كان – محمد هاشم عبد السلام
للمرة الثالثة يتم اختيار أحد أفلام المخرج الفرنسي الكبير جاك أوديار من أجل الاشتراك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الدولي. وجاك أوديار الذي فاز فيلمه “نبي” عام 2009 بالجائزة الكبرى للمهرجان، يعود هذا العام ليقدم لنا آخر أفلامه الذي يحمل عنوان “ديبان”.
وديبان هو اسم الشخصية الرئيسية التي تقوم ببطولة الفيلم، وهو أحد مقاتلي نمور التاميل في سريلانكا، الذي يقرر منذ مطلع الفيلم الابتعاد عن الحرب الدائرة هناك والفرار من البلاد إلى فرنسا أملا في مستقبل أفضل وأكثر أمنًا. وبالفعل بمساعدة امرأة ليست زوجته وطفلة ليست طفلتها ولا طفلته، يصلون إلى باريس على أنهم كأسرة فرت من أهوال الحرب الدائرة هناك.
وبالوصول إلى باريس ينتقلون من مأوى لآخر حتى يحصل ديبان على عمل كحارس لأحد العقارات النائية في منطقة ما معزولة بفرنسا. تدخل الفتاة الصغيرة المدرسة وتعاني من مشاكل في التعامل والتأقلم مع غيرها من الأطفال هناك. وتحاول المرأة “ياليني”، التي بدأت تعمل عند أحد العجائز نظير مقابل مادي سخي، الفرار من فرنسا والتوجه إلى أهلها وأقاربها الموجودين ببريطانيا، لكن محاولاتها تفشل.
مع تطور أحداث الفيلم، الذي يمتد زمن عرضه لما يقترب من الساعتين، يكتشف ديبان أن تلك المنطقة يسيطر عليها مجموعة من الشباب المتمرد الذي أفلح في تشكيل عصابات باتت تتشاجر مع بعضها وتزعج الأهالي والسكان هناك، ويتطور الأمر إلى حمل السلاح وإطلاق النيران، الأمر الذي يصيب الفتاة والمرأة بالذعر الشعر، وكاد يفقدهما حياتهما، فتذهب المرأة لمحطة القطار من أجل إلى بريطانيا خوفًا من المصير الذي هربت منه بسريلانكا.
يتدخل ديبان ويوقفها، ويحاول أيضًا توفير الأمان النفسي لها وللفتاة، وإشاعة أجواء السلام والآمان بالمنطقة والابتعاد قدر الإمكان عن اللجوء إلى العنف أو غيره، لكن الأمور تتطور ويضطر ديبان في النهاية إلى التدخل العنيف وإلى حمل السلاح واللجوء إلى القتل دفاعًا عن نفسه وعن المرأة والفتاة اللاتي أحبهن واعتبرهن تعويضًا عن أسرته التي فقدها في الحرب.
عبر سرد الأحداث، يتضح لنا بالطبع أن جاك أوديار يطرح في فيلمه تلك القضية الشائكة المتعلقة بالمهاجرين أو الوافدين على أوروبا الذين هربوا من أهوال الحروب والمآسي في بلدانهم بحثًا عن الأمن والأمان المادي والنفسي والاجتماعي وأيضًا التطلع لحياة جديدة ومستقبلا مشرق، وكيف أنه حتى داخل مثل هذه المجتمعات الراسخة المستقرة قد يجد المرء نفسه مضطرًا للدفاع عن حياته وأمنه وإلى حمل السلاح والقتل وإلى تبني كل ما كان يرفضه ويتجنبه ويهرب منه.
وقد لجأ أوديار في فيلمه “ديبان” إلى ممثلين سريلانكيين غير محترفين ليقوموا ببطولة فيلمه الجديد. حيث قام بدور بطل الفيلم “ديبان” على نحو جيد الكاتب أنطونيتازان جيزوتازان الذي يقوم بالتمثيل لأول مرة في حياته. والبطولة النسائية لممثلة المسرح الناشئة كاليازواري سرينيفازان في دور “ياليني”، وهو أيضًا أول دور سينمائي لها. وقد برعت فعلا في أداء الشخصية ولا يستبعد حصولها لجائزة أحسن ممثلة.