فينيسيا – محمد هاشم عبد السلام

05  سبتمبر 2019

منذ أعوامٍ عديدة، لم تعد تقتصر مهرجانات السينما في العالم على عروض الأفلام وأسواق بيعها وشرائها والدعاية لها وإقامة ورش وندوات ودروس. اتّسع الأمر ليشمل نشاطات أخرى، بدءًا من الموسيقى، المرتبطة بالأفلام عادة، أو بيع حقوق الكتب، خصوصًا الأعمال الأدبية، لاقتباسها إلى أفلام، أو تنظيم معارض لملصقات الأفلام والنجوم/ النجمات. معظم تلك الأنشطة لها علاقة قريبة، وأحيانًا لصيقة، بالسينما، أو بتاريخ المهرجان، والمدينة المنعقد فيها.

أسوة بـ“مهرجان برلين السينمائي الدولي (برليناله)”، وغيره من المهرجانات، التي تُقام على هامش برامجها الرئيسية أنشطة أخرى متنوّعة، بدأ “مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي (لا موسترا)” يسير على الدرب نفسه، منذ الدورة الـ75 (29 أغسطس/ آب – 8 سبتمبر/ أيلول 2018)، التي شهدت معرضًا ضخمًا للصُوَر الفوتوغرافية ولأشرطة الفيديو، كما لمقاطع تسجيلية مختلفة، أُقيم في بهو “أوتيل دي بان” العريق. هذا المعرض شهد إقبالاً كبيراً حينها، وكان بعنوان “السينما في لا موسترا، وجوه وصُوَر من المهرجان الدولي للسينما، 1932 ـ 2018″، عكست، بشكلٍ أرشيفي عريض وشامل، تاريخ المهرجان منذ تأسيسه، حتّى دورته الماسية.

هذا العام، وخلال الدورة الـ76 (28 أغسطس/ آب – 7 سبتمبر/ أيلول 2019)، يُقيم المهرجان نفسه معرضه الثاني، بعنوان “أعمال فريدة من نوعها” (26 أغسطس/ آب – 15 سبتمبر/ أيلول 2019)، في بهو الفندق نفسه (أوتيل دي بان)، والدخول مجّاني لروّاد المهرجان والسيّاح. المعرض مُكرّس كلّه للصُور الفوتوغرافية، مع عرض لقطات مُصوّرة لدقائق قليلة، تعرض بعض ما يجري في كواليس جلسات التصوير، قبل التقاط الصُوَر الفوتوغرافية. فثيمته تتمحور حول صُوَر “بولارويد”، ملتقطة بين عامي 1996 و2004، ويبلغ عددها 300، “تؤرِّخ” حضور نجمات السينما ونجومها، الذين شاركوا في المهرجان، خلال تلك الفترة.

صُوَر المعرض ممتدّة على تسعة أعوام، وهي بمعظمها لفائزين بجوائز مختلفة، ولأعضاء لجان التحكيم، ولشخصيات مُكرَّمة، ولمخرجين ونجوم ونجمات من مختلف أنحاء العالم: برناردو بيرتولوتشي ويوسف شاهين ويانغ ييمو وعمر الشريف وجوني ديب وجوليان مور وميريل ستريب وغيرهم. فالمعرض، باختصار، عبارة عن قطعة رائعة من الموزاييك الفوتوغرافي، مركّبة بحرفية واقتدار، ومختارة بذوق فني رفيع، لا يخلو من طرافة وجدّة وإبداع وفنيّة.

المعرض ليس تكريمًا أو احتفاء بنجوم ونجمات ومخرجين ومخرجات، بل أيضًا بمُصوّرين وقفوا وراء الكاميرا، والتقطوا تلك الصُور أعوامًا عديدة: فابيو لوفينو وماوريتزيو غاليمبيرتي واستفانو مونتيسي مثلاً. معارض كهذه لا تُقام عشوائيًا، إذْ ترعاها وتهتمّ بها شركات كبرى، كحال معرض مهرجان فينيسيا، الذي تتعاقد معه لفترة طويلة، بهدف تكوين أرشيفٍ له، تحتفظ به لأجيالٍ وأجيال. لذا، عندما يحتاج مهرجان ما إلى أرشيفِ عامٍ من الأعوام، أو أرشيف أعوامٍ عديدة متتالية، يسهل الحصول عليه، وإيجاد فكرة لإقامة نشاط أو حدث. هذا كلّه يُنبِّه إلى أنّ مهرجانات سينمائية عربية عديدة، بعضها تجاوز عمره 40 عامًا، لا تملك مادة أرشيفية لدوراتها وفعالياتها، المنعقدة قبل خمسة أو عشرة أعوام مثلاً.

لكن، من أين تأتي فرادة هذه الصُور؟ ولماذا تسعة أعوام؟

في سبعينيات القرن العشرين، أنتجت شركة “بولارويد “مجموعة صغيرة جدًا من الكاميرات الضخمة، المُصنّعة يدويًا، زنة كل واحدة منها 100 كلغ، ومزوّدة بعدسة ذات بعد بؤري ثابت، يمكنها أن تطبع فورًا صورًا بحجم 50/ 60 سم. حينها، اشترت شركة في ميلانو إحدى تلك الكاميرات، واستخدمتها بين عامي 1996 و2004، مُلتقطة بها صُوَر نجمات المهرجان ونجومه. أما فرادة الصُور، فناجمة من العدد القليل جدًا للكاميرات في العالم، التي توقّف تصنيعها منذ عقود، وأيضًا من تصنيع “نيغاتيف” ضخم، تُطبع عليه الصُور لحظة التقاطها. لهذا، لم تلتقط هذه الكاميرات سوى 300 صورة، لا يمكن إعادة طبعها أو تظهيرها، نظرًا إلى عدم وجود “نيغاتيف” لها، بل يمكن مسحها ضوئيًا، أو تصويرها بكاميرات فوتوغرافية حديثة.

أما “أوتيل دي بان”، فيُعتبر أحد المعالم التاريخية لجزيرة الـ”ليدو”، وهو مُشيَّد عام 1900. فيه، جرت أحداث رائعة توماس مان، “الموت في فينيسيا” (1912)، التي اقتبسها الإيطالي لوتشينو فيسكونتي للسينما عام 1971. كما استُخدِمَ في تصوير مَشَاهد عديدة من “المريض الإنكليزي” (1996) لأنتوني مانغيلا، باعتباره فندق “شيبرد” في القاهرة، الذي احترق في خمسينيات القرن الماضي، وذلك للتشابه بين طرازيهما المعماريّين.