محمد هاشم عبد السلام
رواية “عازفة البيانو” هي أول عمل تتم ترجمته إلى العربية من أعمال الكاتبة النمساوية ألفريده يلنيك الحاصلة على جائزة نوبل في الأدب لعام 2004.
والرواية التي تدور أحداثها في العاصمة النمساوية فيينا، قدمت فيها الكاتبة رؤية تكاد تكون سيرة ذاتية خاصة بها، حيث زاوجت فيها بين العنف والجنس والسخرية والقمع. وبطلة الرواية “إريكا كوهوت” امرأة عزباء في منتصف الثلاثينات من عمرها، تعيش مع أمها المتسلطة، التي اختارت لابنتها أو بالأحرى ملكيتها الخاصة، أن تكون ضحية في معبد الفن، وعلي الرغم من كل الجهود والدروس التي تلقتها الابنة إلا أنها لم تكن موهوبة بما فيه الكفاية لكي تصبح عازفة بيانو في فرقة أوركسترا، وبدلا من ذلك تبدأ تدريس البيانو في مدرسة خاصة.
إن هذه الفتاة التي ينظر إليها، من جانب المجتمع وتلاميذها وأمها، باعتبارها صورة مثالية رائعة لفتاة متزنة وفنانة راقية ومبدعة تتمتع بالاستقلالية والرزانة، تطلعنا يلنيك على جانب آخر مثير وسري لهذه الفتاة، فإريكا تذهب إلى الحديقة العامة لتراقب خلسة العشاق في حالات عشقهم، وتذهب بمنتهى الجرأة والتبجح إلي مشاهدة عروض الجنس وأفلام البورنو، التي وللغرابة لا تستثيرها أو تحرك أي شيء بداخلها سوى الرغبة في المشاهدة فقط. وعندما يقع أحد الشبان، تلميذ لها يدعى “كلمر” في حبها فإنها تشترط عليه، بعدما تذيقه من أصناف العذاب ما يكاد يودي برجولته، تشترط عليه في خطاب كتبته له أن يضربها ويعذبها أشد العذاب، مثلما تفعل هي بنفسها، ويتصرف معها كشخص سادي قبل أن تمارس الحب معه.
والرواية عن الفاشية بكافة صورها، كما أنها تجسيد حي للسادية بكافة أنواعها، المتخيلة أو المتصورة وغير المتصورة، حيث الأم على الابنة والأم على الزوج الذي يتم إدخاله مصحة للأمراض العقلية، وحيث الابنة على التلاميذ وعلى الشخص الوحيد الذي أحبته في حياتها، وأيضًا المجتمع بكل ما فيه من آلات سحق وهدم للكيان البشري سواء عن طريق السياسية أو الجنس ورأس المال الشره الذي يديره ويتحكم فيه أو عن طريق التقاليد الاجتماعية البالية التي كانت سائدة في النمسا بين الطبقات الراقية أو المتوسطة، وأيضًا إن جاز التعبير الكاتبة على شخصياتها وعلى القراء، كل هذا في أسلوب يمزج بين العنف القاسي المباشر أو الفج تارة وبين التهكم والسخرية والصور الفانتازية الرائعة تارة أخرى. وبين هذا وذلك بين قبول هذا أو استهجانه بين فنيته وعدم فنيته بين حرفيته وعدم الحرفية النابعة من الانسياق وراء بلوغ أقصى مدى ممكن من العنف والقسوة والسادية وإبراز دور القيود وظلم المرأة، يظل العمل رحلة نفسية مثيرة، مليئة بالرموز والأصوات التي حاولت الكاتبة الجمع بينها.
ويلنيك (57 عامًا) كاتبة، روائية ومسرحية ومترجمة، ولدت في عام 1946 في مدينة موزيرشلاغ، في مقاطعة شتايرمارك النمساوية. ووالدتها أولغا، التي تنتمي لعائلة معروفة بالتعامل مع الكتب وتجارتها، أما والدها فردريك يلنيك، فهو كيمائي يهودي من أصل تشيكي، وقد توفي والدها في مصحة للأمراض العقلية في عام 1969. ودرست ألفريدة في مدرسة أطفال كاثوليكية وبعدها ذهبت إلى مدرسة راهبات، حيث عاشت جوًا من الخوف والقيود الكبيرة. وعانت في المدرسة من مشاعر الكبت والغضب لدرجة أن الراهبات أردن تحويلها لمصحة أمراض عقلية مع أن حالتها كانت عادية. وقد حاولت والدتها إعدادها لكي تكون موسيقية، حيث تلقت دروسًا أولية في البيانو والعزف علي الجيتار، والناي والفيولين. وسافرت في سن الثالثة عشرة إلى فيينا حيث أكملت دراستها في الموسيقي والمسرح وتاريخ الفن.
وعندما التحقت بالدراسة الجامعية، جامعة فيينا عام 1967 أصابتها حالة نفسية فرضت عليها البقاء في البيت في عزلة كاملة لمدة عام. وخلال هذه الفترة بدأت يلنيك بكتابة أشعارها الأولى. ورواية “عازفة البيانو” الصادرة في (1983) تعد من أشهر وأهم أعمال يلنيك والأكثر عمقًا وإحكامًا من بين ما كتبت من روايات، وقد تم تحويلها إلى فيلم سينمائي حمل نفس الاسم، حصل علي ثلاث جوائز في مهرجان كان السينمائي عام 2000.
حصلت الكاتبة علي عدد من الأوسمة والجوائز في الرواية والمسرح، منها جائزة مولهايمر للأعمال الدرامية، وجائزة ليسينغ للنقد، وجائزة الكليات الجامعية النمساوية للشعر (1969)، وجائزة التفوق من وزارة الفنون والتعليم في ألمانيا الفدرالية (1983)، وجائزة هينريش بول لمدينة كولونيا (1986)، وجورج بوشنر(1998) وجائزة برلين المسرحية (2002).
الكاتب: ألفريده يلنيك
ترجمة وتقديم : سمير جريس
الناشر: دار ميريت – مصر
الطبعة: الأولى 2005
الصفحات: 428 قطع متوسط