محمد هاشم عبد السلام

كاتب وناقد ومترجم – مصر

 

 

يحتل متحف الفن الإسلامي الطابق العلوي من متحف “البرجامون” الواقع بجزيرة المتاحف في العاصمة الألمانية برلين. وتشغل المعروضات الدائمة بالمتحف قاعات الجناح الجنوبي منه، في حين توجد قاعة المعروضات المتغيرة بالجناح الشمالي منه. والقاعات الدائمة والمتغيرة مقسمة إلى ثمانية عشر قاعة متفاوتة المساحة والتقسيم والمحتوى. والجناح الخاص بالمعروضات الدائمة المعروضة في سبعة عشر قاعة، مخصص بالكامل لعرض الكثير من فنون الشعوب الإسلامية في الفترة من القرن السابع إلى التاسع عشر. ويمتد القوام الجغرافي للمجموعة الفنية على نطاق واسع، من إسبانيا شرقًا حتى الهند جنوبًا. مع تركيز رئيسي يتمحور حول منطقة الشرق الأوسط عامة، وعدة بلدان على وجه التحديد منها مصر والعراق وسوريا وتركيا وإيران.

 

محتويات المتحف

تتكون التشكيلة التي تضمها مجموعة المتحف الدائمة من زخارف معمارية، وفنون تطبيقية، وحرف يدوية، ومخطوطات وكتب نادرة من حيث القدم والزخرفة والتزيين والطباعة. وتمثل الزخارف المعمارية أهم عناصر جذب الانتباه الرئيسي في المجموعة، وتعمل على نقل مفاهيم الفضاء أو المساحة والبيئات والوسائط المختلفة، فنجد منها الحجر، على سبيل المثال “واجهة قصر المشتى”، والجصيات ومنها ما هو نتاج التنقيبات والاكتشافات الأثرية في منطقة سامراء، وكذلك الأعمال الخشبية المتنوعة المزخرفة والموشاة والمنمقة مثل “الحجرة الحلبية”، إلى جانب تنوع التقنيات المختلفة المنفذة بها أعمال النحت والحفر والنقش سواء على السيراميك أو الجدران مثل “محاريب الصلاة أو القبلات” المتنوعة من كاشان وقونية وغيرها.

وتتضمن الفنون التطبيقية أعمالا في كافة المجالات الفنية الممكنة: الآنية الخزفية، والمعدنية، وأعمالا نحتية على الخشب والعظم والعاج، إلى جانب الزجاج والمنسوجات، والسجاد. وبين منطقة الكتب والمخطوطات القديمة، نجد أعمالا بديعة التنميق والزخرفة والتجليد وإبداع الخطوط لمجلدات بالغة الأهمية ترجع لفترة حكم الماغول وغيرها من الفترات التاريخية الهامة في تاريخ تطور فن صناعة الكتب بالعواصم الإسلامية المتعددة على مر العصور.

 

تاريخ المجموعة

عندما افتتح متحف البوده في عام 1904، أيضًا بجزيرة المتاحف ببرلين، جرى إنشاء قسم للفنون الإسلامية به وهذا القسم هو الذي يحتضنه الآن متحف البرجامون منذ عام 1932. وكان قوام تلك المجموعة عبارة عن واجهة قصر المشتى، وهي واجهة لقصر قديم من العصر الأموي لم يكتمل بناؤه، ويقع مكانه الآن على مسافة ثلاثين كيلو متر تقريبًا جنوب عمان بالأردن، وكانت هدية من السلطان العثماني عبد الحميد الثاني إلى قيصر ألمانيا فيلهالم الثاني الذي أهداها بدوره إلى المتحف. وأيضًا مجموعة من السجاد العثماني والفارسي النادر مهداة من “ويليام فون بوده”.

ومنذ بداية تكوين تلك المجموعة وهي تتزايد بصفة مستمرة سواء عن طريق الهبات، أو أعمال التنقيب والاكتشافات الأثرية التي يمولها المتحف أو عن طريق الشراء. وفي عام 1932 بعد اكتمال بناء متحف البرجامون، حصلت المجموعة على عدد من الصالات لتعرض بها على نحو دائم. لكن نظرًا للحجم الهائل الذي صارت عليه المجموعة آنذاك وكثرة عدد الزوار لجناح المعروضات، بات يعرض منها فقط كل ما هو ثمين ونادر وفريد. وقد تعرضت مجموعة متحف الفن الإسلامي بعد الحرب العالمية الثانية لفقدان الكثير من السجاد وتشتت الكثير من المقتنيات بين برلين الشرقية والغربية، إلى أن تمت إعادة لم شمل المجموعة مرة ثانية في قاعات جديدة بالمتحف، وكان ذلك في عام 2000.

 

قاعات المتحف بالتفصيل

يصعد زائر متحف البرجامون إلى الطابق العلوي حيث القاعات الدائمة بالجناح الجنوبي منه ليجدها مقسمة على النحو التالي: الأمويون 661 – 750، العباسيون وسامراء 750 – 1258، عالم البحر الأبيض المتوسط في زمن الفاطميين 909 – 1171، إيران ووسط آسيا في القرن التاسع وحتى القرن الثالث عشر، الروم السلاجقة 1071 – 1307 وعاصمتهم قونية، الأيوبيون والمماليك في سوريا ومصر 1171 – 1517، العرب والبربر في شبه الجزيرة الإيبيرية 711 – 1492، المغول والتيموريون 1258 – 1506، واجهة قصر المشتى والفن الساساني، روائع الفن الإسلامي من مجموعة “كيير” الخاصة، فنون زخرفة وتزيين الكتب، السجاد، الصفويون في إيران 1501 – 1737، الثمانيون 1300 – 1922، الحجرة الحلبية.

الأمويون: نجد القدور والأواني المصنوعة من الفخار والخشب والعاج، إضافة إلى نماذج نقشية لبعض جدران القصور والأبواب والحمامات وأنماط من الحلي وحتى الأقراط الذهبية وكلها في الغالب مستخرجة من سوريا ومصر. ويغلب على هذه المعروضات وتزيينها طابع غير إسلامي أو شبه إسلامي إن جاز التعبير، حيث كان الفن متأثرًا في تلك الفترة بالفن المسيحي السابق عليه ويبدو هذا جليًا في تزيين ونقش المعروضات التي نرى بها النحت الغائر والبارز والرسم الذي لأوراق الأشجار وعناقيد العنب وغيرها من التيمات أو الموتيفات الفنية التي دخلت إلى الفن الإسلامي تأثرًا بالفن المسيحي.

العباسيون وسامراء: وتلك الفترة من حكم العباسيين التي استمرت لما يزيد عن ثلاثة قرون تعتبر من العصر الذهبي للعالم الإسلامي وشجع فيها الخلفاء العباسيين الفنون والفنانين وكان لهم دورًا كبيرًا في إثراء وإنعاش الكثير الفنون وخاصة فنون النسيج التي كانت لها الأهمية الكبرى سواء كانت من الحرير أو الديباج (القطيفة). ونفس الشيء انطبق على فنون الخزف وابتكار تقنيات جديدة وفريدة في صقله وتلوينه والنقش عليه. وكان للاحتكاك بالثقافة الصينية دورًا بارزًا في ظهور قدر من التطور الملحوظ في الفنون الإسلامية في تلك الفترة. ويعرض في هذا القسم بعض نتاج الاستكشافات الحفرية التي أجريت بتمويل من متحف الفن الإسلامي في سامراء، وكانت في الفترة من عام 1911 وحتى 1913، وأسهمت في أضافة الكثير من القطع الفنية الفريدة لمجموعة المتحف، إلى جانب تلك التي يتوزع عرضها ليس في برلين فحسب، بل في متاحف بتركيا ولندن أيضًا. كما نجد أيضًا قطعًا من الزخارف البديعة للجدارن أو السواتر أو أبواب وجدران خشبية، ونحت زجاجي، وبالطبع عدد متنوع من القطع الخزفية، بما في ذلك أوعية جلبت من الصين، إلى جانب العديد من الجص المزخرف الذي كان مستخدمًا في تزيين أسطح المباني أو واجهات القصور أو البيوت من الداخل. وجدير بالذكر أن الفن الإسلامي خلال أواخر تلك الفترة كان قد بدأ في التخلص من تأثراته بالفنون والثقافات الأخرى وبدأ يتخذ سماته الخاصة المعروفة في فنون الزخرفة حيث الأنماط التجريدية المميزة له.

عالم البحر الأبيض المتوسط في زمن الفاطميين: ويقصد بعالم البحر الأبيض المتوسط منطقة صقلية على وجه التحديد وتلك الآثار الواضحة التي تركها العرب الفاطميين فيها، هذا بخلاف أساليب الإبداع الفني الفريدة التي هي محصلة لعناصر الفن البيزنطي والإسلامي والروماني. هذا إلى جانب تلك الآثار الموجودة في القاهرة وسوريا وشمال أفريقيا بصفة عامة، ونلاحظ في تلك المعروضات دخول النقوش الخطية الإسلامية وتوظيفها في التزيين والزخرفة على نحو واضح إلى جانب الزخارف النباتية والحيوانية وغيرها.

 

إيران ووسط آسيا

نرى في القطع المعروضة تأثير الفن الإيراني ووسط آسيا والتوسع في استخدام النقوش الخطية العربية والحكم والأمثال والشعر على الأطباق والآنية والقيشاني والسيراميك والمعادن وفنون التصوير وبالطبع زخرفة الكتب وانتشار تزيين وزخرفة المحاريب بالخطوط الكوفية والنسخ والآيات القرآنية ووضع الفنانين المبدعين لتوقيعاتهم وكذلك التواريخ على إبداعاتهم.

الروم السلاجقة وعاصمتهم قونية: ويعبر هذا القسم خير تعبير عما اشتهر به فن الروم السلاجقة بصفة خاصة حيث توظيف الزخرفة والنقوش الزينية المثقبة أو المفرغة واستخدام الأبعاد الثلاثية خصوصًا في العمارة، والتوسع في استخدام الفسيفساء بأورع وأبهى الأشكال. وكذلك الإبداع في النحت والنقش الخشبي بكافة أنواعه وأشكاله سواء للمباني أو غيرها، وثمة أمثلة بديعة من المنحوتات الخشبية المعروضة لحوامل المصاحف.

الأيوبيون والمماليك في سوريا ومصر: انتعشت الفنون والثقافة في الفترة الأيوبية، وذاع صيت مدن عدة مثل حلب ودمشق والرقة والموصل، وفيها تطور فن الزخرفة وطلاء الأواني خاصة الزجاجية منها بالذهب والمينا وتطورت صناعات المنسوجات الفخمة والأعمال النحاسية المطعمة بالفضة. ثم انتقل مراكز هذه الصناعة وفنانينها بعد غزو المغول إلى بعض المدن السورية الأخرى وإلى مصر وشبه الجزيرة العربية. وفي تلك المناطق واصلت تلك الفنون تطورها وبرزت فنون صناعة وتزيين المشكاوات والآنية والمزهريات الزجاجية والسجاد المصنوع من الحرير والصوف، واختفت على سبيل المثال الزخارف الفسيفسائية والقرآنية المتميزة التي ظهرت في تزيين المحاريب في إيران وهناك العديد من المعروضات بالمتحف تغطي تلك الفترة الثرية إلى جانب أحد المحاريب.

العرب والبربر في شبه الجزيرة الأيبيرية: والمقصود بها فترة دولة المرابطين والموحدين في الأندلس وشمال أفريقيا بالقيروان وتونس وفاس خلال الفترة من القرن الحادي عشر وحتى الثالث عشر الميلادي، ويعرض هذا الجزء الأعمال الفنية الخاصة بتلك على اتساعها وثراءها وتنوعها الثقافي. ومن أبرز القطع المعروضة بهذا القسم قبة خشبية مزخرفة كانت موجودة بقصر الحمراء، وقد أهديت إلى البنكي الألماني “آرثر جيفنر” من جانب مدينة غرناطة في أواخر القرن التاسع عشر، وحصل عليها المتحف في عام 1978 من بين المجموعة الفنية التي ورثتها عائلة آثر.

المغول والتموريون في إيران: من أهم معروضات تلك الفترة السجاد والنسيج والخشب والخزف والمشغولات المعدنية. ونلاحظ من خلال المعروضات استخدام مواد لم تكن مستخدمة من قبل على نطاق واسع مثل البورسلين الأزرق والأبيض الذي كان يتم استيراده من الصين وقتذاك. ونشاهد في القطع المعروضة الاستعانة بالقصص الأسطورية والحربية البديعة التلوين ووجود بعض الموتيفات الصينية إلى جانب الآيات القرآنية المنقوشة والمحفورة بخطوط عربية متباينة الأنواع، إلى جانب الإتقان الشديد الروعة والاعتناء في تصميم وزخرفة الكتب.

واجهة قصر المشتى والفن الساساني: من المرجح أن القصر كان قد بدأ تشييده في عصر الخليفة الوليد الثاني. ويعتقد أن الاضطرابات التي تسببت بها الثورة العباسية، التي أسقطت الدولة الأموية بعد ذلك بسنوات قليلة، هي التي حالت دون استكمال المبنى. وكان القصر غير المكتمل مربع الشكل ويحتل مساحة كبيرة إذ يبلغ طول أحد أضلاعه 144م. والجزء المحوري المعروض عبارة عن الجزء السفلي من الجدار الخارجي الجنوبي لواجهة القصر. ثمة إفريز منمق منحوت بشكل متقن على طول الجدار، يبرزه زجزاج يقسم الواجهة إلى مثلثات متشابكة. والسطح المنحوت محاط بإطار والخلفية مكسوة بصور منقوشة لنباتات وطيور وأسود وغيرها من الحيوانات الحقيقية والأسطورية. والموتيفات أو العناصر الموجودة بالنحت ربما يمكن تقفي آثارها في مصادر أخرى تأثر الفن الإسلامي بها في تلك الفترة مثل الفن البيزنطي. لأنه من غير المألوف أن يجسد الفن الإسلامي النساء وعلى نحو تفصيلي، لأننا عندما نقترب من الرسومات لنتفحصها عن كثب نجد أن الفنان قد صوّر منطقة الحوض والأرداف لامرأة عارية من النصف العلوي ويحرسها أسد بجوارها، وتلك على سبيل المثال غريبة على فن التصوير أو النحت الإسلامي، وعلى قصر كان من المفترض أن يكون مقرًا لحاكم إسلامي في النصف الأول من القرن الثامن. وعلى أية حال فإن هذا الأثر يعتبر فريدًا من نوعه فعلا سواء بين الآثار الإسلامية أو الأموية، ويمثل خير تمثيل المعتقدات والآثار الفنية الأصيلة والمكتسبة أيضًا للفن الإسلامي التي تأثر بها في تلك الفترة التاريخية.

روائع الفن الإسلامي من مجموعة “كيير” الخاصة: تعتبر مجموعة “إدمون دي يونجر” (1918 – 2011) من أهم المجموعات الفنية الإسلامية الخاصة الشديدة التنوع. وتعرف تلك المجموعة دوليًا باسم مجموعة كيير، وتعتبر تلك مجموعة متحفًا في حد ذاتها، وكان يونجر يحتفظ بها في حجرات منزله الإنجليزي حتى قبل وفاته بفترة وجيزة. وكان يونجر قد بدأ بجمع مجموعته منذ الخمسينيات بمجموعة من السجاد النادر، ثم توسع على مدى نصف قرن تقريبًا في زيادة حجم المجموعة وتنوعها. وثمة حجرة الكامل من حجرات منزل يونجر بكل مقتنياتها معروضة في تلك القاعة بالمتحف. وثمة مجموعة من المقتنيات المتنوعة ترجع إلى مصر أيام الفترة الفاطمية، والكثير من قطع السجاد الفارسي والهندي ترجع للقرن السادس عشر فصاعدًا، وغيرها من المنسوجات الأخرى من الفترة العثمانية والصفدية في القرنين السادس عشر والسابع عشر. إلى جانب العديد من الأعمال النحتية على الخشب والحجارة وعدد غير قليل من قطع السيراميك المنقوشة، والآنية الخزفية والزجاجية المشغولة. بالإضافة إلى مجموعة من الكتب الثمينة والرائعة التزيين من إيران ووسط آسيا والهند ترجع للقرنين السادس عشر والسابع عشر.

فنون زخرفة وتزيين الكتب: تعتبر مجموعة الكتب المعروضة هي نواة معروضات متحف الفن الإسلامي. وتبين هذه المجموعة على نحو غاية في الوضوح المدى الذي وصلت إليه تقنية إنتاج وصناعة الكتب وتزيينها وزخرفتها وإتقان الخطوط المتنوعة وطلاء الكتب وتغليفها، ناهيك عن صناعة الورق والجلد المكتوبة عليه وتأثرها بالكثير من الحضارات المتنوعة التي أسهمت في فنون العالم الإسلامي. وتتراوح هذه الكتب بين الدينية والأدبية والعلمية، وأيضًا نسخ قيمة ونادرة من القرآن الكريم. إلى جانب العديد من كتب الرسوم وتلك يغلب عليها الطابع الفارسي والتركي والهندي. وترجع الغالبية العظمى من هذه الكتب إلى العراق وسوريا، وأقدمها يرجع للقرن الثاني عشر وأحدثها يعود إلى أواخر القرن الثامن عشر.

السجاد: يذكر الكتالوج الخاص بالمتحف أن المتحف يمتلك واحدة من أهم مجموعات السجاد في العالم كله. ويرجع تاريخ أقدم مجموعة امتلكها المتحف، قوامها إحدى وعشرون سجادة، لعام 1904. وأما عن تاريخ أقدمها فيرجع إلى القرن الخامس عشر والسادس عشر أي الفترة العثمانية، وبعضها صنع في منطقة بورصا بتركيا والآخر بالقاهرة في مصر. وبعض هذا السجاد يتميز بالنقش التجريدي والبعض الآخر بالتصوير الزخرفي للنباتات والأشجار وغيرها، والبعض الآخر الحيوانات والطيور، وبعضها خرافي كالعنقاء على سبيل المثال، والبعض الآخر يتميز بسرد القصص، وثمة آخر يقتصر على النقوش الخطية. وثمة مجموعة قيمة من السجاد الفارسي ترجع للقرنين السادس والسابع عشر، تصوّر مناظر صيد وحيوانات ومناظر طبيعية خلابة تحاكي الطبيعة في صورها وهيآتها وألوانها على نحو يكاد يكون متطابقًا معها. ويغلب على مادتها الصوف والحرير.

الصفديون في إيران: يغلب على معروضات تلك الفترة استخدام البورسلين والخزف والتأثر بالفن الصيني في زخرفة وتزيين الأواني والمزهريات وكل أنواع الخزف وأعمال الخشب، إضافة إلى القطع المصنوعة أو المطعمة بالمعادن مثل النحاس، وكذلك استخدام النقوش النباتية أو الأبيات الشعرية في تزيينها، وكلها كانت تصنع في تبريز وكاشان وأصفهان وغيرها. ومن أهم القطع الخزفية في تلك المجموعة طبق الأبراج، المنقوشة على أطرافه الأبراج الفلكية المعروفة، ويغلب على تصميمه الفني وزخرفته الطابع الفارسي والإسلامي، ويرجع تاريخه إلى عام 1564 تقريبًا.

العثمانيون: ازدهرت في تلك الفترة الكثير من الفنون وتطورت فيها على وجه الخصوص الآنية الخزفية والأدوات المصنوعة من الفضة وكذلك صناعة النسيج الحريري، وتميزت زخارف فناني تلك بكثرة استخدام الزخارف النباتية في التزيين بألوان زرقاء وخضراء وأيضًا اللون الأحمر الزاهي وأغلبها على أرضيات بيضاء وكذلك توظيف الخطوط العربية المتعددة في الزخارف والتزيين.

الحجرة الحلبية: تعتبر هذه الحجرة بتصميمها وطرازها وطلائها من أندر الحجرات من الفترة العثمانية. يرجع تاريخ تنفيذ حجرة الاستقبال المنزلية الفريدة هذه لعام 1600، وكانت لصالح منزل أحد التجار الحلبيين المسيحيين ويدعى عيسى بن بطرس، وقد بيعت هذه الحجرة من جانب عائلة الوكيل، التي امتلكت هذا البيت لاحقًا، إلى المتحف في عام 1912. والحجرة تعبر خير تعبير عن الثقافة الحلبية المسيحية والإسلامية وكذلك الفنون السائدة في فترة القرنين السادس والسابع عشر. فنجد على جدران الحجرة موتيفات دينية مثل مولد المسيح والعشاء الأخير وتضحية النبي إبراهيم بابنه إسحاق وقتل القديس جورج للتنين وغيرها، إضافة إلى الكثير من النصوص والحكم والأمثال والآيات الدينية المسيحية والإسلامية إلى جانب بعض الأشعار، مما يدل على التنوع والثراء الثقافي آنذاك وكذلك حرص التاجر على إرضاء رغبات وديانات جميع زائريه.

أما عن التزيين الفني الساحر والبديع والشديد التنميق لهذه الحجرة فقد تأثر بالموتيفات الفارسية والصينية والهندية سواء كانت نباتية أو حيوانية حقيقية كانت أو اسطورية، فنرى الطيور والأرانب والبط وغيرها من الحيوانات، ونجد التنين والعنقاء إلخ ونشاهد أزهار مثل التيوليب والقرنفل والزنبق. أما الخلفية أو الأرضية المنقوش عليها كل هذا فهي تشبه إلى حد كبير النقوش والتصميمات الخاصة بالسجاد الذي كان يصنع في تلك الفترة، ويغلب عليها اللون الأحمر والبرتقالي المائل للحمرة. وجدير بالذكر أن تلك الحجرة تحظى بمساحة وغرفة خاصة، هي في الحقيقة عبارة عن خزانة زجاجية ضخمة تكاد تكون معقمة، ولا تُشاهد الحجرة الحلبية إلا من وراء هذا الزجاج، وثمة أجهزة داخل المقصورة الزجاجية الضخمة الموضوعة فيها تحافظ على درجة الحرارة والرطوبة حتى لا يتلف الخشب ويتساقط الطلاء المزينة به.

 

جناح المعارض المتغيرة

يقام بجناح المعارض المتغيرة العديد من المعارض على مدى العام تسهم إلى حد بعيد في إلقاء نظرة فنية معاصرة على العالم الإسلامي والمسلمين في شتى بقاع الأرض بصفة عامة وكذلك المغتربين أو من أبناء الجاليات الأوروبية. ومن أبرز ما أقيم بجناح المعارض المتغيرة خلال العام الماضي، مهرجان ثقافي فني بعنوان “ليالي رمضان”، والذي عرض على امتداد أيامه مجموعة من الصور الفوتوغرافية والأعمال الفنية المختارة لفني “الجرافيتي والخط العربي”، لفناني جرافيتي وخطاطين ومصورين من منطقة الشرق الأوسط تحديدًا والعالم، وعرضت على هامشه العديد من اللقاءات والندوات بين الفنانين وغيرهم من الأكاديميين، وقد تخلل هذه اللقاءات الفنية استراحة، عندما يحين وقت الإفطار، كان يقدم فيها الماء والتمر وبعض المعجنات والحلويات من جانب إدارة المتحف.