برلين – محمد هاشم عبد السلام
ضمن فعاليات “مهرجان برلين السينمائي الدولي“، وعلى هامش دورته الـ74 المُنعقدة في الفترة من 15 إلى 25 فبراير الجاري، ينعقد معرض المُصلقات السينمائية أو الأفيشات تحت عنوان “الشاشة الكبيرة – مُلصقات الأفلام من كل العصور” الذي انطلق في 3 نوفمبر الماضي، وذلك حتى 3 مارس 2024 القادم. حيث يُمكن رؤية 300 ملصق سينمائي، منذ بدايات السينما وحتى الوقت الراهن، معروضة في “المُنتدى الثقافي”، على بعد خمس دقائق فقط سيرًا على الأقدام من قصر البرليناله.
أنطلق المعرض الخاص والمُميز والمُثير للإعجاب تحت عنوان “الشاشة الكبيرة – مُلصقات الأفلام في كل العصور” عبر تضافر الجهود المبذولة من جانب إدارة المهرجان و”مكتبة الفنون” و”مُؤسسة السينما الألمانية”. والمعرض مُخصص بالكامل لمُلصقات أفلام مخُتارة بعناية وتدبر ووفق آلية ومنهجية صارمة، من بين مجموعة خاصة تحتوي على 5000 ملصق تقريبًا، وهو كنز يستحق تقديمه وعرضه للجمهور.
وكجزء من فكرة المعرض القائمة على التعاون والمُشاركة، قام 26 ضيفًا من المتخصصين في مجال السينما والتلفزيون والتصميم الجرافيكي، من بينهم كارلو تشاتريان ومارييت ريسنبيك، باختيار المُلصقات المُفضلة لديهم، وأوضحوا أسباب اختيارهم لها في بيان قصير يُمكن سماعه صوتيًا في أروقة المعرض أو قراءتها أيضًا كنصوص مكتوبة في الكتالوج المطبوع.
المُدهش أن المجموعة المعروضة تتضمن مُلصقات ترجع للأيام الأولى للسينما. وثمة أخرى تعود إلى تسعينيات القرن التاسع عشر، وعشرينيات القرن العشرين، فصاعدًا. وذلك، مع التركيز على اختلاف وتباين تقنيات التصميم والطباعة وجمالياتها، وعلى عناصر التصميم، وأبرز من عملوا في الصناعة من فنانين أو مُصممين مشهورين على امتداد تاريخ الصناعة. ومن خلال المعروضات يتضح كيف أن الفنان والتصميم، كان لهما أبلغ الأثر في الترويج للفيلم، وإيصال فكرته وجوهره، بأبسط الطرق والأساليب لمُختلف الطبقات والأذواق.
كانت الطباعة الحجرية، وهي أول وسيلة طباعة جماعية، قد خلقت أسلوبًا مُختلفًا عن الطباعة الأوفست أو الطباعة الرقمية اللاحقة. وتعتبر وسائل وأدوات التصميم من بين أساسيات المعرض أيضًا. في البداية، قامت اليد الفنية بتشكيل الجماليات من خلال الرسم والتلوين. وفي عشرينيات القرن العشرين، بدأت إضافة العناصر الفوتوغرافية لأول مرة، وظهر الكولاج أيضًا، كمزيج من الرسومات والتصوير الفوتوغرافي. وقد أدى وصول الوسائط الرقمية إلى خلق جماليات خاصة. قبل حلول التسعينيات والاستعانة بتصميم وتنفيذ وتجهيز المُلصقات باستخدام أجهزة الكمبيوتر.
كذلك يمكن الوقوف على التطورات أو المحطات الانتقالية البارزة في تاريخ السينما، مثل الانتقال من الأفلام الصامتة إلى دخول الصوت، ومن الأبيض والأسود إلى الألوان، إلخ. وكيف أن المُلصقات المُبكرة صُممت بشكل أكبر مع وضع الجمهور الدولي في الاعتبار، لأن اللغة لم تكن تلعب أي دور تقريبًا، حتى عصر دخول الصوت إلى السينما. ومن هنا لا ينصب تركيز المجموعة المعروضة على المُلصقات الناطقة باللغة الألمانية، فحسب. في الواقع، أقدم المُلصقات المعروضة ليست ألمانية في الحقيقة. نظرًا لأنه، وحتى مُنتصف العقد الأول من القرن العشرين، كانت مُلصقات الأفلام الأولى في كثير من الأحيان فرنسية. وغالبًا، كانت تحمل عنوان الفيلم مطبوعًا عليها فقط، وليس ثمة أي نص آخر أو أي صور أو غيرها، ومع ذلك، كانت التصميمات جد رائعة ومُبتكرة وفريدة.
ومع ذلك، فإن التواجد الألماني لا يُستهان به. ونلاحظ في المُلصقات الألمانية أثر العقود الأربعة التي نشأت فيها جمهورية ألمانيا الديمقراطية وجمهورية ألمانيا الاتحادية، قبل تم دمجهما. والانعكاس الطبيعي اللافت في المجموعة. مثلا، بالإضافة إلى التصاميم من ألمانيا الشرقية، نجد مُلصقات للأفلام التي عُرضت، أيضًا، في دور السينما في دول الكتلة الشرقية. أي، في المجر والتشيك وبولندا وروسيا. هناك أيضًا مُلصقات من بلدان أخرى. لكن أبرزها البولندية والتشيكية من الخمسينيات والستينيات القرن الماضي. إذ اكتسب فن المُلصقات البولندي سُمعة عالمية مُمتازة في تصميم المُلصقات، منذ وقت مُبكر جدًا. حيث تطورت هناك مدارس استثنائية في تصميم المُلصقات، لا تنتهج الأسلوب الواقعي في الرسم والتصميم. من هنا، كانت الرسومات أكثر حرية وتطورًا وإبداعًا، في التقاط مزاج وجوهر أو روح الفيلم في رسمة واحدة، تجريدية كانت أو تجريبية بعض الشيء، دون الحاجة للاستعانة بتصوير أو لقطة من مشهد في الفيلم أو أي صور لأبطاله أو شخصياته الرئيسية.
جدير بالذكر، أن جميع المُلصقات المعروضة في “الشاشة الكبيرة – مُلصقات الأفلام في كل العصور” مُلصقات أصلية، حيث جرت طباعتها عند إصدار الأفلام. لكن، ثمة اختلافات بسيطة جدًا بين المُلصقات الخاصة بالعروض العالمية الدولية الأولى والعروض المحلية. مثلا، عندما افتتح فيلم “كوكب القرود” في دور السينما على مستوى العالم عام 1968، صممت كل دولة مُلصقاتها الخاصة، وكانت كلها أصلية.
أما جوهرة المعرض ودُرة تاجه، فعبارة عن المُلصق الكبير الحجم لأيقونة المُخرج الألماني الرائد فريتز لانج، “متروبوليس” (1927)، وذلك في مقاس 2 × 3 متر. والمُلصق هو النسخة الفرنسية الكبيرة، وربما تكون آخر نسخة أصلية مطبوعة موجودة في العالم. إذ أنه، وفقًا لكتالوج المعرض، وبعد بحث استغرق 20 عامًا، لم يُعثر منه بعد على نسخة أخرى مُماثلة.