محمد هاشم عبد السلام

الإثنين 9 مارس 2015

 

في جديدهما المقدم حديثاً للسينما العالمية بصفة عامة والإيطالية بصفة خاصة، بعنوان “بوكاتشيو الرائع”، والذي بدأت عروضه في دور العرض الإيطالية الأسبوع الماضي، اختار الأخوان باولو وفيتوريو تافاياني، وهما في منتصف الثمانيات، العودة إلى أحد النصوص الأدبية الخالدة في التاريخ الأدبي والإنساني، وهو العمل الذي يحمل عنوان “الديكاميرون” للإيطالي جيوفاني بوكاتشيو.

وبعد فوز فيلمهما الأخير “قيصر يجب أن يموت” بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي عام 2012، يعود أستاذان من أساتذة الإخراج السينمائي المعاصرين، المخضرمين باولو وفيتوريوتافاياني، إلى نص أدبي أيضاً ليقتبسا منه بتصرف، السيناريو الذي كتباه لفيلمهما “بوكاتشيو الرائع”، والذي يتناول تيمة الحب على وجه التحديد، والحب هنا في نسخة تافاياني يتجلى في أبرز صوره، لأن الموت والخراب يحيطان به من كل جانب.

تدور أحداث الفيلم على وجه التحديد في 1348، حيث الموت الأسود أو وباء الطاعون يضرب فلورنسا، حاصداً آلاف الأرواح، ومخلفاً مئات الجثث في الشوارع والطرقات أو فوق عربات حمل الموتي حيث تنقلها إلى المقابر الجماعية، وتاركاً المدينة غارقة في رائحة الموت الحتمي. وهرباً من ذلك المصير المحدق، يقرر مجموعة من الشباب، عشرة شبان، الانعزال بعيداً عن هذا الكابوس في إحدى الفيلات الريفية.

وبالفعل تلتقي الفتيات السبع، في المرحلة العمرية نفسها، ويرتدين نفس الأزياء مع اختلاف الألوان، في إحدى الكنائس للتخطيط للهرب، وتستأذن ثلاثة منهن في اصطحاب أصدقائهن الذكور معهن في رحلتهم تلك. ومن ثم يشرع الشبان العشرة في رحلتهم، حتى يصلون في النهاية إلى وجهتهم، وهناك لتمضية الوقت، يقررون فيما بينهم أن يحكي كل واحد منهم قصصاً للآخرين، وذلك على امتداد عشرة أيام، تدور كلها حول تيمة الحب.

وتجمع تلك الحكايات التي يرويها الشباب، والتي يبدو عليهم أنهم يرتجلونها عفوياً، بين الآسى والحزن وعدم الفوز بالمحبوب وتكليل الأمر بالزواج في النهاية، أو حول الموت أو المرض الذي قد يختطف أحد الحبيبن ويترك محبوبه عرضة لشتى المصاعب أو الفروق الطبقية والفقر والغنى فيما يتعلق بأحد الحبيبين، كما لا تخلو بعض القصص من الفرح والنكات والسخرية، وليس ثمة جدال في أن قصص الحب تلك تلامس الكثير من الفضائل أو الخصال الأخرى مثل الصدق والإخلاص والتضحية والتفاني وغيرها.

وبالطبع فإن أبطال تلك القصص هم الشباب العشرة  أنفسهم الذين يقومون بسرد تلك الحكايات أو قصها والمجتمعين معاً بهذه الفيلا، والذين يقضون أوقات فراغهم التي تتخلل حكيهم لقصهم لتلك في إعداد الطعام وتجهيز الخبز، والسباحة في البحيرة واللهو تحت المطر، في تأكيد قوي على حبهم للحياة واحتفالهم بها.

واستعان الأخوان تافاياني في تصوير فيلمهما بالمصور الرائع “سيموني زمباني”، الذي صور لهما من قبل فيلمهما “قيصر يجب أن يموت”، واختار سيموني التصوير وسط الكثير من أنقاض وأطلال مناطق تاريخية بتوسكانا ولاتسيو، لإكساب مشاهد الفيلم الكثير من المصداقية، بحيث تبدو أجواء القرن الثالث عشر جلية بارزة.، كما كان للإضاءة والملابس مفعول السحر في أن تظهر الكادرات بتلك الصور الرائعة التي ظهرت عليها، والتي بدت بالضبط كما لو كانت لوحات تشكيلية مرسومة بريشة كبار المبدعين.

يذكر أن الفيلم يقف على النقيض تماماً من النسخ السابقة التي استلهمت الديكاميرون من قبل في السينما الإيطالية والعالمية، وتحديداً تلك النسخة التي أخرجها المخرج الإيطالي الكبير بييرو باولو بازوليني عام 1971، والتي حملت عنوان “الديكاميرون”.