محمد هاشم عبد السلام

 

يبدأ العالم الأمريكي الكبير كارل ساجان الفصل الأول من كتابه، بتعريف معنى كلمة بلايين ولماذا اختار هذه الكلمة والتصقت به وذلك في فصل حمل عنوان بلايين وبلايين، وهو الفصل الأول في الجزء الأول من الكتاب والذي حمل عنوان “قوة وجمال القياس”. وبعد تعريفنا بالبلايين والملايين والتريليونات، يشرح وبشكل مبسط أهمية الترقيم الأساسي في حياتنا، وبالذات الترقيم الأسّي، هذا النوع من الترقيم الرياضي الذي سيبني عليه ساجان الجزء الأول من الكتاب.

ينطلق ساجان بعد ذلك ليخوض بنا عبر الفصول التالية للجزء الأول، وهي من أهم وأكثر فصول الكتاب إثارة ومتعة، في توضيح مدى قوة وسحر وجمال عملية القياس والترقيم الأسي، ويبدأ باستعارة حكاية لوحة الشطرنج الفارسية والمكافأة التي طلبها المخترع من الشاه وظن الأخير لجهله بالرياضيات أنه طلب هين ومتواضع، ذلك لأنه بدأ بحبة قمح واحدة، لكن عن طريق المضاعفة تصبح كمية الحبوب اللازمة في النهاية للإيفاء بالطلب أقل بقليل من وزن الكرة الأرضية! ويأخذ ساجان في ضرب كثير من الأمثلة الخاصة بالمضاعفة على كافة الأمور، الجراثيم على سبيل المثال وتكاثرها، وأيضًا الزيادة السكانية، وكلها لو قمنا بقياسها بالفعل لربما أصبنا بالجنون المطبق، مثلاً أورد ساجان المثال التالي: “لكل شخص أبوان، وأربعة أجداد وثمانية آباء للأجداد، و16 جدًا للأجداد، وهكذا، وكلما عدنا إلى الوراء نجد ضعف عدد الأجداد الأعلى المباشرين، إذا كان الجيل 25 عامًا فإن 64 جيلاً مضت قد استغرقت64×25=1600عام مضت، أو قبل سقوط الإمبراطورية اليونانية بقليل، وهكذا كل من يعيش منا الآن كان له عام 400 نحو 18.5 كوينتليون جد، وهو أكثر بكثير من العدد الكلي للبشر الذين وجدوا حتى الآن”. كما حلل ساجان وربط بشكل جديد وجميل بين غريزة الصيد التي تملكت الجنس البشري منذ القدم وحتى الآن لكن في شكل ممارسة الرياضة وتشجيع الفرق الرياضية المختلفة. وفي الفصول التالية من هذا الجزء مضى بنا إلى ما هو أبعد حيث تحليلات ذبذبات الضوء والترداد الصوتية، وطبيعة كل منها وتعاملنا وتفاعلنا مع كل منها بطريقة غاية في التبسيط والسهولة، وبعيدًَا عن جفاف المادة العلمية.

الجزء الثاني من الكتاب والمعنون بـ”علام يحافظ المحافظون؟” والذي بدأه بالفصل السابع الذي حمل عنوان “العالم الآتي مع البريد”، وأنهاه بالفصل الثالث عشر الذي حمل عنوان “تحالف الدين والعلم”، ألقى ساجان الضوء وبعمق على أهم الظواهر التي تصيب كوكبنا الآن وقد تؤدي في المستقبل إلى دماره، الأسباب، وكيفية تلافيها، والخطوات التي اتخذت بشأنها، وكان أهمها من وجهة نظره، ثقب الأوزون وظاهرة ارتفاع درجات حرارة العالم أو ما يعرف بظاهرة الصوبة الزجاجية، وكشف ساجان الكثير والكثير مما هو مثير حول هاتين الظاهرتين الحروب والصراعات والاتهامات وغيرها.

أما الجزء الثالث والأخير في الكتاب فقد حمل عنوان “حيث تتصادم القلوب والعقول”، و بدأ بالفصل الرابع عشر “العدو المشترك”، وانتهى بالفصل التاسع عشر “في وادي الظلال”. هذا الجزء في مجمله عبارة عن مجموعة من المقالات المهمة التي كتبها ساجان في كبريات الصحف والمجلات العليمة والفلكية المتخصصة، تحدث فيها عن عدة موضوعات مثل: سباق التسلح والحرب الباردة، كذلك موضوع الإجهاض، في فصل حمل عنوان “هل يمكن الدفاع عن حق الحياة وحق الاختيار معًا؟”، وفي فصل حمل عنوان “قواعد اللعبة” داعب ساجان عقلية القارئ بطرحه لمعضلة السجين ومن خلال نتائجها المحيرة يقوم بتطبيقها على المجالات المختلفة، كذلك يطرح في هذا الفصل ما يسمى بالقواعد المقترحة لاستخدامها في الحياة وهي على الترتيب: الذهبية؛ عامل الآخرين كما تحب أن يعاملوك به. الفضية؛ لا تعامل الآخرين بما تحب ألا يعاملوك به. النحاسية؛ اسلك تجاه الآخرين كما يسلكون تجاهك. الحديدية: أفعل ما تريده بالآخرين من قبل أن يفعلوا بك ما يريدون. المعاملة بالمثل؛ تعاون أولاً مع الآخرين، ثم اسلك تجاههم كما يسلكون تجاهك.

وفي النهاية، وقبل أن يحدثنا ساجان عن ظروف تعرضه للموت بسبب مرض غامض، (توفى كارل ساجان قبل صدور الكتاب)، يقول: “قد تكون المحصلة الثانوية الأكثر إثارة للأسى في الثورة العلمية هي أنه أصبح من المتعذر استعادة معتقداتنا التي نعزها كثيرًا والتي نشعر بالراحة تجاهها، وحل محل اعتقاد أسلافنا بأن الإنسان في مركز المشهد الكوني كون بارد هائل غير متحيز حيث البشر منفيون مغمورون. لكني أرى أنه قد انبثق في وعينا كون عظيم ذو نظام معقد ورائع بعيد تمامًا عما كان يمكن لأسلافنا تخيله، وإذا كان من الممكن فهم الكثير عن الكون في صيغة بضعة قوانين بسيط حول الطبيعة، فإن من يرغبون الإيمان بالله يمكنهم بالتأكيد أن ينسبوا تلك القوانين الجميلة إلى سبب تنبع منه الطبيعة كلها، وأرى أن فهم الكون كما هو في حقيقته أفضل بكثير من مطالبة الكون بأن يتفق مع ما نرغب أن يكون عليه”.

حصل كارل ساجان على 22 درجة فخرية من الجامعات الأمريكية لمساهماته في مجالات العلم والآدب والتعليم والمحافظة على البيئة، وعلى كثير من الجوائز لأعماله حول النتائج بعيدة المدى للحروب النووية والحد من التسلح النووي. كما شارك مشاركة بارزة في رحلات سفن الفضاء: ماؤينر وفايكنج وفوياجير وجاليليو، وكام مستشارًا لناسا منذ الخمسينات، وتمت تسمية الكويكب 2709 ساجان على اسمه. كما أسهم في اكتشافات مهمة حول أسرار درجات الحرارة العالية على كوكب الزهرة والتغييرات الموسمية على كوكب المريخ. من أشهر كتبه: الكون (تمت ترجمته إلى العربية وكذلك كتاب نقطة زرقاء باهتة). يعتبر هذا الكتاب الثلاثين في سلسلة الكتب التي كتبها ساجان أو شارك في كتابتها أو حررها.

 

عنوان الكتاب: بلايين وبلايين (أفكار حول الحياة والموت على حافة الألفية).

المؤلف: كارل ساجان

ترجمة: عزت عامر

الناشر: المجلس الأعلى للثقافة – المشروع القومي للترجمة

الطبعة: الأولى 2004

الصفحات:   308 قطع كبير