فينيسيا – محمد هاشم عبد السلام
عقب حفل افتتاح الدورة الـ82 لـ”مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي“، الذي قدمته الممثلة والكاتبة الإيطالية إيمانويلا فانيلّي، واستعراض أفلام المسابقة، وأعضاء لجان التحكيم، وكلمة المخرج الأميركي ورئيس لجنة التحكيم، ألكسندر باين، عرض الفيلم الإيطالي “الرحمة”، للمخرج المعروف باولو سورينتينو.
تكريمات
تقرر هذا العام تسليم جائزة “الأسد الذهبي الفخري” للممثلة الأميركية المعروفة كيم نوفاك. وجاء تكريم هذه النجمة تقديرًا لمسيرتها الفنية الفريدة، وكونها نجمة صاحبة موهبة استثنائية، وأيقونة جمالية وسينمائية، ولها مواقف استثنائية متمردة ضد التنميط الهوليوودي. وُلدت نوفاك عام 1933 في شيكاغو، لعائلة من أصول تشيكوسلوفاكية. درست الفنون في معهد شيكاغو. في أوج تألقها الفني، آثرت النجمة الانسحاب طوعًا وختام مسيرتها السينمائية، وذلك بعدما تركت بصمة لا تُمحى في أذهان الجمهور الذي تعلق بها منذ دورها الشهير في رائعة ألفريد هيتشكوك “فيرتيغو” (1959).
كما منحت الجائزة نفسها لأسطورة الإخراج الألماني فيرنر هيرتزوغ، صاحب الروائع والتحف السينمائية الخالدة في تاريخ السينما، مثل “فيتزجيرالد”، و”نوسفيراتو”، و”أجيري، غضب الرب”، و”كاسبار هاوزر”، إضافة إلى مجموعة ثرية ونادرة، وهو بمثابة مدرسة في فن صناعة الأفلام الوثائقية. الجائزة التكريمية سلمها له المخرج الأميركي المخضرم فرانسيس فورد كوبولا.
بهذه المناسبة، عرض المهرجان أحدث أفلام فيرنر هيرتزوغ الوثائقية “الأفيال الشبحية في أفريقيا”، للمرة الأولى في قسم عروض “خارج المسابقة الرئيسية”.

كما ستمنح جائزة “كارتييه الفخرية” للمخرج والفنان التشكيلي الأميركي جوليان شنابل، المولود في نيويورك عام 1951، والمعروف بأعماله الحيوية التي تجمع بين الحس البصري والتجريب التشكيلي، وذلك تقديرًا لإسهامه الأصيل والمبتكر في الربط بين الفن التشكيلي والسينما الروائية.
بهذه المناسبة، يعرض المهرجان، في قسم “خارج المسابقة الرئيسية”، فيلمه الجديد “بيد دانتي”. ويضمّ الفيلم نخبة من النجوم، مثل أوسكار إسحق، وآل باتشينو، ومارتن سكورسيزي، وجون مالكوفيتش، وفرانكو نيرو.
الكلاسيكيات
كعادته، افتتح المهرجان دورته الـ82 بعرض عالمي خاص قبل يوم الافتتاح الرسمي، أي يوم الثلاثاء 26 أغسطس/ آب في “صالة دارسينا” بفيلم “الملكة كيلي” (1929) ، من إخراج النمساوي الأميركي إريك فون شتروهايم، وبطولة غلوريا سوانسون.
النسخة الجديدة المعروضة، والمُنفذة قبل مائة عام تقريبًا، ليست مرمّمة للمرة الثانية فحسب، بل هي نسخة جديدة، لكونها تضم لقطات عُثر عليها حديثًا، ما أسهم في إعادة تصوير للتحفة المفقودة، واعتبار هذه النسخة بمثابة “إعادة تخيّل” مُحسّنة، بفضل تقنيات الترميم الرقمي الحديثة، للوصول إلى أقرب تطابق مع النسخة الأصلية. يذكر أن آخر ترميم لنسخة الفيلم كان قبل أربعين عامًا، وتحديدًا عام 1985.
في السياق ذاته، تُعرض في قسم “كلاسيكيات فينيسيا” العروض العالمية الأولى لـ18 فيلمًا مُرمّمًا. أما قسم “وثائقيات عن السينما” فيعرض هذا العام 9 أفلام جديدة.
يذكر أنه للعام الثاني عشر، ستمنح لجنة تحكيم مكونة من 24 طالبًا سينمائيًا، تحت رئاسة المخرج والجامعي توماسو سانتامبروجيو، جوائز قسم “كلاسيكيات فينيسيا”، لمسابقتي “أفضل فيلم مُرمم”، و”أفضل وثائقي عن السينما”.
فيلم افتتاح استثنائي
تشهد “المسابقة الرئيسية” هذا العام تنافس 21 فيلمًا، بينها فيلمان وثائقيان، وبإجمالي 5 أفلام إيطالية، و3 فرنسية، ومشاركة عربية واحدة. كان “الرحمة” لباولو سورينتينو، بطولة توني سيرفيليو، أول الأفلام الإيطالية المتنافسة المعروضة في المهرجان. ويمكن التأكيد على أن الفيلم كان، وبجدارة، أفضل فيلم افتتاح منذ سنوات طويلة، ليس في مهرجان “فينيسيا” فحسب، بل في المهرجانات الأخرى الكبرى. حيث عادة ما يختفي الفيلم الفني، وتسود الدراما الخفيفة المسلية، أو ما بات يعرف من باب السخرية بـ”فيلم افتتاح”.
في ابتعاد لافت عن مُقاربة السياسة، والغوص في دهاليزها، آثر سورينتينو إدخالنا إلى قصر الرئاسة الإيطالي من خلال نافذة تطل بنا على لحظات إنسانية، ومشاعر مفصلية وقرارات مصيرية، في حياة رئيس متخيل، يقضي آخر أيامه في الحكم. يحاول الرئيس مواجهة ضعفه الإنساني والأبوي، وتردده وثقته في نفسه وماضيه، وضميره كرجل قضاء نزيه، لأجل حسم قضايا جوهرية متعلقة بمصائر أفراد ينشدون العفو وتخفيف عقوباتهم في جرائم من الدرجة الأولى. يسبق هذا انشغاله المؤرق بضرورة توقيعه، أو رفضه، لقانون يقضي بالحق في الموت الرحيم. وذلك في بلد ديني يستحيل فيه تمرير هكذا قانون. هذا إلى جانب الهاجس المتعلق بزوجته الراحلة التي يشك في خيانتها له قبل 40 عامًا.

بالإضافة إلى فيلم “الرحمة”، وبعد مرور ثلاثة أيام، وعرض أفلام عدة منتظرة في المسابقة الرئيسية، لفت الانتباه، وبشدة، فيلم “اليتيم” للمخرج المجري لاسلو نيمِش، وفيلم “بيجونيا” لليوناني يورجوس لانتيمو. وثمة أفلام أخرى دار حولها كثير من النقاش والجدال، مثل “في العمل” للفرنسية فاليري دونزلي، و”لا خيار آخر” للكوري الجنوبي بارك تشان ووك، و”فرانكشتاين” للمكسيسكي غييرمو دل تورو. في حين كان أضعف الأفلام المعروضة “جاي كيلي” للأميركي نواه بومباخ، من بطولة جورج كلوني.
فيلم افتتاح مسابقة “آفاق”
يتنافس فيلم “الأم” للمخرجة المقدونية تيونا ستروغر ميتيفسكا مع 18 فيلمًا في مسابقة قسم “آفاق”، التالي في الأهمية والقوة لـ”المسابقة الرئيسية”. يُقدِّم الفيلم الكلاسيكي الطابع سيرة درامية مؤثرة عن أيام مهمة ومفصلية في حياة الأم تيريزا الراحلة. ويتتبع الفيلم سبعة أيام متتالية سبقت قرار مغادرتها “دير لوريتو” في كلكتا، وتأسيسها لجمعيتها الخاصة “مُبشرات المحبة”.

رغم استناد الفيلم إلى شخصية حقيقية، إلا أن المخرجة تستغل شخصية بحجم وقيمة الأم تيريزا، المعروف عنها القيام بأعمال خيرية وإنسانية لا حصر لها، في وضعنا إزاء معضلة مواجهة الإنسان لما يتعارض مع أفكاره وقناعاته، والأهم، إيمانه. إذ ذات يوم تجد الأم تيريزا نفسها أمام معضلة أخلاقية متعلقة بإحدى الراهبات المقربات منها جدًا، ويتعين عليها البت فيها وحسمها على وجه السرعة. المشكلة الكبرى، هل سيكون قرارها إلى جانب العقل والقوانين والقواعد والأعراف والدين، أو يُعلي من قيم الرحمة والتسامح والمغفرة وحب الحياة؟
دروس ولقاءات السينما
كعادته، يواصل المهرجان عقد لقاءات دروس السينما، أو الماستر كلاسيس المميزة، بحضور كبار المخرجين والمخرجات، من مختلف الأعمار والمدارس السينمائية، للحديث عن تجاربهم وخبراتهم مع الجمهور والمتخصصين. ومن بين حضور هذا العام: فيرنر هيرتزوغ، جيا تشانج كي، كيم نوفاك، كريستيان مونجيو، وتساي مينغ ليانغ. أما اللقاءات الحوارية، فسيكون من بين حضورها: صوفيا كوبولا، وألفونسو كوارون، وجين كامبيون.
المهرجان في أرقام
يتجاوز عدد الدول المشاركة هذا العام 60 دولة، بإجمالي 91 فيلمًا طويلا، و25 فيلمًا قصيرًا، و4 مسلسلات، في مختلف أقسام المهرجان، بالإضافة إلى 9 أفلام كلاسيكية في قسم “الكلاسيكيات”، و19 فيلمًا في قسم “الأفلام المرممة”. أما أكثر الدول مشاركة من حيث الحجم، فهي إيطاليا، وفرنسا، وأميركا، ثم ألمانيا، على التوالي.
تضم “المسابقة الرئيسية” 21 فيلمًا، كالمعتاد. أما الأفلام “خارج المسابقة” فهي 30 فيلمًا هذا العام، وتنقسم إلى 10 روائية، و16 غير روائية، و4 أفلام قصيرة خارج المسابقة، إضافة إلى وثائقي في 21 دقيقة بعنوان “BOOMERANG ATOMIC” للجزائري الفرنسي رشيد بو شارب. بجانب عرض 4 مسلسلات، و3 أفلام تحت عنوان عروض خاصة خارج المسابقة عن السينما والموسيقى. أما مسابقة القسم التنافسي “آفاق”، التالي في الأهمية بعد “المسابقة الرئيسية”، فيعرض فيها 19 فيلمًا طويلًا.

قبل الإعلان عن الأفلام المختارة في البرنامج الرسمي، تلقى المهرجان مشاركات بلغت 4500 فيلم، بواقع 1936 فيلمًا طويلًا، منها 173 من إيطاليا. و2353 فيلمًا قصيرًا، منها 189 من إيطاليا، و102 فيلم لقسم الكلاسيكيات المرممة، 9 منها إيطالية. وقد اختيرت أفلام تظاهرة “أسبوع النقاد” من بين ما يقرب من ن700 فيلم من جميع أنحاء العالم.
من بين 13 فيلمًا جرى اختيارها للتنافس على جائزة “لويجي دي لورنتس ـ أسد المستقبل”، التي تمنح لأفضل عمل أول لمخرجه، ينافس على الجائزة الجزائري يانيس كُسيم، والسودانية سوزانا المرغني. جدير بالذكر أن هذه الجائزة فازت بها السورية سؤدد كعدان عن فيلها “يوم أضعت ظلي” (2018)، والسوداني أمجد أبو العلاء عن فيلمه “ستموت في العشرين” (2020).
وبخلاف وجود 6 مخرجات في مسابقة هذا العام، مجددًا يتكرر الرقم 6، هذه المرة لمخرجين يشاركون لأول مرة على الإطلاق في المسابقة، وهم: كوثر بن هنية، وليوناردو دي كونستانزو، وفاليري دونزيلي، وجيم غارموش، وبيني صفدي، وأخيرًا شو تشي.
في حين يشارك في المهرجان إجمالًا 5 مخرجين حائزين على جوائز “أوسكار”، هم: كاترين بيغلو، وصوفيا كوبولا، وجييرمو ديل تورو، وتشارلي كوفمان، ولورا بويتراس. كما يشارك مخرجان حائزان على “الأسد الذهبي التكريمي” للإنجاز مدى الحياة، وهما: ماركو بيلوكيو، وفيرنر هرتزوغ.
أما عدد المخرجين الحائزين على جائزة “الأسد الذهبي” فيبلغ 7 مخرجين، وهم: صوفيا كوبولا، وجييرمو ديل تورو، ويورغوس لانتيموس، ولورا بويتراس، وجيانفرانكو روسي، وألكسندر سوكوروف، وتساي مينغ ليانغ.
وهنالك 4 مخرجين حائزين على جائزة “الأسد الفضي للجنة التحكيم الكبرى”، وهم: تشارلي كوفمان، ويورغوس لانتيموس، وجوليان شنابل، وتساي مينغ ليانغ.
وأخيرًا، 3 مخرجين حائزين على “الأسد الفضي لأفضل إخراج”، وهم: كاي شانغجون، ولوكا غوادانيينو، وباولو سورينتينو.
مُشاركة عربية مُلفتة للانتباه
من بين الأمور المبشرة جدًا في دورة هذا العام مشاركة 6 مخرجات، دفعة واحدة، من العالم العربي، من أعمار وخبرات وتجارب متباينة، في مختلف أقسام المهرجان. وذلك في سابقة أولى، نظرًا لكون الأفلام الستة روائية ووثائقية طويلة. وهذا بالإضافة إلى مشاركة 3 أفلام لمخرجين ذكور. وبذلك تكون المشاركة العربية هي الأكبر منذ سنوات، على الأقل مقارنة بالدورة الماضية التي شهدت عرض 5 أفلام فحسب، 4 أفلام روائية طويلة لمخرجين ذكور، ووثائقي واحد لمخرجة.
تنافس التونسية كوثر بن هنية لأول مرة على “الأسد الذهبي” بالروائي الطويل “صوت هند رجب”. رغم خلو قسم “آفاق”، التالي في الأهمية للمسابقة الرئيسية، من أية مشاركات عربية هذا العام، وفي حين نافست الدول العربية العام الماضي بفيلمين في مسابقة القسم: “عائشة” لمهدي برصاوي من تونس، و”ينعاد عليكم” لإسكندر قبطي من فلسطين، وفاز “ينعاد عليكم” بجائزة السيناريو، إلا أن مسابقة هذا العام تخلو تمامًا من أي مشاركة عربية. وذلك باستثناء مسابقة القسم للأفلام القصيرة، والتي تضم 14 فيلمًا قصيرًا، تشارك فيها فلسطين بفيلم “مُهدَّد بالانقراض” لسعيد زاغة.
ضمن القسم الفرعي، “العروض الخاصة”، خارج المسابقة، الوثائقي القصير “Boomerang Atomic” للجزائري رشيد بوشارب. يشارك الوثائقي “بابا والقذافي”، لجيهان الكيخيا، في قسم “خارج المسابقة”.

كما يُعرض “شارع مالقة” (Calle Malaga)، جديد المغربية مريم توزاني، في قسم “تحت الأضواء”، الذي حل محل قسم “آفاق إكسترا”. وفي القسم نفسه، “تحت الأضواء”، تشارك السعودية الموهوبة شهد أمين بجديدها “هجرة” (Hijra).
تشهد تظاهرة “أسبوع النقاد” في دورتها الـ40، عرض 3 أفلام عربية، “ملكة القطن” للسودانية سوزانا ميرغني. وفيلم “رُقية” (Roqia)، للجزائري يانيس كُوسيم. وأخيرًا، الفيلم القصير “حفلة عائلية” للإيطالي، من أصل مغربي، نادر تاجي.
يذكر أن “ملكة القطن”، و”رقية”، ينافسان على جائزة “لويجي دي لورينتس ـ أسد المستقبل”، التي تمنح لأفضل عمل أول لمخرجه، أو مخرجته. ومن بين أعضاء لجنة تحكيم هذه الجائزة المخرجة التونسية أريج السحيري.
يشارك في مسابقة تظاهرة “أيام المؤلف” في دورتها الـ22 الفيلم اللبناني “أحلام الأمل والألم” للمخرج سيريل عريس. وتشارك في التظاهرة نفسها، لكن في القسم الفرعي “عروض خاصة”، اللبنانية لانا ضاهر، بالوثائقي “هل تحبني”.
يذكر أن لجنة تحكيم التظاهرة يترأسها المخرج النرويجي داج يوهان هاوجرود، ومن بين الأعضاء المخرجة الفلسطينية الجزائرية لينا سوالم، والمصور التونسي سفيان الفاني.