محمد هاشم عبد السلام

السبت 17 يناير 2015

 

ينقسم كتاب المؤلف والناقد السينمائي أشرف غريب، “فطين عبد الوهاب: رائد الفيلم الكوميدي في مصر”، الصادر عن ضمن سلسلة مطبوعات مهرجان القاهرة السينمائي، إلى خمسة فصول، على امتداد مائة وخمسين صفحة، جاءت عناوينها على النحو: “سنوات النشأة والتكوين”، “سنوات العمل والنجاح: فطين وسينما الخمسينات، فطين وسينما الستينات”، و”أفلام في حياته”، ثم “أسلوب المخرج”، وأخيرًا “قائمة أفلام فطين عبد الوهاب”.

“إذا استثنينا المخرجين الأجانب “ليونار لاريتش” و”بونفيللي” و”كارل بويا”، فهل يصح أن نعتبر أيًا من “محمد بيومي” أو “ستيفان روستي” – رغم أصوله الأجنبية – رائدا الفيلم الكوميدي في مصر؟ إجابة هذا السؤال تقودنا إلى سؤال آخر عن معنى كلمة ريادة، ومن هو الذي يستحق لقب رائد؟” انطلاقًا من هذين السؤالين المهمين اللذين طرحهما المؤلف في سياق المقدمة، يبرز دور هذا الكتاب المتميز الذي حاول أن يضع النقاط فوق الحروف فيما يتعلق بصميم الكوميديا المصرية، ومَن مِنَ المخرجين كان الأقرب في الإمساك بروحها في أفلامه، أي بالفعل صاحب التميز وليس السبق الزمني، والتميز يأتي بطبيعة الحال من مفارقة السائد وحجم الإنجاز وتراكمه والأثر الذي يتركه صاحبه في مجاله وصولا إلى مرحلة التفرد.

ومن هنا يأتي اختيار مؤلف الكتاب للمخرج الراحل فطين عبد الوهاب، صاحب السبعة وخمسين فيلمًا سينمائيًا، والتي يميل القاسم الأعظم منها للنوع الكوميدي الصرف، والمحفورة كادراتها ولقطاتها ومشاهدها، التي طالما أضحكتنا، في قلوبنا وعقولنا. وليس الرقم فحسب هو ما يعوّل عليه، بل تراكم الأعمال الناجحة التي لم تفقد قدرتها بعد على إضحاكنا حتى يومنا هذا، وتلمس بها أسلوبًا مميزًا ونجومًا متألقين. وقد استوعب فطين عبد الوهاب الثقافة السينمائية بمفهومها الواسع وهضم الشخصية المصرية الميالة إلى الفكاهة، فأضحكها كما لم يضحكها غيره، وسخر منها كم لم يفعلها آخر، وعليه، فقد أحب المصريون أفلامه، وقدّر المتخصصون أعماله حتى لو لم يعطوها حقها الوافي من النقد والإبراز.

يتناول الفصل الأول من الكتاب، “سنوات النشأة والتكوين”، بدايات المخرج فطين عبد الوهاب منذ ولادته في الثاني والعشرين من نوفمبر عام 1913 في مدينة دمياط الساحلية بمصر، وحتى رحليه في الثاني عشر من مايو عام 1972 بمدينة بيروت بلبنان. وعلى النقيض من شقيقيه الأكبر “سراج منير” “وحسن”، اللذين أحبا السينما منذ نعومة أظفارهما، فاتجه سراج للتمثيل وحسن لدراسة الإخراج بألمانيا، لم يكن المخرج فطين عبد الوهاب مهتمًا بالمرة بفن السينما ولا بالعمل فيه لا أمام الكاميرا ولا خلفها.

وقد استغرق الأمر منه سنوات عدة وتجارب كثيرة فاشلة، من التحاق بكلية الزراعة ثم تركها والتوجه للفنوان الجميلة كي يدرس الرسم والعمارة ثم الاكتفاء من التعليم وتركه بالمرة، والاتجاه للوظيفة الحكومية في مصلحة الجوازات لفترة من الوقت، ثم التخرج في الكلية الحربية، حتى تقرّبه أكثر من السينما وكتابته ونشره للنقد السينمائي، وذلك كله قبل أن يُحدد أن وجهته الأساسية والنهائية ستكون الإخراج للفن السابع. وكان هذا في عام 1944، عندما قرر ترك الحياة العسكرية والاستقالة من الجيش، بوازع من شقيقيه، والتعرف على والانخراط في زمرة أصدقاء شقيقيه من المخرجين.

ولا شك أن الظروف العالمية والمصرية، بعد انتهاء الحرب، في تلك الفترة، لعبت دورًا هامًا في غزارة الإنتاج السينمائي والاستثمار في صناعة السينما، ومن ثم ظهور مخرجنا فطين على الساحة الإخراجية، في وقت كانت السينما المصرية تنتج أكثر من خمسين فيلمًا في العام، وتشهد كل عام ظهور خمسة أو ستة مخرجين جُدد على الساحة، منهم من اقتحم المجال السينمائي على سبيل المغامرة ولم يصنع سوى فيلمًا واحدًا فحسب، ومنهم من استهوته المغامرة وشق طريقه وصنع لنفسه اسمًا، ومنهم مخرجنا الذي أخرج على مدى مشواره المهني الممتد لأربعين عامًا تقريبًا، 89 فيلمًا روائيًا طويلا، بمتوسط يزيد عن فيلمين في العام تقريبًا، وفي نوعية بعينها تخصص فيها المخرج وهي الكوميديا. وكان أول ظهور إخراجي لفطين مع فيلمه الأول “نادية” عام 1949.

ينتقل المؤلف قبل اختتام الفصل الأول ليرصد لنا تحت عنوان فرعي “مشكلة الفيلم الأول”، وهل هو فعلا فيلم “نادية” الذي عرض بالفعل عام 1949 أو فيلم “جوز الأربعة” 1950 الذي ذكر المخرج عرضًا في إحدى المقابلات أنه أول أفلامه وسار الجميع على هدى تلك المعلومة ولم يتقفوا أثرها، وبذلك فإنه يزيل بعض اللبس الذي استمر طويلا حول هذا الأمر. ثم يتناول الناقد الفيلمين بالتحليل والنقد.

ينقسم الفصل الثاني، “سنوات العمل والنجاح”، إلى عنوانين فرعيين جاءا على النحو التالي: “فطين وسينما الخمسينيات” و”فطين وسينما الستينيات”. بعدما رصد المؤلف خريطة الطيف السينمائي في مصر مع نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات لحظة ولوج فطين عبد الوهاب لعالم الإخراج السينمائي، وأطلعنا بدقة على المشهد السينمائي آنذاك، راح يشرح لنا كيف استفاد فطين من عدة تجارب سينمائية في مطلع الخمسينيات لم تكن على المستوى المطلوب، وكيف استوعب الدرس وشرع مع فيلمه الثامن “الآنسة حنفي” (1954)، في إلقاء أول قنابله السينمائية التي تصنفه بين المخرجين الكبار.

لينطلق بعدها قطاره الإبداعي دون أن يتوقف عن إتحاف جمهوره ليس بفيلم جيد أو آخر فحسب، بل بسلسلة حملت اسم الراحل العظيم إسماعيل ياسين، وهي “إسماعيل في الجيش، والبوليس، والأسطول” وغيرها، إضافة إلى الروائع الكوميدية الأخرى التي حملت اسم بطلها في تقليد جديد على السينما المصرية، مثل “مغامرة إسماعيل ياسين، وعفريتة إسماعيل ياسين، وإسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة” وغيرها. بإجمالي أفلام بلغت ثلاثة وعشرين فيلمًا قدمها فطين في الفترة ما بين أعوام 1949 و1959، كان نصيب إسماعيل ياسين منها اثني عشر فيلمًا. ثم يختتم المؤلف هذا الجزء برصد أهم الملامح المميزة لسينما فطين في تلك الفترة.

ثم ينتقل بنا مع الجزء الثاني من الفصل الثاني إلى الأفلام التي أنجزها فطين خلال فترة الستينيات، وكيف حدث تغيرًا ملموسًا في عالم الكوميديا في السينما المصرية وتفاعل الجمهور معها، ومن قبله الممثلين المؤدين لتلك الأدوار وحتى طال عناوين الأفلام نفسها مثل، “الزوجة 13، وعائلة زيزي، واعترافات زوج، ومراتي مدير عام، وعفريت مراتي” وغيرها من الافلام التي راحت تُشكّل ذوق الجمهور في مصر والعالم العربي.

ويركز على كيفية رسم فطين لخريطة ممثلي الكوميديا في الستينات، وكيف تحول للعمل مع أكثر من ممثل كوميدي غير إسماعيل ياسين، وكان على رأسهم فؤاد المهندس، برصيد خمسة أفلام، وأنه هو أعاد اكتشافه ودفعه للصدارة. كما أنه أول قدّم الثنائي فؤاد وشويكار لجمهور السينما، وبالطبع حسن فائق وعبد المنعم إبراهيم، بل وغامر حتى مع يوسف وهبي وفريد شوقي كممثلي كوميديا. وقد تخلى فطين خلال تلك المرحلة من عمله عن البعض مثل، عبد الفتاح القصري ومحمود شكوكو واستيقان روستي وزينات صدقي وعبد السلام النابلسي. بعد ذلك، يختتم المؤلف أشرف غريب الجزء الثاني والفصل الثاني بالتوقف عند أهم ملامح المرحلة الثانية في سينما فطين عبد الوهاب.

الفصل الثالث، “أفلام في حياته”، يتوقف فيه المؤلف ليتناول مجموعة من الأفلام المفصلية في مسيرة فطين السينمائية بالنقد والتحليل وذلك تحت عناوين فرعية لافتة وذات دلالات هامة شارحة مثل، “نادية… لا شيء غير الاسم”، و”جوز الأربعة… الفيلم الجيد في الزمن الخطأ”، و”بيت الأشباح… الطرق إلى النجاح”، و”الأستاذة فاطمة… روميو وجولييت بالمصري”، “الآنسة حنفي… نقطة التحول”، و”إشاعة حب… أخيرًا فعلها”، و”الزوجة 13… استسلام شهريار”، وغيرها الكثير من العناوين الفرعية التي تناقش أفلامًا هامة وكان آخرها “أضواء المدينة… مشهد النهاية”. ومعه يختتم المؤلف هذا الفصل وأفلام فطين، التي كان آخرها هذا الفيلم، الذي رغب بعده في السفر إلى روما لدراسة إخراج الأوبرات والأوبريتات وذلك في كورس مكثف لمدة ستة أشهر كي يحدث نقلة أخرى في مساره المهني، لكن القدر لم يمهله.

يتعمّق الفصل الرابع، “أسلوب المخرج”، في تناوله النقدي لأفلام فطين على نحو سينمائي تقني، وذلك تحت العناوين التالي: ما قبل مقدمة الفيلم، ومقدمة الفيلم، واللقطة الأولى، والتعامل مع زمن الأحداث، وطبيعة الصراع، والتصوير والإضاءة، والألوان، وكوميديا الموقف والإفيه، والتنكر والشبيه صوتًا وصورة، والخدع السينمائية، والحلم والصوت الداخلي، والمعارك ومشاهد الحركة، والتقابلات والثنائيات، والخطب العصماء والمرافعات، وتنفيذ الأغاني والرقصات، واستخدام الموسيقا التصويرية، وأخيرًا مشهد النهاية، ثم يختتم الفصل بمجموعة من أهم الأقوال والحكم التي وردت في أفلام فطين عبد الوهاب.

وأخيرًا، يأتي الفصل الخامس، وهو عبارة عن قائمة بأفلام فطين عبد الوهاب، مُددقة ومُفصلة، اعتمد فيها المؤلف على مقدمات أفلام فطين، وكذلك ملفات المركز الكاثوليكي المصري للسينما.