشتركت فيه دوناواي كان الفيلم التليفزيوني “عيد شكر للعائلة” وكان في عام 2010.

جدير بالذكر أن دوناواي، التي توصف بالرقي الشديد والرقة البالغة، وفي نفس الوقت بأنها على قدر كبير من المزاجية الصعبة، كرّمها مهرجان “كان” في دورته الرابعة والستين، وذلك بوضع صورتها، التي كان قد التقطها لها المخرج “جيري شاتزبيرج” عام 1970، على أفيش دورة المهرجان لذلك العام. كما كرّمها وزيرة الثقافة الفرنسي وقتذاك “فريدريك ميتران” بمنحها وسام الفنون والآداب، الأمر الذي اعتبرته دوناواي حدثًا لا يقل أهمية بالنسبة لها عن الفوز بجائزة الأوسكار.