محمد هاشم عبد السلام

 

روائي ومترجم مصري

 

يتتبع كتاب ستانلي كوبريك”، في الجزء الأول منه، “برونكس 1928 – 1948″، رحيل أجداد ستانلي الأوائل من النمسا وهجرتهم إلى أمريكا وإقامتهم في برونكس بنويورك، ثم ينتقل بنا إلى الطفل ستانلي صغيرًا، ويتتبع مسيرته المتعسرة بعض الشيء في المدرسة، وولعه بالتصوير الفوتوغرافي، وعمله وهو في سن الدراسة كمصور فوتوغرافي لمدة تزيد عن أربع سنوات لصالح مجلة (لوك).

أما الجزء الثاني، “نيويورك: 1948 – 1956 “، فيبدأ بأول زواج لستانلي وبداية توجهه للإخراج السينمائي ويتطرق بالتفصيل إلى الظروف والملابسات التي مكنت ستانلي من صنع أفلامه التجيلية القصيرة الأولى “يوم النزال” 1951، و”القديس الطائر” 1951، و”الملاحون” 1953. ويختم الكاتب هذا الجزء من الكتاب بأول فيلم روائي طويل قام كوبريك بإخراجه وكان بعنوان “قبلة القاتل” 1955.

الجزء الثالث من الكتاب، “هوليوود: 1956 – 1960″، يدخلنا بالتدريج إلى عالم هوليود ويبين لنا كيف شق المخرج الشاب طريقه وسط العمالة، وتأسيسه لشركة الإنتاج “هاريس – كوبر”، وبداية تعاقده مع كبار الممثلين، وذيوع اسمه وإخراجه للأفلام التالية “الخوف والرغبة” 1953، “قبلة القاتل” ، “القتل” 1956، “دروب المجد” 1957، “سبارتاكوس” 1960.

أما الجزء الرابع من الكتاب والذي جاء تحت عنوان “إنجلترا: 1960 – 1964″، فنتابع فيه خلفيات صناعة فيلم “لوليتا” 1962، وكيف أقنع كوبريك ناباكوف بكتابة السيناريو، بعد تردده ومشاكل كوبريك مع الرقابة، والتصنيف (X) الذي صنّف الفيلم على أساسه، وغيرها من الموضوعات الشائقة الخاصة بالرقابة وقراءات كوبريك المتنوعة، وبخاصة الروايات، وينتهي بإخراجه لفيلمه “الدكتور سترينجلاف أو: كيف تعلمت الحد من القلق وأن أعشق القنبلة” 1964.

حمل الجزء الخامس، وهو أطول أجزاء الكتاب، عنوان “الانعزالية.. العزلة.. التنسك: 1964 – 1987″، وفيه نقترب بشدة من كواليس صناعة فيلم كوبريك الرائع “2001: أوديسا الفضاء” 1968، والحفاوة التي قوبل بها من جانب كبار المخرجين وقتها، فيلليني وأنطونيوني وزفيريللي وغيرهم. وكذلك يطلعنا على حلم كوبريك الذي أجهض ولم يتمكن من تنفيذ على الرغم من أنه كان قاب قوسين أو أدنى من ذلك، وهو فيلم ملحمي يتناول قصة حياة نابليون الإنسان بكل أعماقها، وكيف أنه أثناء عمله على، كتابة وإخراج، فيلمه التالي “البرتقالة الآلية” 1971، حاول إقناع أنطوني بيرجس، صاحب رواية البرتقالة الآلية، بكتابة رواية وليس سيناريو عن حياة نابليون، وكيف صرف بيرجس النظر عن ذلك في النهاية. ثم شروعه في إخراج فيلمه “باري ليندون” 1975، وفيلم “البريق” 1980، عن رواية لستيفن كينج، واستخدمه لنوع متطور من الـ(ستيديكام) واستفادته منها. وينتهي هذا الجزء بذكر التفاصيل المتعلقة بفيلمه “طلقة بغلاف معدني” 1987.

الجزء السادس والأخير، وهو أصغر جزء في الكتاب، ثماني صفحات، فقد جاء تحت عنوان “اللانهاية”، وفيه لم يضف الكتاب إلى الكتاب ما هو جديد، ويلمح إلى المشاريع التي اعتزام كوبريك إخراجها وتراجع عن ذلك، واحتمال قيامه بإخراجه لفيلم يجمع بين نيكول كيدمان وتوم كروز تحت عنوان ” عينان مغلقتان باتساع”.

 

 

يقول “فنسنت لوبرتو” في مقدمته للكتاب، “اشتهر ستانلي كوبريك بانعزاله وانطوائه عن العالم. فالسمعة السيئة التي شابت السرية التي انطوت عليها أعمال كوبريك واستحواذه بالكمال المطلق والفترات المتباعدة بين أفلامه قد أثارت سيلاً عارمًا من الروايات المشكوك في صحتها مما أدى إلى النظر إليه كميثولوجيا أكثر من كونه إنسانًا عاديًا. إن أسطورة ستانلي كوبريك تصوره على أنه عبقري سينمائي حاد التركيز هادئ مبغض للبشر وشديد العناية بالتفاصيل، يعيش حالة وجودية اعتكافية وقلما يسافر وتستحوذ عليه المخاوف العصبية الرهابية. لذلك كان هذا الكتاب بمثابة المحاولة للاقتراب من عالم ستانلي كوبريك الذي يعتبر من أعظم مخرجي السينما العالمية. وهذا الكتاب كما تشير المقدمة، هو السيرة الأولى الشاملة عن حياة ستانلي كوبريك. وينصب هدفي فيه على تفنيد هذا الغموض والأساطير المحاكة حول كوبريك من خلال سرد حياته بدءًا من ولادته في مقاطعة (برونكس) بنيويورك عبر عقود من إنجازاته السينمائية إلى المفهوم الحالي المبالغ فيه حول اعتباره مخرجًا مبدعًا معتكفًا يعيش في حالة من النسيان”.

أعتقد أن الكاتب قد نجح من خلال كتابه هذا في تغيير الفكرة السائدة عن ستانلي كوبريك، فمن قراءتنا لهذا الكتاب نرى كم هو إنساني محب للبشر، يتعامل مع الصحافة وغيرها من الوسائل، يتنقل كثيرًا هنا وهناك، يرتاد المطاعم والأماكن العامة، ربما محافظته الشديدة على وقته الثمين وانشغاله بالقراءة ومشاهدته الأفلام والإعلانات التجارية وسماعه لكافة أنواع الموسيقا من الكلاسيكية وحتى الجاز وغيرها من الموسيقا الحديث، يبرر لنا عكوفه لفترات طويلة في البيت، أما سبب الفترات المتباعدة بين أفلامه فأعتقد أن قارئ الكتاب سيدرك من خلال القراءة أن السبب الرئيسي في هذا هو حب ستانلي الكبير لعمله وتقديره وتخطيطه إشرافه على تنفيذ كل صغيرة وكبيرة فيما يتعلق بالفيلم، هذا إلى جانب كم القراءات الأدبية التي يقوم بها بحثًا عن فكرة جديدة يرها مناسبة ليقدمها على الشاشة. نقرأ في فقرة من الجزء الخامس متعلقة بقراءاته المتعددة قبل استقراره على رواية ستيفن كينج: “طلب كوبريك من موظفيه إحضار كميات كبيرة من قصص الرعب وانكب في مكتبه على قراءتها. وكثيرًا ما سمعت سكرتيرة كوبريك كل واحد من تلك الكتب يرتطم بالحائط عندما يرميه المخرج فوق كومة من روايات الرعب التي لم ترق له بعد قراءة صفحات قليلة منها. وذات يوم لاحظت السكرتيرة مرور فترة طويلة لم تسمع فيها صوت ارتطام كتاب آخر على الحائط، فدخلت مكتب كوبريك لتستقصي الأمر فوجدته منغمسًا في قراءة رواية “البريق””.

 

عنوان الكتاب: ستانلي كوبريك

سيرة حياته وأعماله

المؤلف: فنسنت لوبرتو

المترجم: علام خضر

الناشر: سلسلة الفن السابع العدد 88 – المؤسسة العامة للسينما – سوريا

الصفحات: 695 قطع كبير