09 اغسطس 2019
في 28 أغسطس/ آب 2019، تبدأ الدورة الـ76 لـ”مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي (لا موسترا)”، التي تنتهي مساء 7 سبتمبر/ أيلول المقبل. مسابقتها الرسمية تضمّ 20 فيلمًا، فالعادة تقضي باختيار عدد يتراوح بين 18 و21. لكن قوّة المسابقة ازدادت على نحو ملحوظ، في الأعوام الأخيرة، بفضل جهود المدير الفني ألبيرتو باربيرا، الحريص على وجود أسماء لامعة في التمثيل والإخراج، إلى جانب الشباب. الرجل لا يُقيم توازنات، ولا يخضع لضغوط، إلّا نادرًا. حتى مسألة أنْ يكون فيلم الافتتاح أميركيًا، التي اعتمدها المهرجان أعوامًا عديدة سابقة، كُسِرت هذه الدورة، التي ستُفتتح بـ”الحقيقة” للياباني هيروكازو كوري ـ إيدا، المشارك في المسابقة الرسمية أيضًا: دراما اجتماعية ناطقة بالإنكليزية والفرنسية. كوري ـ إيدا مُتوّج بجوائز عالمية عديدة، ومُشارك مرتين اثنتين في المسابقة الرسمية لـ”لا موسترا”، من دون الفوز أبدًا بـ”الأسد الذهبي”. فهل ينجح في ترويضه هذا العام؟
بعرض الأسماء المُشاركة في مسابقة الدورة الـ76، يتضح نجاح ألبيرتو باربيرا في الحصول على أفلام “مهمّة للغاية”، لمخرجين لا خلاف عليهم. لعلّه لم يُوفّق بالحصول على فيلمين أو ثلاثة لمخرجين كبار، فضّلوا الذهاب إلى مهرجانات أخرى، كتورونتو ونيويورك. المُلاحظ أيضًا أنّ المسابقة تجمع بين 3 أجناس سينمائية: الروائي الطويل والوثائقيّ والتحريك، وأنّ أفلام “نتفليكس” لم تُستَبْعد عنها، فاستمرّ حضورها للعام الثاني على التوالي؛ وأنّ الدورة الجديدة دورة مخضرمين وشباب، أو دورة أصحاب الأسماء الثقيلة والتاريخ السينمائي الثريّ والجوائز العديدة، وأصحاب التجارب الأولى، أو المشاركين في المهرجان للمرة الأولى، ولم يفز أحدٌ منهم بجائزة قبلًا.
إذًا لمن سيكون التميّز؟ بعد انتهاء العروض، تُعرف الإجابة.
السويدي روي أندرسون، الحاصل على “الأسد الذهبي” عن تحفته “حمامة جلست على غصن تتأمّل الوجود” (2014)، يعود إلى فينيسيا بعد 5 أعوام لتقديم جديده “عن الأبدية”. كعادته، يتأمّل أندرسون في الوجود البشري، بكل ما له وعليه، بأسلوبه المُميّز، الذي لم يحد عنه في أفلامه كلّها. وفقًا للمتداول، الفيلم مَشَاهد تجمع السخرية بالمرارة، في فقرات عبثية “مُتّصلة ـ منفصلة”، تناقش كلّ شيء، وتسخر منه.
أفلام عربية في مهرجان فينيسيا: تحدّيات ورغبات
“شبكة الدبور” للفرنسي أوليفيه أساياس. فيلمه السابق، “حياة مزدوجة” (2018)، شارك في المسابقة الرسمية، من دون أن يحظى باستحسان كبير. أما جديده، فيروي قصص 5 سجناء سياسيين كوبيين لدى الولايات المتحدة الأميركية، سُجنوا أواخر تسعينيات القرن الـ20 بتهمة التجسّس وارتكاب جرائم قتل. أما الأميركي نواه بومباخ، فيُشارك للمرة الأولى في “لا موسترا”، بـ”قصّة زواج”. وعلى غرار فيلمه السابق “قصص ميروفيتز” (2017)، تدور الأحداث في إطار دراما أسرية: مخرج مسرحي وزوجته الممثلة أصبحا في المرحلة النهائية من طلاقهما. بخلاف المتوقّع، يُحفّزهما هذا الأمر إيجابيًا، على مستويات مُختلفة، وخاصة النفسية والإبداعية.
مع “ضيف الشرف”، يعود الكندي أتوم إيغويان إلى المسابقة بعد “تذكّر” (2015): مُعلمة شابّة، مُتهمة من دون إدانة بسوء استغلال منصبها جنسيًا. أثناء سجنها، يزورها والدها رغم علاقتهما غير الودّية، التي تتطوّر على نحو غريب في بناء سلوكهما الشخصي، وتأثيرات الماضي عليهما.
الأميركي جيمس غراي يعود إلى فينيسيا مع “أد أسترا” بعد ربع قرن تقريبًا، طامحًا إلى الفوز بـ”الأسد الذهبيّ” هذه المرة، بعد نيله “الأسد الفضّي” عن “أوديسا الصغيرة” (1994). جديده خيال علمي، عن رحلة رائد فضاء إلى الفضاء الخارجي، لكشف لغزٍ يهدّد وجود البشر وكوكبهم، فيكتشف أيضًا أسرارًا مُتعلّقة بشخصيته وبوالده.
أما “الضيعة” للبرتغالي تياغو غيديس، المُشارك للمرة الأولى في المهرجان، فيدور حول تاريخ عائلة بورجوازية، منذ أربعينيات القرن الماضي لغاية الآن، على خلفية تاريخية واجتماعية واقتصادية وسياسية. من الصين، هناك “قصّة يوم السبت”، الذي يجمع الدراما بالتاريخ، وهو المشاركة الأولى في المهرجان لمخرجه لو يي. من ناحية أخرى، ورغم إنجازه 3 أفلام روائية فقط، إلا أنّ التشيكي فاكلاف مارهول لم يُشارك في أي مهرجان سينمائي معروف، بينما “العصفور المرسوم”، فيلمه الأخير بالأسود والأبيض، يجد مكانًا له في مسابقة الدورة الـ76: صبيّ يهودي يحاول النجاة بنفسه، في الحرب العالمية الثانية. الفيلم مقتبس عن روايةِ سيرةٍ (1965) للبولندي الأميركي جيرزي كوزينسكي.
في أول عمل روائي لها، بعد أفلام وثائقية ومسلسلات تلفزيونية، تقدّم الأسترالية شانون مرفي “أسنان الطفل”: شابة مريضة في حالة الخطر تُغرم بتاجر مخدرات. هذا حبّ كارثي بالنسبة إلى عائلتها، لكنه يُعيد إليها تماسكها وحبها للحياة. الأميركي تود فيليبس، الذي يأتي إلى فينيسيا للمرة الأولى، يُشارك بـ”جوكر”: آرثر فْليك أو “الجوكر”، شخص شرير ومنبوذ، تنكشف ملابسات عديدة تحيط بحياته، والخلفية التي شكّلتها.
“7، حارة الكرز” للمخرج يونفان (هونغ كونغ)، المُشارك في مسابقة المهرجان بـ”أمير الدموع” (2009). جديده رسوم مُتحرك، هو الوحيد في نوعه المُشارك في المسابقة: طالب في هونغ كونغ في ستينيات القرن الـ20، يدرس الأدب الإنكليزي، يُغرم بفتاة صغيرة، وبوالدتها في الوقت نفسه.
“المرشَّحة المثالية” يُعيد مخرجته السعودية هيفاء المنصور إلى “لا موسترا”، عبر المسابقة الرسمية هذه المرّة، بعد مشاركة سابقة لها في “آفاق” مع “وجدة” (2012). جديدها دراما سياسية اجتماعية، تروي حكاية طبيبة شابّة تُرشّح نفسها للانتخابات في مدينتها، لأسباب ودوافع وتطوّرات تكشفها الأحداث تدريجيًا. من جهته، يعود الفرنسي روبير غيديغيان بـ”غلوريا موندي”، بعد عامين على مشاركته بـ”الفيلا” (2017). كفيلمه السابق، يقدّم غيديغيان دراما اجتماعية فرنسية خالصة، عن أفراد ينتمون إلى العائلة نفسها، تربطهم علاقات شائكة ومشاكل عديدة. هذا كلّه على خلفية اقتصادية واجتماعية.
إلى ذلك، يُقدِّم الكولومبي تشيرو غيرّا “في انتظار البرابرة”، المأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه (1980) للروائي الجنوب أفريقي جي. إم. كويتزي. التحدّي كبير من دون شك، فالرواية صعبة وثقيلة أدبيًا وفنيًا، علمًا أنها ليست أقوى كاتبها. تجري الأحداث في مدينة صغيرة لا اسم لها، على حدود إمبراطورية عظمى مجهولة، يدير شؤونها قاض يجمع الضرائب، ويحلّ الخلافات الصغيرة. فجأة، يصل مسؤول من العاصمة لإخباره بإعلان الطورائ على الحدود، بسبب تهديد “البرابرة”.
أما التشيلي بابلو لارين، فيُشارك للمرة الثالثة في المسابقة، مع “إيما”: قصّة واقعية اجتماعية معاصرة، عن زوجين شابين يقرّران تبنّي طفل، فتظهر تبعات ذلك لاحقًا. “المغسلة” للأميركي ستيفن سودربيرغ ذو طابع استقصائي، إذْ يبحث في الأساليب الخفية للتمويل وغسل الأموال والتهرّب الضريبي والرشى وتهريب المخدرات، وهذا كلّه معروفٌ بـ”أوراق بنما”، وعلاقة ذلك بشبكة محامين ومحاسبين ورجال مصارف متورّطين في تسهيل المسائل.
هذا العام، تحضر السينما الإيطالية بـ3 أفلام، مع أنّها اعتادت المشاركة باثنين فقط، أما الأفلام الأخرى فتُعرض خارج المسابقة، أو في أقسام متنوّعة. أول تلك الأفلام الجديدة “مارتن إيدن” لبياترو مارتشيلو، عن رواية (1909) للأميركي جاك لندن: كاتب يحاول شقّ طريقه وصنع اسمه بطريقة عصامية. قبل 4 أعوام، فاز فرانكو ماريسكو بجائزتي أفضل فيلم ولجنة التحكيم الخاصة في “آفاق”، عن الوثائقي “بيلّوسكوني، قصة من صقلية” (2015). اليوم أيضًا لديه فيلم وثائقي جديد بعنوان “المافيا لم تعد كما كانت سابقًا”، يتناول فيه حادثة وقعت قبل ربع قرن، في المناطق الخاضعة لسيطرة المافيا، متعاونًا مع مُصوّرة فوتوغرافية صوَّرت المذبحة، وجرائم أخرى.
أما الإيطالي ماريو مارتوني، فهو ضيف فينيسيا في دورات عديدة، آخرها العام الماضي مع “ثورة كابري” (2018). جديده بعنوان “عمدة ريوني سانيتا”، مأخوذ عن مسرحية لإدواردو دي فيليبو بالعنوان نفسه (1960)، تدور أحداثه في حي ريوني سانيتا في نابولي، حول شخصية إدواردو صانع الأثاث، الذي نصَّبه سكان الحي عمدة لهم.
البولندي رومان بولانسكي، الحاصل عام 1993 على “الأسد الذهبي التكريمي” في فينيسيا، عن مسيرته المهنية، يأتي هذا العام مع “إنّي أتهم”: القصّة المعروفة عن الضابط الفرنسي اليهودي ألفريد دريفوس، الذي أدين خطأً بالتجسّس للألمان واتهم بالخيانة العظمى، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة في جزيرة “الشيطان”. الفيلم مأخوذ عن رواية الكاتب والصحافي البريطاني روبرت هاريس، “ضابط وجاسوس” (2013). أما العنوان الفرنسي “إنّي أتهم”، فهو عنوان مقال الأديب الفرنسي إميل زولا، الذي دافع فيه عن دريفوس.