محمد هاشم عبد السلام
ولدت الممثلة الفرنسية القديرة جوليت بينوش في التاسع من مارس عام 1964، في العاصمة الفرنسية باريس. وفي رصيد بينوش السينمائي أكثر من خمسة وخمسين فيلمًا روائيًا طويلا، وما يقترب من عشرين عملا مسرحيًا، وأكثر من ثلاثين جائزة عالمية والعديد من الترشيحات والتكريمات.
وجوليت ابنة لعائلة ذات خلفية فنية، فوالدها “جان ماري بينوش” مخرج وممثل ونحات، ووالدتها “إيفيت ستالنيس” مدرسة، ومخرجة، وممثلة. وجدي جوليت لأمها، البولنديين الأصل، كانا يعملان بالتمثيل أيضًا في بولندا. وهي لا تزال بعد في الرابعة من عمرها انفصل والديها، فذهبت وشقيقتها للعيش في إحدى المدارس الداخلية خارج باريس.
تأثرت جوليت كثيرًا بهذا الأمر، وصرحت به أكثر من مرة، وبينت كيف أنها لم تكن ترى والديها لشهور، وكان جديها لوالدتها فقط اللذين يتواصلان معها وشقيقتها، “ماريون”. وماريون مصورة فوتوغرافية معروفة ومشهورة، وكذلك مخرجة تسجيلية لها العديد من الأفلام التسجيلية، ومنها أكثر من فيلم عن شقيقتها جوليت وأعمالها الفنية في السينما أو في مجال الفن التشكيلي.
بدايتها
بدأت جوليت التمثيل في المدرسة، وهي لا تزال بعد في طور المراهقة. وفي السابعة عشر، بدأت جوليت تتلقى دروسًا في التمثيل، ولعبت أدوار البطولة في أكثر من مسرحية مدرسية. وبعد انتهاء المرحلة المدرسية، درست جوليت في المعهد الوطني العالي لفن المسرح، لكنها سرعان ما تركته بعد فترة قصيرة، نظرًا لأكاديمية وجفاف المواد الدراسية التي كانت تقدم فيه.
وبعد ظهورها في أكثر من عمل مسرحي وتليفزيوني أيضًا، دخلت جوليت إلى عوالم كبار المخرجين في تاريخ السينما مثل جان لوك جودار مع فيلم “السلام عليك يا مريم” (1985)، والمخرج جاك دويلون مع فيلم “الحياة الأسرية” (1985)، والمخرج أندريه يتشين الذي منحها دور البطولة في فيلمه “موعد غرامي” (1985) الأمر الذي اكسبها شهرة كبيرة في فرنسا.
وبعد “موعد غرامي” بثلاث سنوات، كانت جوليت على موعد مع انطلاقتها الأولى نحو العالمية والتواجد على الساحة الفنية الدولية، عندما مثلت لأول مرة باللغة الإنجليزية في فيلم المخرج فيليب كاوفمان “الخفة غير المحتملة للوجود” (1988)، عن الرواية الذائعة الصيت للكاتب والأديب التشيكي ميلان كونديرا.
وقد آثرت جوليت على امتداد مسيرتها المهنية الابتعاد عن الغرق في الدائرة الجهنمية لهوليوود، وفضلت العمل أكثر في الإنتاجات الأوروبية ومع العديد من المخرجين ذوي الجنسيات المختلفة والمدارس الفكرية والفنية المتنوعة. والمعروف أن ستيفن سبيلبيرج كان قد عرض على جوليت بعد تألقها في بداية مشوارها العديد من الأدوار ومنها في سلسلة “حديقة الديناصورات” و”لائحة شاندلر”، لكنها رفضت، مفضلة العمل مع المخرج البولندي الكبير “كشيشتوف كيشلوفسكي” في أول جزء من أجزاء ثلاثيته الشهيرة “أزرق، أبيض، أحمر”، الذي حمل عنوان “أزرق” (1993).
جوائز ونجاحات
وليس ثمة شك في أن جوليت كانت على حق في اختيارها العمل مع كيشلوفسكي في “أزرق”، فقد فازت عنه بجائزة أحسن ممثلة في مهرجان فينسيا السينمائي، كما فازت بنفس الجائزة في جوائز السيزار، المعروفة باسم الأوسكار الفرنسية، وترشحت عنه أيضًا للجولدن جلوب. وبعد هذا النجاح، خلدت جوليت لبعض الراحة التقاطًا لأنفاسها ولتضع أول أطفالها، “رفائيل”، في سبتمبر عام 1993.
بعد أعوام قليلة كانت جوليت على موعد مع التألق والجوائز مرة أخرى، وذلك بعد الأداء المتميز الذي قامت به في فيلم “المريض الإنجليزي” (1996) للمخرج أنتوني مينجيلا، عن رواية للأديب الحائز على جائزة نوبل مايكل أونداتجي، والذي فازت عنه بجائزة الأوسكار لأحسن ممثلة مساعدة، وهي بالمناسبة من الفرنسيات القلائل جدًا الذين حصلوا على الأوسكار، وكذلك على جائزة البافتا، بالإضافة إلى جائزة أفضل ممثلة من مهرجان برلين السينمائي.
وبعد سنوات وجيزة، انجبت خلالها ابنتها “هانا” في ديسمبر 1999، وبالتحديد في عام 2000 ترشحت جوليت لجائزة الأوسكار أحسن ممثلة عن دورها الرومانسي الكوميدي في فيلم “شيكولا” للمخرج لاس هالستروم. وعلى امتداد عقد كامل، حافظت جوليت على نجاحاتها واختيارتها المتميزة لأدوارها، سواء باللغة الإنجليزية أو الفرنسية. وقد توجت جوليت هذا العقد بحصولها في عام 2010 على جائزة أحسن ممثلة من مهرجان كان السينمائي عن فيلم “نسخة مصدقة” للمخرج عباس كياروستامي. وبذلك أصبحت جوليت بينوش أول ممثلة متوجة على عرش مهرجانات السينما الأوروبية الكبرى الثلاثة الشهيرة، برلين، وكان، وفينيسيا.
ليس في رصيد جوليت الكثير من الأعمال المسرحية مقارنة بأعمالها السينمائية، لكنها مع ذلك لم تتخل قط عن العمل في المسرح بين الحين والآخر في الكثير من البلدان الأوروبية وأهمها العاصمة البريطانية لندن، وأيضًا في الولايات المتحدة وفي برودواي على وجه التحديد. ولم تتردد في تقديم الكثير من الأعمال ذات المستوى الفني الرفيع لكبار الأدباء وكتاب المسرح العالمي، مثل أنطون تشيكوف، ولويجي بيرانديلو، وهارولد بنتر، وغيرهم.
هواياتها
والمعروف أن جوليت بينوش تهوى ممارسة الرسم منذ صغرها، وقد أسهمت بظهور العديد من لوحاتها في أكثر من فيلم لها، كذلك صممت ملصق أو بوستر أكثر من فيلم قامت به. كما أقامت قبل سنوات قليلة معرضًا للوحاتها الفنية، وأصدرتها في كتاب نشر بالإنجليزية والفرنسية تحت عنوان “بورتريهات في العيون”، وهي في أغلبها بورتريهات مرسومة بالحبر عن الشخصيات التي قامت بها في أفلامها، وكذلك المخرجين الذين عملت تحت قيادتهم. إلى جانب هذا، لجوليت نشاط خيري ملحوظ في دعم الكثير من القضايا الإنسانية، وهي عضوة بالعديد من المنظمات والجمعيات، المختصة تحديدًا برعاية الأطفال.