بقلم: إدوارد إلبي
ترجمة: محمد هاشم عبد السلام
يبدو هذا السؤال سخيفًا أو غير معقول إلى حد كبير، لأن المطلوب ليس فقط الإجابة عنه، ولكن أيضاً عن لماذا يُسأل. عند معظم الناس الأكثر بساطة هو صياغة المسرحيات، الجيدة منها، على كل حال، فهي المسرحيات الوحيدة باعتبارها أحد أشكال الأدب، وتكون متاحة لمعظم الناس عن طريق الأداء، بينما هي تجارب كاملة بدون هذا الأداء.
وفي هذا الصدد، كنت أتكلم منذ عهد قريب مع القائد الأوركسترالي الشاب الذي عزفت فرقته الموسيقية للجمهور العالمي في العرض الأول قطعة من تأليف موسيقار صغير السن ذلك العازف أنا معجب بعزفه. “آه، لا يمكنني الانتظار حتى أسمعها!” قلت، وأجاب المايسترو، “حسنًا، إذن، لماذا لا تقرؤها؟”
وعرض عليَّ أن يعطيني النوتة الأوركسترالية – لأقرأها وبذلك يمكنني سماعها. للآسف، لا أستطيع قراءة الموسيقا. الموسيقا عبارة عن لغة، لكنها غريبة بالنسبة لي، وليس في إمكاني ترجمتها. إذا كنت أعرف كيف أقرأ الموسيقا فعلاً، كنت قادرًا على سماع القطعة قبل أن تعزف – بل سماعها، في العرض الذي هو بلا تحيز، دون التأثر بجو الآلات الموسيقية والقاعة وبمعزل عن ردود فعل هذا الجمهور أثناء استمتاعه. هذه الحالة الشاذة، نادرة ربما، لأن عددًا قليلاً من غير الموسيقيين بإمكانه قراءة الموسيقا بصورة جيدة وبدرجة كافية تجعله قادرًا على سماع النوتة الموسيقية التي يقرؤها، لكن هذا يطرح قضايا مثيرة، متضمنة بعض التشابهات والقياس مع الفارق، باختصار، أي شخص يعرف كيف يقرأ مسرحية ويسمع عرضًا لها بالضبط كما رآه وسمعه كاتب المسرحية أثناء كتابته لها، بدون “مساعدة” من الممثلين أو المخرج.
معرفة كيفية قراءة المسرحية – تعلم قراءة المسرحية ليست مسألة معقدة أو مهولة. عندما تقرأ رواية ويصف لك الروائي الغروب، أنت لا تقرأ الكلمات فحسب، أنت “ترى” ما تصفه الكلمات، وعندما يكتب الروائي محادثة، تسمع “في الصمت” ما تقرؤه… تلقائيًا، بدون تعمد التفكير فيه. لماذا، إذن، نفترض في النص المسرحي أن يقدم مشكلات صعبة جداً إلى القارئ؟ خلف الجمع الطباعي الغريب المستقل بطباعة المسرحيات، نجد الإجراءات هي نفس الشيء ؛ الألعاب البهلوانية التي يقوم بها العقل تكون هي نفسها، والنتيجة مختلفة في الحالتين. لقد قرأت مسرحيات – شكسبير، تشيكوف – لفترة طويلة قبل أن أبدأ كتابة المسرحيات ؛ بالطبع، قبل فترة طويلة من رؤيتي لأول مسرحية حقيقية رصينة من مسرحياتي تعرض على المسرح. هل كانت رؤية هذه المسرحيات أثناء تمثيلها على المسرح تمثل تجربة مختلفة عن رؤيتها أثناء قراءتها؟ بالطبع. لكن هل كانت أكثر اكتمالاً، تجربة أكثر إيفاء وتحققًا؟ لا، لا أعتقد هذا.
من الطبيعي، أنه كلما زاد عدد المسرحيات التي شاهدتها وقرأتها على مدار السنين، زادت المهارة الكبيرة التي اكتسبتها في ترجمة النص إلى عرض (أداء) أثناء قراءتي. مازلت مقتنعًا أن ما يلي هو الصحيح: ليس بإمكان الأداء أن يجعل من أي مسرحية عظيمة أكثر عظمة مما هي عليه، ومعظم العروض المسرحية ليس كافيًا أو افيًا بالغرض، سواء من جهة أن العقول أثناء العمل ليست على مستوى المهمة تمامًا أو بمعنى الكلمة بغض النظر عن كيف أنهم يحاولون بإخلاص، أو من جهة أن مؤلفي ومخرجي المسرح مهتمون بكفاحية “بالتفسير والتأويل” أو “تجويد العرض لتسويقه” مما يجعل خبرتنا المسرحية، كجمهور يشاهد، محدودة، جزئية فقط.
أيضًا – وليس أمرًا غريبًا – أن الأداء يمكن أن يجعل من مسرحية قليلة الشأن تبدو أفضل كثيراً مما هي عليه. التمثيل بإمكانه أيضًا، بالطبع، جعل مسرحية سيئة تبدو أسوأ مما هي عليه. فليرحمنا الله جميعًا! عندما أتولى التحكيم في مسابقة للكتابة المسرحية أصر على أن نقرأ أنا والحكام الآخرين المسرحيات المشاركة في المسابقة حتى ولو كنا قد رأينا العرض بل بالذات لو كنا قد رأينا العرض. وكم من مرة ينتج عن إصراري ما يلي: “عجبًا” أي نجاح! إن هذه المسرحية أفضل كثيرًا من العرض الذي رأيته! أو “أو” عجبًا! من المؤكد أن المخرج جعل تلك المسرحية تبدو أفضل كثيراً مما هي عليه!”
المشكلة تزداد تعقيدًا بفعل نوعية المسرح التي توجد لدينا اليوم وهي في الأغلب الأعم – مسرح المخرج، حيث التفسير والتأويل، وإعادة صياغة الفكر، القص، واللصق، بل وحتى إعادة كتابة نص المؤلف، غالبًا بدون إذن المؤلف، وتعتبر كلها سلوكيات مقبولة. في حين أننا نحن كتاب المسرح نكون مبتهجين أن حرفتنا وفننا يتيحان لنا مدخلاً أو وصولاً مزدوجًا للناس المهتمين بالمسرح – عبر كل من النص والأداء – نصبح أيضًا منزعجين عندما يصبح ذلك سيفاً ذو حدين. أنا مقتنع أنه في العرض المناسب ينبغي على الكل أن يغيب عن النظر – التمثيل، الإخراج، التصميم، حتى الكتابة وإعادة الكتابة – ليتم تركنا نلتقي مع مقاصد المؤلف المسرحي وحده دون تشويه البتة. المقتل هو الادعاء أن التفسير أو التأويل هو على نفس مستوى الإبداع.
أنا لا أقترح أن تمتنع عن مشاهدة المسرحيات. هناك الكثير من الإنتاج الرفيع المتميز، لكن ضع في ذهنك أن الإنتاج هو رأي، تفسير، وإذا لم تعرف المسرحية على الورق، فإن التجسيد الذي ستحصل عليه لن يكون نسخة طبق الأصل، هو من درجة ثانية (ساكندهاند)، ثانوي، وقد يختلف بدرجة كبيرة عن مقاصد المؤلف. وبالطبع، فإن قراءتك لمسرحية هي أيضاً مجرد رأي، تفسير، لكن هناك من الأيدي والعقول ما هو أقل عددًا في طريق التقائك بالمؤلف.