محمد هاشم عبد السلام
ولد رينيه ماجريت في “ليسينيز”، ببلجيكا، في 21 نوفمبر 1898، وفي الثانية عشرة من عمره بدأ في تلقي دروس في الفن في “تشاتيليت” حيث كان قد انتقل إليها مؤخرًا هو وعائلته. كان الرسم دائمًا بالنسبة له “سحرًا مبهمًا”، وكان ماجريت طالبًا متوسطًا في المدرسة. بعد تخرجه في المدرسة الثانوية، التحق في 1919 بأكاديمية الفنون الجميلة في بر وكسل حيث تابع دروسه في فن الرسم، ورسوم الديكور الزيتية والتكوين الزخرفي. من بين أعماله الأولى المبكرة، المناظر التي يظهر فيها نهر “سامبر” الذي انتحرت فيه والدته عام 1912.
كانت سنة 1922 تعني الكثير بالنسبة لماجريت، ففيها تزوج من “جورجيت بيرجر”، التي كان قد التقاها وهو في الخامسة عشرة وقابلها مرة ثانية في 1920. كان ماجريت مأخوذًا بجورجيت التي صارت فيما بعد ملهمته والموديل الخاصة به. كما أن أول أعماله الشهيرة ترجع إلى تلك السنة وكانت الأعمال مطبوعة بذكريات تكعيبية – مستقبلية وبها تجسيد شديدة الحسية، وكانت فيها العنصر المهيمنة هي النساء والألوان.
أدرك ماجريت بعد ذلك أن اللجوء إلى التجريد لن يعطيه القدرة على “جعل الواقع جليًا”. وكان ما أراده هوإقامة علاقة تقطع الصلة أو تحدث الاضطراب والتوتر بين العالم والأشياء. لذلك، ونحو 1925، قرر فقط “رسم الأشياء بكل تفاصيلها المرئية”، عن طريق وضعها في أوضاع ومشاهد ومواقف غريبة على المشاهد، أراد “تحدي العالم الحقيقي”. تجاهل ماجريت التقاليد السلسة للفن التصويري من أجل أسلوب أكثر برودة وانعزالية، فيه الصور المرسومة تنتفي فيها أي وكل جماليات تقليدية أو متوارثة.
واحدة من أعماله الأولى التي تجسد هذا التغير كانت “صلاة الليل” (1925) ويحتوي هذا العمل على عنصر من عناصر الرمزية الأيقونية التي أبدعها في ذلك الوقت والتي استخدمها خلال كل مجرى حياته: الرسم ضمن الصورة أو بمعنى أدق الرسم داخل الرسم، الطائر في حالة طيرانه، والنار، بالإضافة إلى ستائر خشبة المسرح، وإلى أشكال الدمى الخشبي، ولهذين العنصرين الأخيرين وجود في “الفارس الأخير” (1926) التي، وفقًا لما ذكره ماجريت عنها، أنها كانت نقطة أو علامة أو أحد المعالم على الطريق إلى في دخوله إلى السريالية.
في 1927 انتقل ماجريت وجورجيت إلى باريس، وبدأ المشاركة بأدوار في أنشطة السرياليين وأصبح صديقًا “لأندريه بريتون” حتى أنه في 1929 ذهب إلى “كاداكيز” للإقامة مع السرياليين “سلفادور دالي، وخوان ميرو، وبول إيلوار” أثناء إحدى الإجازات.
وفي غضون الفترة نفسها (1925 – 1930)، بدأ ماجريت في المزج بين الكلمات والصور في لوحاته. هذه الكلمات – الصور أو الصور ذات الكلمات، لم تكن مجرد رسوم توضيحية أو تجسيدية لشيء ما أو مفهوم ما كما يُخيّل للبعض، على العكس لقد تعمد ماجريت في عمله أن يزعزع بسلاسة وهدوء استقرار العادات الذهنية التصويرية والتصورية الخاصة بنا. طوَّر ماجريت وأتقن تصنيفه التعليمي لهذا النوع من اللوحات، البساطة التي تنحو إلى رفض الصور عبر الكلمات، أو العكس. أشهر مثال على هذا “خيانة الصور” (1929): “هذا ليس غليونًا نظرًا لأننا لا يمكننا تدخينه”. إنه فقط تصوير له. تقنية أخرى استخدمها ماجريت كانت عبارة عن تقديم شيء مألوف ونسبة اسم آخر إليه، بخلاف الاسم التقليدي المتعارف عليه. خلال هذه العروض للكلمات في الصور أو صور – كلمات، كان ماجريت يلعب على الاختلافات والتناقضات، والمفارقات والوضوح والغموض في الإدراك السليم. بقي السؤال فيما يتعلق بما إذا كانت الكلمات قدمت أو عرضت بالفعل ما نفكر فيه.
حتى أثناء عيشه في باريس، لم يكن لدى ماجريت معرض فردي واحد له. في 1930، كان أثر الأزمة الاقتصادية باديًا. لم يكن لدى ماجريت دخلاً ثابتاً على المدى الطويل وعلاقته ببريتون تدهورت بسبب الاستقلالية الفكرية المتبادلة لكل منهما. فعاد محبطًا إلى بروكسل وتحول إلى ممارسة العمل التجاري. بدعم من شبكة الأصدقاء والكفلاء الذين مكّنوه من أن يبقى على قيد الحياة ويعرض في عدة مناسبات في قاعة الفنون الجميلة، استطاع مجريت اجتياز تلك السنوات الصعبة (1930 – 1940).
استمر في إقحام المسخ في عمله، في “السحر الأسود”، مثلاً امرأة عارية تميل على صخرة تتداخل تدريجيًا في السماء الزرقاء، يلاحظ أن ماجريت استخدم الجسد الأنثوي بطريقة مغايرة لغيره من السرياليين والرسامين بصفة عامة، فهو بالنسبة له ليس إلا مجرد تيمة أو شيء كغيره من الأشياء، مجرد رمز أيقوني بارد جامد، لا يختلف كثيرًا عن حامل اللوحات الذي استخدمه في كثير من لوحاته أو الطيور أو الأحجار، وغيرها.
في 1934، أدهشته إعادة إنتاجه لعمل “بيير أوجست رينوار” (السباحين) الأمر الذي أدى إلى تحول حاسم في أعماله. تحت تأثير افتتانه بحسية الألوان، صار يؤثر باليتة ألوان أكثر إشراقًا، وأثناء استمراره في رسم الأشياء والأشخاص بالدقة الشديدة التي تصل حد الوسوسة التي كان معروف بها، أضاف لمسة واضح أنها مستلهمة من الانطباعية، وأطلق العنان لألوان ذات تناغمات جديدة، أكثر دفئًا وأكثر حبورًا. وقد سمى ماجريت هذه الفترة بالفترة “المشمسة”.
نجح “ألكسندر إيولاس”، الذي أصبح بائع ماجريت الرئيسي في الولايات المتحدة في عرض لأعمال الفنان في نيويورك 1947، لذلك اقترح “إيولاس”، على ماجريت أن ينسى “رينوار”، ويقوم بتركيز إنتاجه على الصور التي أعجبت الجماهير العامة بشكل ساحق مثل، “جزيرة الكنز”. التزامًا ورضوخًا لضروريات الحياة، أبدع ماجريت مجموعة جديدة من أعماله القديمة: “جنون العظمة” (1948) وهي تكشف عن التشابه مع “مسيرات الصيف” (1938 – 1939)، وغيرها من الأعمال الأخرى، على سبيل المثال “ملكية أرنهايم” (1949)، التي رُسِمت أصلاً في 1936. ولابد أن ماجريت قد استمتع بلعبة وضع الموتيفات مكان أو بجوار بعضها البعض وعمل تآلفات منها والتلاعب بها، إذ يمكن أن نقول أن هذا الوضع الذي اضطر إليه جعله يتمادى في التكرار وهو ما أتاح للوحة نوعًا من الإغراءات، إن جاز التعبير، التي جعلت الرسام يشعر بانقياده لإنتاجها مرات عديدة.
من بين أعمال ماجريت التي بدأها في منتصف الخمسينات، والتي ضمنت له بكل تأكيد الاعتراف الدولي به، لوحة “جولكوندا”، وتعرف باسم آخر هو، “الانهمار” (1953)، قدم فيها ماجريت ببراعة تآلف من الموتيفات المختلفة من تشكيلاته السابقة، أبرزها التضاعف أو التعدد، كطريقة لإلغاء الشخصية: رجال صغار، أشباح رجال إن شئنا الدقة، في معاطف وقبعات مستديرة يطفون بلا وزن في السماء الزرقاء أمام واجهات المنازل. إنها تجسيد لانهمار الاعتيادية، لانهمار البرجوازية حيث كل شبح شخص مختلف بدرجة طفيفة، بيد أنه مجهول الهوية بفعل قبعة مستديرة ومعطف طويل مثله مثل الباقين. ناضل ماجريت ضد سيطرة الثقافة البرجوازية، رغم أنه هو نفسه قد عاش هذه الحياة التي سخر منها في رسمه. وعاش كل حياته اللاحقة في بروكسل في منزل متواضع من منازل الطبقة الوسطى، مفضلاً عدم العودة إلى المركز بؤرة الفن في باريس.
منذ 1927، طغت الشخصية المرتدية للقبعة الدائرية في أعماله، وفي كثير من اللوحات أبرز ماجريت القبعة بصورة شبه رئيسية، وما لبث أن خصص لوحة أو أكثر لها بمفردها، لكن بعد 1950، ظهر ماجريت علانية في اللوحات مرتديًا هذه القبعة الغريبة، وقد وجدت أخيرًا بعدها الحقيقي، وصارت شعار ماجريت أو بصمته المتميزة.
في 1965 أقيم معرض كبير لأعمال ماجريت الكاملة في متحف الفن الحديث في نيويورك، كعلامة على تقدير العالم له. أشار ماجريت إلى أعماله خلال الفترة الأخيرة (1958 – 1965) بعبارة “العثور على أطفالي”.
يقول ماجريت: “رسوماتي هي صور مرئية لا تخفي شيئًا؛ إنها تثير الألغاز، وبالطبع، عندما يرى أحد إحدى صوري، يسأل نفسه هذا السؤال البسيط “ما الذي يعنيه هذا؟” إنها لا تعني شيئًا، لأن اللغز أيضًا يفترض أنه لا يعني شيئًا، لا سبيل إلى معرفته”.
كان ماجريت مولعًا بتضمين الأشياء الخفية في رسومه. وكثيرًا ما أخفى أو حجب وجه الأشياء عن الرؤية، إنه يحجبه بشيء معلق يعطله أو يوقف وظيفته، كستار مجعد، أو بعض الوسائل الأخرى. يبدو هذا على سبيل المثال في لوحته الشهيرة “الحرب العالمية” (1962)، وكذلك لوحته المعنونة بـ”ابن الإنسان” (1964). إنه يلغي شخصية الموضوع الإنساني بوضع قناع على معالم الهوية الفردية للشخصية – وهي الوجه.
في مقابلة إذاعية مع “جين نيينز”، ناقش ماجريت استخدامه لتقنية الحجب هذه في لوحاته، مثل “ابن الإنسان”، قال ماجريت “على الأقل الوجه مخفي بصورة جزئية. حسنًا، لذا فأنت لديك الوجه الظاهر، التفاحة، مع إخفاء المرئي، مجرد إخفاء وجه الشخص. إنه أحيانًا ما يحدث هذا بشكل مستمر. كل شيء نراه يخفي شيء آخر، نحن نريد دائمًا رؤية ما هو مخفي تحت ما نراه. هناك اهتمام بهذا الخفي أو ما لا يظهره لنا ما هو مرئي. هذا الاهتمام يمكن أن يأخذ شكل إحساس شديد خالص مركَّز، نوع من الصراع، إن جاز للمرء القول، بين الذي هو خفي وذلك المرئي الحاضر الموجود أمامنا”. يتلاعب ماجريت بمفهوم دوام الشيء، نوع من التداعي الذي خبرناه جميعَا كأطفال. علمتنا الخبرة أن نفترض أن هناك وجهاً خلف التفاحة، لذا، وبالتبعية، يكون لدينا الاستعداد لتخيل الاستمرارية أو التواصل لملء المنطقة المغطاة. يتمنى ماجريت التشكيك في الطمأنينة التي نكمل بها الشكل المخفي بطريقة لا شعورية والثقة الأكيدة التي نضعها في ملامح هذا الملء الذي نقوم به.
تسمح أعمال ماجريت للمرء أن يستحضر في ذهنه حالة كون فنه قد أصبح نادرًا وثمينًا الأمر الذي يجعل هذا الفن قابلاً للمشاهدة في صمت. القراءة والتفكير المتعمق يتطلبان الصمت، والإنصات وحسب. الصمت يمكن أن يستخدم من أجل انتظار الرؤية المضيئة للأشياء، ونحو مثل هذه الرؤية يقودنا ماجريت. الصورة الفذة التي تثير التحدي في أعمال ماجريت تنبثق من إيحاءات اللغز المرئي للعالم. بالنسبة له كان هذا العالم أكثر من مصدر كاف للإلهامات المشرقة حتى أنه لم يكن بحاجة للاستعانة في رسومه بالأحلام، أو الهلاوس، أو الظواهر الخفية الغامضة، أو الباطنية، بغض النظر عن مرحلة “ما قبل الوعي” أي تلك الحالة التي تأتي قبل وأثناء الاستيقاظ – وكانت تلعب دائمًا دوراً مهمًا في أعماله.
عند دراسة ماجريت يدرك الدارس منذ البداية أن محاولة حل الألغاز المتعلقة برسومه يجب تجنبها غير أن الفنان نفسه يعطينا مفاتيح لطريقته في الرسم والخلفية العقلية أو المنطقية التي تأسست عليها. مال البعض إلى أن يدعو هذه المعالجة “التفكير المرئي”. وأنا أُفضِّل ألاَّ أعطيها أي اسم. مصطلح “التفكير المرئي” غير دقيق بالقدر الكافي ويستدعي قراءات عديدة خاطئة أو يشوبها سوء الفهم، بشأن إمكان إخضاع ما هو بصري لما هو فكري، أو العكس. كما ينشأ سوء الفهم بسبب تسميه ماجريت “ذهنيًا”، التي برهنت أيضًا على ذلك أكثر مما ينبغي، على الرغم من القدر الكبير من الأدبيات الفلسفية واللغوية التي تطرحها أعمال ماجريت، والتي تجعلنا أقرب إلى معاني هذه الأعمال. أيضاً مصطلح “أدبي”، فكرة خاطئة في هذه الحالة، بالرغم من أنه مفهوم في ضوء الأصول الأدبية لأشكال السيريالية.
“المشاهدة، يقول ماجريت، هي ما يهم. المشاهدة يجب أن تفي بالغرض. لكن من أي نوع من المشاهدة يجب أن تكون؟ وعلى أي مستوى؟ هناك شكل من الفهم ممكن خارج نطاق أي تفسير لفظي، وإن كانت هناك فائدة على الإطلاق لتفسير لفظي، فيجب أن تضفي الشرعية عليه عن طريق الرؤية، أية رؤية. للأسف، فإن أعدادًا كبيرة من الجمهور تكون لديها، الرؤية غير كافية، فغالبًا ما يرى الناس الأشياء بعجلة ويفكرون فيها دون اكتراث؛ لقد تعلموا نُظُمًا وقواعد وعادات تمثل الكلمات فيها الأفكار، حيث للكلمات وظيفة مهيمنة. هذه الوظيفة تركت حقل البوح أو التعبير أو الإلهام الذي وراء الكلمات مهملاً وغير مستكشف”.
ماجريت، الذي كان رسامًا ورسامًا من أجل المال في فترات أزماته المادية، حتى ولو كان غريبًا، كان مع ذلك أكثر إدراكًا من أي من معاصريه فيما يخص الكلمات والوضع الملتبس الذي اكتسبته الكلمات. كان وعيه بها واضحًا في كل من كتاباته ورسومه. كان التعامل مع الكلمات لعبة خطيرة كي يلعبها، لذا، لكي يلعبها قدّمَ العنصر”كلمة” في رسومه كـ”صور”. لذا، فإن أي شخص مهتم جديًا بأعمال ماجريت لا يمكنه تجنب الالتفات بدقة إلى ما بحث عنه ماجريت من كلمات في عمله والقيمة التي أضفاها على الكلمات. وقد رسم ماجريت في الفترة من 1927 – 1930 سلسلة من “اللوحات الكلامية” المتميزة جدًا.
في المقالة التي كتبها للمنشور السريالي بعنوان “كلمات وصور”، ناقش ماجريت العلاقة بين الكلمات والصور: “الأشياء غير مرتبطة على ذلك النحو اللصيق والمتطابق بأسمائها، بحيث لا يمكن للفرد أن يجد اسماً آخر يناسب الشيء بصورة أفضل”. في تركيباته وتقسيماته النظامية يستخلص ماجريت الطبيعة الاعتباطية في اللغة. (من الصعب قراءة الكلمات في إعادة تقديم الأشياء بطريقتي، لكنها لا تمثل الصور) ليس لدى الرموز الأبجدية أي علاقة اتساق مباشرة مع ما تشير إليه؛ هذه هي طبيعة كل العلامات.
كان رينيه ماجريت لاشك محبطًا، ذلك، باستثناء دائرة صغرى ممن هم على شاكلته شخصًا ومزاجًا من بين السرياليين، وكان محقًا في إحباطه هذا، فقد احتاج العالم إلى ما يزيد عن ربع قرن لاكتشاف أن أعماله كانت ذات محتويين، فلسفي وشعري، بحيث كانت تتماشى مع اتجاهات ونزعات فكرية واجتماعية بذاتها، لاسيما ما يتعلق منها بالنصف الثاني من القرن العشرين. ولم يكن عمل ماجريت سهلاً ليتمكن من تحقيق رؤاه الفنية منذ بداية اشتغاله بالرسم، رغم ذلك. وهو من ناحية ثانية رسام صعب، وبساطته مضللة.
والبساطة في أعماله هي بساطة متوهمة، خادعة. في كتاباته – التي تتضمن المقالات العامة، قطع أدبية قليلة، ومقالات خاصة في موضوعات معينة – وفي العناوين التي أعطاها لأعماله، كان ماجريت منهجيًا، مثلما كان في رسومه. والمفاجأة التي نجدها في أعماله ليست نزوة عابرة أو غرابة أطوار أبدًا. علاوة على ذلك، فهي لا تكمن كثيرًا في ماجريت أكثر مما تكمن في أنفسنا. نحن لسنا قادرين على استيعاب، ولا فهم تقنياته أو آلياته في التفكير أو الرسم، فهمًا فوريًا.
هذا ليس تمردًا أو مقاومة من جانبه ولكنه حاجة طبيعية للتعامل مع الظواهر المُقَولبة للحياة اليومية، بطريقة مناقضة للتوقع، إنها الحاجة للتصحيح.
غالبًا، ما كان ماجريت يختار الأشياء العادية التي يبني منها أعماله: أشجار، كراسي، موائد، أبواب، نوافذ، أحذية، أرفف، مناظر طبيعية وغير طبيعية، أُناس. أراد عن طريق هذه الأشياء العادية أن يكون مفهومًا. هؤلاء الذين يجدونه غامضًا لا ينبغي أن ينسوا أنه قد ولّى ظهره لعالم الأحلام الرائع، والمباشر. لم يحاول أن يكون غامضًا. على العكس، لقد بحث عن طريق العلاج الصادم المفاجئ لأجل تحرير رؤيتنا التقليدية من خمولها وضلالها. لذلك دعنا نكون، بعيدين قدر الإمكان، عن ماجريت نفسه، عن طريقته. ونحاول التواصل أكثر مع أعماله، دون محاولة لتفسير أو تأويل، فبالرغم من أن عالمه (كفنان وإنسان) معقد ومتكلف بعض الشيء ونفقد فيه أحياناً أثر البساطة، إلا أننا قادرون على أن نجد هذه البساطة مرة ثانية في الأعمال نفسها، وتلك حقيقة يمكنها فقط أن تضاعف من دهشتنا.
يقول رينيه ماجريت في خطاب صديقه إلى “لويس سكاتينير” عام 1955:
“ما أرسمه موجه لهؤلاء الذين يعيشون في الحاضر، أو بالأحرى، من أجله… الفنان الذي يرسم للأجيال القادمة لديه هدف أو معنى لا يتوفر لديَّ. أنا أرى، أنه يعمل شيئاً ما يفهمه المتخلفون عقليًا بشكل جيد جدًا، هؤلاء الذين لا يحملون هموم الناس “الأحياء”. الإنسان الذي يبدو “حيًا”، الذي يشير الفرد إليه كحي، هو الحقيقة الغامضة التي ليست في حاجة إلى إضفاء المعنى الذي سيُترجم ذلك الواقع في ضوء الاهتمام بالأجيال القادمة. نرى أنه بعد شيء من الوقت تلفظ الحقيقة ما ندركه عنها، وتتخلى عن شكلها ووسائل الاتصالات (الموت لا يعود يتحدث لغتنا، نظرًا لأنه إن تكلم فلن يمكننا سماعه). أعتقد أن رسوماتي ذات صلة بالحياة المعاشة، لكن ليس هناك سبب لاعتبار هذه الصور تُعمِّر إلى ما بعد الحياة المعاشة الراهنة، عندما لا يكون للأحياء الآن مثل هذا أو مثل هذه المفاهيم السهلة السطحية”.
1898 – ولد رينيه فر انسوا – جيسلين ماجريت في ليسينيز، بلجيكا.
1913 – أغرقت والدة ماجريت نفسها في نهر سامبر.
1916 – 1918 دراسته في أكاديمية الفن الحديث في بر وكسل.
1922 – يتزوج من جورجيت.
1930 – 1940 يعرض فنه كجزء في المعارض السريالية الدولية.
1940 – 1945 يشارك في المقاومة السرية ضد هتلر.
1960 – أول عرض لأعماله الكاملة في الولايات المتحدة.
1967 – وفاة ماجريت.