محمد هاشم عبد السلام
حوار: ألكسندرا زيلكافسكا بوم
ألكسندرا: ما هو رأيك في الولايات المتحدة الأمريكية؟
أندجيه فايدا: مثل معظم “البولنديين“، استمعت بعناية طوال حياتي لأصوات تجيء من أمريكا. قبل الحرب العالمية الثانية، عزا البولنديون حريتهم التي فازوا بها حديثًا بشكل واسع إلى مساعدة أمريكا. عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية، وقفنا نشاهد ما ستفعله أمريكا وانتظرناها تعلن الحرب على ألمانيا. ثم، على مدى خمسين سنة كانت الولايات المتحدة بالنسبة لـ “الشعب البولندي”، العدو الأول للاتحاد السوفيتي وبالتالي، كل “البولنديين” كانوا أصدقاء للأمريكان. اليوم، شعوري هو أن البولنديين، من بين جميع الشعوب، وثقوا بالأمريكيين قبل الآخرين جميعًا.
ألكسندرا: هل تم تقديم أمريكا في أعمالك؟
أندجيه فايدا: بدأت مهنتي المسرحية بإخراجي لمسرحيتين أمريكيتين “وابل من المطر”[1] للمؤلف “إم. في. جازو” و”اثنان لأرجوحة” للمؤلف “ويليام جبسون”. أثار فيلم “المواطن كين” اهتمامي بصناعة السينما. عندما كنت أقوم بإخراج “رماد وماس”، كنت أفكر كثيرًا في أفلام “المدن الكبرى والضواحي الفوضوية” وأفلام “العصابات” في سنوات الخمسينيات. لو كان “رماد وماس” قد رشح لجائزة “الأوسكار”، لكان من المحتمل أن أنتقل إلى أمريكا. على أية حال، كان هذا الترشيح مستحيلا لأسباب سياسية، بالطبع، لم يقدم هذا الفيلم أبدًا في أي مهرجان سينمائي هناك.
ألكسندرا: لذا بقيت في بولندا وأصبحت المخرج البولندي الشهير، وفي عام 2000 منحك الأمريكان جائزة الأوسكار، أكثر جائزة مرغوب فيها في السينما.
أندجيه فايدا: بوسعي أن أقول من دون أي تردد أنني كنت محظوظًا لبقائي في بولندا. إنني أنتمي إلى هنا، ووصلت إلى مكانتي الدولية أثناء العمل هنا. إنني أؤمن بمهمتي في خلق “المدرسة البولندية” في السينما.
ألكسندرا: وما الذي كانت عليه انطباعاتك عن أمريكا عندما زرتها في الماضي؟
أندجية فايدا: كبلد، الولايات المتحدة رائعة. ليس هناك مكان آخر على وجه الأرض حيث تخلق وفرة أو غزارة المكان بشكل جيد جدًا الوهم بالحرية. عبرت ولاية تكساس بالسيارة وذهبت على طول الطريق المفضي إلى “الوادي الكبير” ثم إلى لاس فيجاس. أنا متأكد أن “الوادي الكبير” أكثر قربًا إلى الله من أي مكان آخر على وجه الأرض. نيويورك مكان رائع به الكثير مما يستوجب المشاهدة. في الستينيات والسبعينيات كانت نيويورك مخترقة للروح العصرية التي انتقلت في النهاية خارج باريس إلى الأبد. روح الفن الحديث هجرت باريس إلى نيويورك ولهذا السبب كان من الصعب جدًا بالنسبة لأوروبا أن تعيد بناء هيبتها أو اعتبارها الفني.
ألكسندرا: هل تعتقد أنه عندما يدخل البولنديون الاتحاد الأوربي، سيظلون ينظرون إلى نيويورك كمركز للفن في العالم؟
أندجيه فايدا: شخصيًا، أنا متفائل بخصوص برلين الجديدة. قد تصبح برلين عاصمة أوروبا الموحدة لسببين: يجب أن تبقى أوروبا نامية ومتطورة شرقًا، والألمان يحاولون إعادة تعريف أنفسهم في العالم. ومن ثم قد تصبح برلين نقطة أو مركزًا حيث تتحد أوروبا الشرقية والغربية، بشرقي أوروبا من خلال، لدي في ذهني بلدنا، بولندا. هناك أماكن قليلة في بولندا تقع على مسافة لا تزيد عن 130 ميلا من برلين، بينما باريس أبعد جغرافيًا عشر مرات. سيصبح هذا ذا مغزى كبير عندما نبدأ في لعب دور الوسطاء بالنسبة للبلاد الواقعة في الشرق منا في مجهوداتها من أجل الانضمام إلى أوروبا.
ألكسندرا: هل تعتقد أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر المأساوية سوف تغير صورة أمريكا؟
أندجيه فايدا: نعم، لكن الأمريكان عمليون ومنطقيون، وسيبحثون عن طرق وحلول جديدة للوضع الصعب الذي حدث. لن يكون هذا سهلا لأن الولايات المتحدة ستضطر إلى أن تصبح دولة بوليسية أو غير ديمقراطية وسيجب عليها أن “تراقب أو تشرف” أكثر على مجتمعها.
ألكسندرا: منذ سنوات كثيرة، أعطيت للممثل المبتدئ “رومان بولانسكي” دورًا في فيلم “الجيل”، حديثًا، لعب “بولانسكي” الذي أصبح مشهورًا الآن دور “بابكين” في أحدث فيلم لك، بعنوان “الثأر”. كمخرج، “بولانسكي” محاط بالأساطير والفضائح هنا في أمريكا، وأعتقد أن المشاهدين الأمريكيين سيحبون رؤيته وهو يمثل في فيلمك الحديث. لقد حقق شهرته بكل تأكيد.
أندجيه فايدا: عندما لاحظت موهبته وطاقته كممثل مبتدئ وفيما بعد، كطالب في مدرسة السينما عندنا ومخرج لأول أفلامه، رأيت فيه مخرجًا أمريكيًا: أعتقد أن “بولانسكي” ولد ليعيش ويمارس الإخراج في الولايات المتحدة. كنت متأثرًا حقًا لأنه بعد العديد من السنوات وافق على القيام بدور “بابكين” في “الثأر” للكاتب “ألكسندر فريدرو”[2]، وهو دور له تقليده الشهير والعريق في المسرح البولندي، وهو الدور الذي لعبه ممثلون عظماء في الماضي. الأكثر تأثيرًا في كل هذا كان قراره العودة إلى لغته الأصلية ومدرسة السينما التي منحته البداية. كان هذا رائعًا وجميلا من جانبه. في دور “بابكين”، عاد “بولانسكي” من جديد إلى شاشتنا السينمائية الحديثة وإلى صناعة السينما الخاصة بنا التي تحت التوتر الكبير – المالي في الأغلب – لا تختلف عن السينما الأوروبية بالكامل.
ألكسندرا: تجئ الجماهير البولندية، وهذا بشكل كبير بفضل موهبتك وسحرك، وعلى الرغم من منافسة الأفلام الأمريكية، تجيء بأعداد كبيرة لمشاهدة الأفلام البولندية الصنع. ربما هذه مفاجأة سارة لكل الساخطين على هذه الصناعة. في رأيك ما هي عيوب السينما البولندية في الوقت الراهن؟
أندجيه فايدا: صمدت السينما البولندية ضد المنافسات مع ما يطلق عليه الدور المتعددة، أعني دور العرض ذات صالات المشاهدة المتعددة. في عام 1975 كانت هناك 3500 شاشة عرض سينمائية (قاعات سينما)، في عام 1989، 700 فقط، في الوقت الراهن، لدينا حوالي 1300 شاشة. في السنوات القليلة الماضية، عادت الأفلام البولندية إلى دور العرض: فقد شاهد فيلم “بالنار والسيف” سبعة ملايين شخص، وفيلم “بان تاديوز”، ستة ملايين، و”الثأر” شاهده حتى الآن مليونا شخص. هذا يفوق بكثير ما حققته أي من الأفلام الأمريكية، الأمر الذي يشير إلى أن البولنديين بحاجة إلى ويقدرون صناعة السينما القومية لديهم. الضعف الكبير الذي تعاني منه هذه الصناعة يكمن في نقص كتاب السيناريو. لم تنتج سوى أفلام قليلة، ولذلك يختار القليل من الناس العمل في كتابة السيناريو. في الماضي كنا نعوّل على الأدب البولندي. الذي قدّم روايات وقصصًا بها شخصيات مرسومة جيدًا، وحبكات رشيقة، وحوارات تلامس المسائل الاجتماعية والسياسية. يفضل الكتاب البولنديون المعاصرون الاستبطان والتأمل الذاتي، ومن ثم فقد تركوا العمل في كتابة السيناريوهات لمنتجين غير قادرين دائمًا على تقديم منتج جيد.
ألكسندرا: هل أنت من بين أعضاء الكورس الأوروبي الذي يتفجع على المستوى الفني المنخفض للأفلام الأمريكية؟
أندجيه فايدا: السينما الأمريكية تعتبر صناعة مجردة، لكن داخل هذه الصناعة يتم إبداع تحف فنية. تنتج هذه الصناعة أحيانًا أفلامًا تنعكس بشدة على الواقع ليس فقط على مستوى السياق الأمريكي ولكن على مستوى السياق العالمي أيضًا. البقية تنتمي إلى صناعة الترفيه ولها جمهور عريض، ومن ثم تنتج اتجاهات في الموضة، وموسيقا الترفيه وأسلوب الحياة. لكن تحف السينما الأمريكية تزن أكثر من الأفلام المشابهة لها المصنوعة في أوروبا لأنها، بالإضافة إلى مخاطبتها لأكثر المشاكل صعوبة وتعقيدًا، تكتشف أشكالا من التعبير ذات ميل عام. هذه الأفلام الطموحة والجميلة بسيطة بشكل مدهش عندما يتعلق الأمر بوسائل وأشكال التعبير. يبدو أن المنتجين الأمريكيين يمتلكون هذه القناعة الثمينة أنه من الممكن إيجاد طرق أو وسائل للتطرق إلى أو مناقشة أي موضوع من أي نوع، وأن الجماهير سوف تستجيب بكرم إذا وجدت مثل هذه الطرق. على العكس، تبدع السينما الأوروبية أعمالا لدائرة ضيقة من المشاهدين. كانت هذه هي الحالة مع أفلام “الموجة الجديدة” الفرنسية: كانت تنتج لجماهير “الحي اللاتيني” (الحي اللاتيني، منطقة في باريس). يمكن للمرء بالتأكيد أن ينتج فيلمًا واحدًا بتكلفة رخيصة وفي ذهنه جمهور صغير: مثل هذا الوضع يسمح بحرية فنية كبيرة للعمل المنتج. تبدأ المشكلة عندما يبدأ المرء في الاعتقاد بأن الجمهور الصغير هو الأفضل للسينما، وأن الأفلام المصنوعة للمشاهدين من الصفوة أفضل من تلك المصنوعة للجماهير العريضة. لكن هذه الصفوة في كثير من الأحيان مكونة بشكل رئيسي من أقارب المرء وأصدقائه. وقد اتضح أن التفكير في الصفوة أو طبقة النخبة مدمر للسينما الأوروبية. يبدو لي في هذه اللحظة أن المخرجين الأوروبيين يعكسون هذا الاتجاه بشكل رئيسي بسبب المخرجين الأوروبيين المولد الذين يعودون الآن إلى أوروبا، على سبيل المثال، جان – بيير جينيه، مخرج فيلم “أميليا”.
ألكسندرا: أي صعوبات تنتظر السينما عندما تتحد أوروبا في النهاية؟
أندجيه فايدا: صعوبات اللغة في المقام الأول. النطق اللغوي، أوروبا هي ضجيج حقيقي من اللغات. منذ سنوات، هؤلاء الذين كنا ننظر إليهم كآباء للوحدة الأوروبية كانت لديهم فكرة أن اللغة اللاتينية ستكون هي اللغة الأوروبية. حتى الحرب العالمية الثانية وبعد ذلك، كانت اللاتينية هي لغة الكنيسة. كان من الممكن أن تصبح لغة السياسة أيضًا. في الماضي، تمت كتابة جميع المعاهدات الأوروبية باللغة اللاتينية. أنا مستمتع بحقيقة أن البيروقراطيين في بروكسل ناضلوا من أجل التحدث بلغتهم والاستعانة بعشرات المترجمين، ثم في الليل، عندما يتقابلون لتناول المشروبات في البار، يتحدون الإنجليزية مع بعضهم البعض.
ألكسندرا: هل يمكننا التحدث عن إهدائك في عام 1990 فيلمك إلى “يانسز كوركزاك”، الذي كتبت له السيناريو “أجنيشكا هولاند” وقام “فوسيتش زونياك” بدور “كوركزاك”؟ فقد حظي هذا الفيلم بدعاية قليلة على الرغم من أن جمهوره في مهرجان “كان” قابلك بحفاوة بالغة. بخصوص هذا الفيلم وجدت التصريح التالي من جانبك على شبكة الإنترنت: “اتضح أن نواياي الحسنة غير مفيدة”. في الولايات المتحدة لا أحد يعرف هذا الفيلم ولا مصيره. كيف تنظر إلى هذا الأمر من منظور يزيد على اثني عشر عامًا؟
أندجيه فايدا: بالطبع في “كان” أثناء العرض الخاص للفيلم كان الجمهور متحمسًا واستقبل الفيلم بحفاوة بالغة. في اليوم التالي، نشرت “لو موند” مراجعة نقدية تعتقد أن “كوركزاك” كان معاديًا للسامية. المشهد الأخير على وجه الخصوص تم انتقاده على أنه تزييف مزعوم للتاريخ. كان من المؤلم قراءة هذا، لكنني كنت مدركًا أن فرنسا فضلت أن تعطي محاضرة للبولنديين عن معاداة السامية بدلا من أن تتعامل مع قضايا معاداة السامية الفرنسية. بحث الفرنسيون لفترة طويلة عن طرق لتجنب مواجهة حقيقة أن السلطات الفرنسية والشرطة الفرنسية كانت المسئولة عن إرسال اليهود إلى “أوشفيتز” (وليست السلطات النازية والشرطة النازية كما كان الحال في بولندا). قبل سنوات قليلة، عندما تلقى فيلمي “أرض الميعاد” ترشيحًا لجائزة “الأوسكار”، انعقد مؤتمر صحفي وهاجم فيه أحد النقاد الفيلم أنه معاد للسامية. بعد المؤتمر الصحفي سألته أين شاهد الفيلم، فأجاب، “لست مضطرًا لمشاهدة الفيلم لأعرف أنه معاد للسامية: يكفي أن تعرف أنه قادم من بولندا”. كان هذا هو السبب الذي لم يعرض لأجله الفيلم في دور العرض الأمريكية. كان خسارة كبيرة، لأن فيلم “أرض الميعاد” نوع من الأفلام التي كان بإمكانها تحقيق نجاح في أمريكا لأن حبكته والمشاكل التي يتناولها ممكن فهمها بالنسبة للجماهير الأمريكية. هذا التغير في مسار الأحداث مثل صدمة كبيرة وغير مستحقة بالنسبة لي.
ألكسندرا: أنت والسيدة “كريستينا زاتشواتاويكز” مهتمان بشكل جدي باليابان. قرأت تصريحك عن الاختباء في “كركاو” (أثناء الاحتلال الألماني في الحرب العالمية الثانية). بمجرد خروجك من اختبائك شاهدت معرضًا للفن الياباني في “سكينيس” (مركز تسوق في قلب كراكاو). كانت اليابان حليفة لألمانيا في الحرب العالمية الثانية، لذا كان المعروض في “كركاو” تحت رعاية الحاكم العسكري، الجنرال “هانس فرانك”. وبعد عدة سنوات، عندما أصبحت منتجًا كبيرًا، تلقيت جائزة “كيوتو”، وهي النظير الياباني لجائزة نوبل. نظيرًا لمجهوداتك ومجهودات زوجتك “كريستينا زاتشواتاويكز”، ولدى “كراكاو” الآن مركز للفن الياباني يدعى “مانجها”. لقد بدأت تقليدًا غير عادي.
أندجيه فايدا: قبل الحرب العالمية الثانية، اقتنى جامع التحف البولندي “فيليكس ياسينسكي” ما يزيد عن عشرة آلاف عمل فني من الفن الياباني القديم. في عام 1926، عرضت مجموعته على المتحف الوطني لـ “كراكاو”. بعد ما يزيد عن النصف قرن، ظهرت الحاجة إلى تشييد مبنى لعرض هذه المجموعة. كنت بالفعل قد تلقيت جائزة “كيوتو” وهذا خلق واجبًا إضافيًا. قررت أنا وزوجتي بناء “مركز الفن الياباني”. استجاب اليابانيون. ونفذ المعماري الياباني “أراتا أيزوساكي” خطة للمبنى وعرضه على مؤسستنا “كيوتو – كراكاو”. وعرضت الحكومة اليابانية مليوني دولار. وكإشارة على التضامن مع حركة “التضامن البولندية”، جمع عمال سكة حديد اليابان مليونًا آخر. وبيعت مجموعة خاصة في اليابان، وهذه أضافت مليوني ونصف مليون دولار. بلغ الإجمالي الذي جمعناه خمسة ونصف مليون دولار وهذا سمح لنا بأن نبني “مركز مانجها” في غضون خمسة عشر شهرًا. وقد أصبح الفن الياباني الرائع متاحًا للمشاهدة الآن. بولندا بلد من الصعب الاحتفاظ فيه بالتواصل الإداري الملتزم بسبب هذه العقبات الموضوعية مثل الحرب أو التغيير النظامي. كان رضانا أكبر بكثير جدًا حيث أن مبادرتنا وقفت على أرض خصبة وأن لدى “كراكاو” الآن مركزًا للفن الياباني والتكنولوجيا، وأن هذا المركز قد أصبح مؤسسة نشطة وفعالة، وواحدًا من أكثر الأنشطة الفاعلة والمؤثرة في المدينة. في عام 2002، استضاف المركز فخامة الإمبراطور “أكيهيتو” وزوجته.
ألكسندرا: حدثنا من فضلك عن دور زوجتك، “كريستينا زاتشواتاويكز”، في حياتك وعملك. بدأت كممثلة في مسرح “بود بارانامي” وهي أيضًا رائعة في عملها كـ “سينوجرافر”. عملت في أفلام لك، من بينها “بنات من ويلك”، و”رجل من مرمر”، و”سجل قصة حب”. أهديت لها كتابك “الرؤية المزدوجة: حياتي في السينما” (1998). ما هي مقومات الزواج الناجح لشخصين مثلكما مشهورين ومبدعين؟
أندجيه فايدا: نحترم الفنان في أحدنا الآخر. الفنان الذي يبدع عالمًا خاصًا به أو بها والنشط في النوع الفني الخاص به أو بها. إننا نعمل معًا في المسرح أيضًا. عملت “كريستينا” في أفلام لي أيضًا، وقامت بتدريس السينوجرافيا في “أكاديمية الفنون الجميلة” في “كراكاو” منذ عدة سنوات وإلى الآن. وهي تقوم بالتدريس للمخرجين الشبان في “سينما الأكاديمية” أيضًا. مثل هذه الصلات تبقينا شبابًا.
ألكسندرا: أخبرني عن “مدرسة وارسو للسينما” التي تحمل اسمك.
أندجيه فايدا: “مدرسة الرواد للسينما” موجودة منذ يناير 2002. “فوسيش ماركزوسكي” هو مدير المدرسة. نتقابل من ثماني إلى عشر مرات في السنة لمدة أسبوعين كل مرة. نختار ثلاثة عشر طالبًا من 250 يشكلون عددًا ضخمًا من المتقدمين. خمسة منهم يتخرجون من مدارس السينما، آخرون لديهم أفلام عديدة مستقلة بأسمائهم. ولولا وجود رجل الأعمال “رايزارد كروز”، مالك شركة “أوبتيمس”، لما كان للمدرسة وجود. وقد موّل أول خمس سنوات من وجودنا. مدة الدراسة فيها سنة واحدة. أثناء هذه الفترة، يقوم الطلاب والطالبات بإعداد مشاريعهم. يبدءون بالفكرة وينتهون بالسيناريو. ونقوم معًا بتصوير بعض مشاهد الفيلم المستقبلي ونختار طاقم العمل والتمثيل. عند هذه المرحلة، يمكن أن يقدّم العمل للمنتجين كمشروع جاهز للتنفيذ.
ألكسندرا: في كتابك “الرؤية المزدوجة” كتبت عن دور الموسيقا في السينما. في فيلمك “بان تاديوز” استخدمت بولونيز انتصاري وجاد للملحن “فوسيش كيلار”. هذا البولونيز مختلف جدًا عن بولونيز “أوجينسكي” الشهير إلى حد كبير جدًا في بولندا. في السنوات القادمة، هل سيحصل على اسم شهرة “بولونيز من بان تاديوز فايدا”؟
أندجيه فايدا: “كيلار” ليس الملحن الوحيد الذي عملت معه، لكنني أقدر موسيقا فيلمه إلى حد كبير جدًا. إنها متسقة دائمًا مع الحبكة وتضيف بصورة كبير جدًا إلى إيقاع الفيلم.
ألكسندرا: في كتاب نشر في “تورون” عام 2000، بعنوان “البابا السلافي: رسول أمل”، هناك عبارة لك. تتحدث فيها عن اللحظة التي سمعت فيها لأول مرة عن انتخاب الكاردينال “كارول فويتلا” لشغل منصب البابا. كنت تعمل في “تشلمسكا ستريت” وقد اقترب منك أحد عمال الكهرباء وأخبرك أنهم سمعوا هذا الخبر في الراديو. لم تصدقهم ووبختهم بخشونة إلى حد ما. فيما بعد أخذت تتأمل تتابع الأحداث وتساءلت إن كان هذا قصورًا في الخيال من جانبك أم أن سببًا ما آخر هو الذي جعلك ترفض هذه الأنباء السارة. تكتب: “هل من الممكن أننا نحن “البولنديين” أصبحنا معتادين على الاستهانة بأنفسنا والاستخفاف بكل ما كان يجري من حولنا؟ هل تطبّعنا بكوننا صغارًا، وقرويين، وتافهين؟” يجب على أن أقول إن كلماتك أثرّت فيّ بشدة.
أندجيه فايدا: قوة الكنيسة البولندية تكمن في تناسقها: إنها تتصرف بنفس الطريقة التي كانت تتصرف بها أثناء الاحتلال النازي عندما قتل آلاف القساوسة الكاثوليك، وأيضًا تحت النظام الستاليني عندما كان يجب عليها الارتقاء إلى مستوى الوضع السياسي البالغ الصعوبة. القرارات الخاصة بالكنسية، على أية حال، كانت ولا تزال تُأخذ في روما، وهذه الاستقلالية (عن السلطات المحلية) أنقذت الهيبة والمكانة الدينية والاجتماعية للكنسية. إنه حقيقي أنني لم أكن آمل في رؤية الشيوعية تسقط. كنت متأكدًا من أنها ستنجو لعدة سنوات أكثر، وأن تأثيرها المزعج سيستمر لعقود.
ألكسندرا: هل تغير الزمن؟ هل نحن مختلفون الآن؟ إلى أي مدى البابا البولندي، ومنح جائزة نوبل إلى “كزيسلو ميلوسز” و”فيسلافا شيمبورسكا”، أو فوزك بالأوسكار، غير رأي الشعب البولندي عن نفسه؟
أندجيه فايدا: أنا واثق من أن الشعب البولندي سعيد وفخور بهذه النجاحات، لكن للوصول إلى السعادة الحقيقة، فإنهم لا يزالوا بحاجة للفوز بكأس العالم لكرة القدم.
ألكسندرا: نهضة الرياضات في الولايات المتحدة الأمريكية تبدأ في المدرسة. إنها تدرّس لضمان تعليم فرق الألعاب إحداها للأخرى كيفية التصرف وسط جماعة. من الضروري لكي تحقق الفوز أن تطور روح الفريق. كما أن الخسارة تؤثر بطريقة مماثلة على الجماعة بدلا من الفرد.
أندجيه فايدا: يفتقر البولنديون في كثير من الأحيان للقدرة على العمل كفريق. إنني داعم كبير للرياضات، وأعتقد أن البولنديين إذا كانوا راغبين في التقدم حضاريًا، فيجب عليهم التركيز أكثر على رياضات الفرق. ما زلت أتذكر بإعجاب روح الفريق في المسرح الياباني حيث عملت. يوجد وضع مشابه لهذا في المسرح الأمريكي.
ألكسندرا: أبدعت أعمالا عظيمة، والعديد منها إلى حد كبير كان لها تأثير على الحياة البولندية. ويعتبر فيلم “أرض الميعاد” أعظم فيلم بولندي في أي وقت. ما خططك للمستقبل؟
أندجيه فايدا: أثناء ترتيبي وتنظيمي لأرشيف “كركاو” الخاص بي توقفت عند المشروع رقم (196) من بين تلك المشاريع التي تناسيتها أو وضعتها جانبًا. بعبارة أخرى، لديّ مشاريع غير منتهية أكثر من التي انتهيت منها. لديّ العديد من الأفكار لأفلام. في هذه اللحظة، لا يمكنني أن أقول أيها سأعمل عليه فيما بعد.
* أجرت المحاورة: ألكسندرا زيلكافسكا بوم. الترجمة عن البولندية: جي. بي.
[1] تم تقديم هذا العمل المسرحي في السينما عام 1957، وحمل الفيلم نفس العنوان وقام بإخراجه “فريد زينمان” – المترجم.
[2] كاتب وشاعر ومسرحي بولندي كبير، ولد في العشرين من يونيو 1793 ، وتوفي في الخامس عشر من يوليو 1876 – المترجم.