محمد هاشم عبد السلام

 

بعد عرضه بالعديد من المهرجانات الدولية وفوزه بالعديد من الجوائز والترشيحات، كان آخرها الترشح لأوسكار أحسن فيلم تسجيلي، بدأت في السينمات الأوروبية والأمريكية العروض التجارية الأولى للفيلم التسجيلي “ملح الأرض”، والفيلم من إخراج الألماني القدير فيم فيندرز بالاشتراك مع جوليانو سلجادو.

يمتد زمن عرض “ملح الأرض”، الذي كتب له السيناريو فيم فيندرز وجوليانو سلجادو وديفيد روسير، لما يقترب من الساعتين، ويظهر فيه فيندرز بنفسه وسيباستياو سلجادو وجوليانو سلجادو. والفيلم من إنتاج برازيلي وإيطالي وفرنسي مشترك.

يتناول الفيلم تجربة المصور الفوتوغرافي البرازيلي العظيم سيباستياو سلجادو، في الحادية والسبعين من عمره، صاحب التجربة الهائلة والمتفردة في التصوير الفوتوغرافي على امتداد سنوات عديدة تصل لأكثر من أربعة عقود، التقطت فيها عدسة سيباستياو الكثير من الآلام الإنسانية في العديد من بقاع الأرض، إذ سافر سيباستياو لأكثر من مئة دولة من أجل التقاط صوره الفريدة.

والفيلم الذي اشترك مع فيندرز في إخراجه جوليانو سلجادو ابن المصور الكبير، ناطق بالإنجليزية والفرنسية والبرتغالية، ويغلب عليه اللونين الأبيض والأسود. ويرصد قصة حياة سلجادو عبر العديد من الصور الفوتوغرافية له، التي من بين من يعلق عليها سلجادو نفسه.

هذا إلى جانب احتواء الفيلم على الكثير من اللقطات والمقاطع الأرشيفية التسجيلية لسلجادو في مراحل مختلفة من عمره، وأيضًا لزوجة ورفيقة درب سلجادو “ليليا”، التي تتحدث عن غياب زوجها عنها لسنوات في بعض الأحيان من أجل التقاط الصور، والتي ذهب من أجلها إلى أماكن لم يخطر لبشر من قبل أن يصل إليها نظرًا لخطورتها الشديدة. الأمر الذي جعل سلجادو لا يشهد ميلاد ابنيه عند ولادتهما.

إن قصة هذا الرجل، التي برع الفيلم في نقلها إلينا، تبين لن إلى أي مدى يمكن للإنسان التخلي عن الكثير من أجل الإيمان بقضية عادلة، فسيباستياو سلجادو لم يولد مصورًا فوتوغرافيًا، على العكس، كان يعمل في وظيفة ربما يحلم الجميع بالعمل فيها، خبير اقتصادي بالبنك الدولي. لكنه قرر هجر الوظيفة في الستينات، وشراء آلات تصوير بكل ما معه من مال، وافتتاح استوديو مع زوجته بباريس، وخوض المغامرة، وذلك بعد ما رآه من أهوال في أفريقيا في فترة الستينات.

انطلق سلجادو من هذا المكان ليشق لنفسه حياة جديد، امتدت لعقود كما أسلفنا، صوّر فيها آلام ومعاناة الكثير من البشر الذي يعملون في أحلك الظروف، حيث العمل الشاق بالمناجم في البرازيل. كذلك صوّر قسوة البشر في تعاملهم مع الطبيعة أو الحيوانات أو بعضهم البعض، وتبدى ذلك في صور حرب البوسنة، وإشعال النار في آبار النفط بالكويت، وليس آخرها، لفت أنظار العالم إلى ما كان يحدث في إثيوبيا.

إنه في النهاية، ليس مجرد فيلم عن أحد مشاهير التصوير الفوتوغرافي، بل رسالة إنسانية عميقة تفتح وعي الإنسان على الكثير مما يغفل عنه، وتجربة بصرية غاية في الثراء والجمال لمن يُقدر الاستمتاع بالصور الفوتوغرافية.