محمد هاشم عبد السلام
من خلال الأهمية المتزايدة للمشورة في حياتنا في مختلف المجالات كانت الحاجة لوجود هذا العلم، ولوجود كتب مهمة مثل هذا الكتاب “فن المشورة” المترجم حديثًا للاستشاري النفسي “لو ماري” 1909 – 1994، والذي يلقي فيه الضوء على “المشورة”، ما هو مجالها أو اختصاصها؟ وهل يختلف عن مجالات علم النفس؟ وهل المشورة فن؟ وهل نحن جميعًا بحاجة إلى المشورة؟ وأية أنواع من المشورة على وجه التحديد؟
ومصطلح المشورة يعني شيئًا غير طلب النصيحة أو الاستشارة الطبية التقليدية من طبيب نفسي كما نراها في مجتمعنا العربي، والتعبير الأكثر انتشارًا لها في الوسط الأكاديمي العربي “الإرشاد النفسي”. ولم يعد هذا المجال جديدًا على الإطلاق في الغرب ودول العالم المتحضرة، بل وخلال أكثر من نصف تثبتت صحة هذه النظريات ولم تعد مجرد تخمينات، وأكدتها آلاف الأبحاث والدراسات العلمية. ويلقي مقدم الكتاب، الاستشاري النفسي هاري بون الضوء أكثر على هذا المصطلح الجديد علينا فيقول: “إذا كان المرء يعاني من مرض عضوي فهو في حاجة لطبيب بشري، وإذا كان المرء يعاني من عجز في شخصيته وعدم قدرة على التكيف وذلك لأسباب عضوية وعقلية يحتاج المرء إلى طبيب نفسي (وهو ذلك الطبيب البشري المتخصص في العلاج النفسي)، وإذا كان المرء يعاني من متاعب نفسية في شخصيته ولم تنجم عن أي سبب عضوي، فنحن نشير إلى أخصائي نفسي استشاري أو معالج نفسي غير طبي، مثلما يحتاج الصبي غير المتعلم وغير الناضج إلى مربي ومدرسة”. ويقع مجال عمل المشير فيما بين المجالين الاحترافيين الأخيرين. وفي الوقت الذي يتعامل فيه الاستشاري النفسي أساسًا مع مشاكل تحتاج لتصحيح أو مشاكل تتعلق بإعادة التربية يعاني منها أشخاص لاقوا صعوبات كبيرة في التكيف وعادة ما يحتاجون لعلاج فردي مطول، يتعامل المشير مع المشاكل المعقدة التي يصعب حلها بشكل عرضي في إطار العملية التربوية العادية ولكنها ليست خطيرة لدرجة تتطلب الخدمات المتخصصة للاستشاري النفسي.
كما يؤكد الكتاب على أن المشورة ليست مجرد حرفة وإنما هي تقنية أو فن يستخدم كجزء من المسئولية الشاملة في المهن التي تكون مهمتها الرئيسية هي التعامل مع الأشخاص، بالتحديد في عمل الأطباء والمدرسين ونظار المدارس وعمداء الكليات ورجال الدين والإخصائيين الاجتماعيين الخ.
ويركز الكتاب في أماكن كثيرة منه على العلاقة المتبادلة والتفاعل المستمر بين الدين والصحة العقلية، ويحاول ربط هذا بين الفن والدين.
ويلفت رولو ماي نظرنا إلى شيء مهم بقوله في صفحتي 145، و146: “أول شيء يجب أن نتذكره هو أن الشخصية لا تتحول من خلال النصيحة، علينا أن نتخلص من هذا المفهوم الخاطئ وإلى الأبد. المشورة الحقيقية تختلف تمامًا عن إعطاء النصيحة”. “إعطاء النصيحة ليس من وظائف المشير لأنها تخرق استقلال الشخصية. لقد اتفقنا على أن الشخصية لابد أن تكون
لقة حرة ومستقلة، كيف يمكننا أن نبرر عندئذ أن يعطي شخص لآخر قرارت مسبقة جاهزة، أخلاقيًا لا يمكن أن يفعل المرء هذا وعمليًا لا يمكن أيضًا لأن النصحية القادمة من أعلى لا يمكنها أن تحدث تغييرًا حقيقيًا في شخصية الآخر. لا يمكن أن تصير الفكرة جزء منه وسيطردها في أول فرصة. بيد أنه وبشكل عملي يدعى المشير عادة كي ينصح الآخرين في أمور ليست بالضرورة مشاكل شخصية. ويمكنه أن يفعل هذا من وقت لآخر لكن عليه أن يعي تمامًا أنه لا يقدم مشورة حقيقية في تلك اللحظة. أحيانًا تحدث النصيحة أثرًا عمليًا لو قدمت كاقتراح ومن ثم يصيغ الشخص القرار لنفسه”.
انقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء جاءت محتوياتها على الترتيب التالي، الجزء الأول: “المبادئ الحاكمة، ومصدر مشاكل الشخصية، وصورة الشخصية، والتقمص الوجداني – مفتاح عملية المشورة”، ثم الجزء الثاني: “خطوات عملية، وقراءة الشخصية، ووضع برنامج المشورة، والاعتراف والتفسير، وتحويل الشخصية”، وأخيرًا الجزء الثالث: “اعتبارات نهائية، وشخصية المشير، والأخلاق والمشورة، والدين والصحة النفسية”.
عنوان الكتاب: فن المشورة (كيف تكتسب وتُمنح الصحة النفسية؟)
المؤلف: رولو ماري
مقدمة: د. هاري بون
ترجمة: د. أسامة القفاش
الناشر: مكتبة دار الكلمة – مصر
الصفحات: 234 قطع متوسط