محمد هاشم عبد السلام
بات تأخّر إعلان مهرجان “كانّ”، الحدث الأكبر سينمائياً كما يوصف، تفاصيل كلّ دورة مثيراً للضيق، سيما أنّه صار تقليداً “رسمياً” تقريباً في السنوات الأخيرة. أحياناً، يكون للأمر متطلّباته، كإنهاء فيلمٍ، أو مفاوضات مع شركة إنتاج أو مخرج. لكنْ، كان يُعلن عن هذا صراحةً، ولم يتجاوز الأمر الفيلم الواحد.
المثير للضيق أكثر، هذا العام (الدورة الـ78، المُقامة بين 13 و24 مايو/أيار 2025)، أنّ هناك احتمالاً بإضافة أكثر من فيلم في المسابقة الرئيسية (19 إلى الآن)، وربما إضافة أفلامٍ أخرى إلى قسم “نظرة ما” (16 إلى الآن).
تكرار عدم اكتمال البرامج، واحتمالات الإضافات اللاحقة من دون موعد محدّد، وتأخّر إعلان أعضاء لجان التحكيم، فرّغ المؤتمر الصحافي (10 إبريل/نيسان 2025) من مضمونه. وأدّى بالصحافيين والنقاد إلى انتظار خبر تلو آخر، وهذا يعني متابعة مُرهِقة يومياً. مع هذا، يُمكن جداً ألاّ يُضاف أي جديد، والاكتفاء بـ19 فيلماً في المسابقة الرئيسية (قبل أيام قليلة، بات الرقم 21). يُمكن أيضاً الاكتفاء بـ16 فيلماً في “نظرة ما”، كما في مرات نادرة، أو زيادتها إلى 18، كالدورة الماضية، أو 22 كالدورة قبل الماضية. هذا كلّه تخمينات (قبل أيامٍ قليلة، بات الرقم 20).
إذاً، لماذا يعقد مهرجان “كانّ” مؤتمراته الصحافية طالما أنّ هناك “إصراراً” على مخالفة المعتاد في المؤتمرات الصحافية لمهرجانات العالم، المخصّصة لإعلان البرنامج والتفاصيل، لا لإثارة تخمينات، ودفع الصحافيين والنقاد إلى “الركض” وراء الأخبار، والإخلال بمعنى “مؤتمر صحافي”، والاستخفاف بعمل الصحافيين والنقاد والمتابعين من الجمهور لمؤتمر، يُعلَن عن موعد انعقاده عادة قبل شهر من تاريخ افتتاح كلّ دورة؟
الأفدح من ذلك، أنّه، قبل المؤتمر الصحافي، أعلِن في أكثر من مطبوعة وموقع، وعبر من له صلة بشركات إنتاج، عن أغلب الأفلام المشاركة. البعض ذكر الأفلام المشاركة في المسابقة تحديداً، والبعض الآخر نشر ملصقات ولقطات من الأفلام. رغم هذا، لم تكن محض تخمينات، فهناك 14 فيلماً من الأفلام المُسرّب عنها اختيرت للمسابقة.
بعيداً عن تسريبات الصحافة، أكّد مدير التصوير داريوس خوندجي، في درسه السينمائي بملتقى “قمرة” (الدوحة) بدورته الـ11 (4 ـ 9 إبريل/نيسان 2025)، مشاركة فيلمه الجديد، Eddington لآري أستر، في المهرجان. أما ما تسبّب به سبايك لي من إحراج بالغ لإدارته، بعد ساعة على انتهاء المؤتمر الصحافي، بتأكيده مشاركة فيلمه Highest 2 Lowest، ونشره مواعيد عرضه، كان فضيحة غير مسبوقة، لم تستطع إدارة المهرجان نفيها، فاضطرت إلى تأكيد الاختيار عبر وسائل التواصل. إذا كانت غالبية الأفلام مُسرّبة، وبقية التفاصيل غير مُكتملة، فما الداعي لإقامة المؤتمر أصلا؟ لماذا لا تكتفي الإدارة بإعلانات رسمية عبر موقع المهرجان وغيره؟
إلى ذلك، أعلنت شركة mk2films عن عرض نسخة مُرمّمة بتقنية k4 لـ”حمى الذهب” لشارلي شابلن في “كلاسيكيات كانّ”، بمناسبة مرور 100 سنة على إطلاقه، ونشرت ملصقه الرسمي الجديد مع شعار المهرجان. إلى الآن، لم يُعلَن هذا، وأصلا لم يُعلن بعد عن أفلام برنامج الكلاسيكيات.
من ناحية أخرى، بات الحديث المتكرّر عن العدد الكبير من الأفلام المُرسلة إلى المهرجان حجّة ممجوجة. لماذا هذه النبرة الزائفة في ادّعاء الأهمية؟ مع تصديق بلوغ عدد الأفلام نحو ثلاثة آلاف هذا العام، وبحسبة بسيطة تُقْسِم الرقم على عدد أيام السنة، مع استبعاد العطلات الرسمية والأسبوعية، لن يتجاوز مُعدّل المشاهدة اليومية 12 فيلماً. ومع توزيعها على لجان المُشاهدة، مؤكّد أنّ كلّ عضو فيها لن يتمكّن من مشاهدة أكثر من فيلمين أو ثلاثة كلّ يوم. هكذا تجري الأمور دائماً في المهرجانات كلّها، والاختلاف بينها يحصل في تفاصيل، أو في توزيع مهام وأقسام.
يصل إلى كلّ من “أسبوع النقاد” و”أسبوعي المخرجين” نحو 1600 فيلم، وأحياناً يصل الرقم إلى 2500، أي بمعدل أرقام مقاربة كثيراً للمسابقة الرئيسية. لكنْ، رغم صغرهما، بالإمكانيات وأعضاء اللجان والخبرة، مقارنة بالفريق الفني للمهرجان الكبير، تُعلن التفاصيل كلّها في مؤتمريهما الصحافيين.
الملاحظة نفسها بخصوص الملصقات الرسمية للدورات الأخيرة، التي أصبح تأخّر الإعلان عنها إلى ما بعد المؤتمر الصحافي من الثوابت. هذا أيضاً فادح، لا يحدث إلا في “كانّ”. لا يعني هذا مطالبة “كانّ” أنْ يكون كمهرجانات أخرى، أو كتظاهراته الفرعية، بإعلان ملصق كلّ دورة سلفاً، لا بعد المؤتمر الصحافي. لكنّ التأخير المتكرّر يثير تساؤلات جمّة. فضلاً عن أنّ المؤتمر يُعقد وخلفية منظّميه خالية من ملصق الدورة. أيّ عبث هذا؟ علماً أن لا جديد في التصميم يتطلّب التأخير أصلاً، والمؤتمر ينعقد عاماً تلو آخر من دونه. فالملصق عادة مقاطع مأخوذة من أفلامٍ قديمة، شكّلت علامات في الدورات السابقة للمهرجان. فهل تصميم ملصق الدورة الـ78 بلقطتين مزدوجتين، بخلاف المعتاد، يتطلّب تأخيراً؟
قبل عقد، نُظّمت الدورة الـ68 في التاريخ نفسه للدورة المقبلة. لكنّ التفاصيل كلّها، مع أسماء أعضاء اللجان والملصق، جاهزة. إلى هذه اللحظة، لا إعلان عن أعضاء لجنة تحكيم المسابقة الرئيسية، ولا رئيس/رئيسة للجنة تحكيم “نظرة ما”، ولا لأعضائها. بعد المؤتمر، أُعلن عن رئيسة لجنة تحكيم “الكاميرا الذهبية”: أليتشا رورفاخر، دون بقية الأعضاء. الغريب أنّه، في 26 مارس/ آذار الماضي، أُعلن عن اسم مُقدّم حفلتي الافتتاح والختام: الممثل الفرنسي لوران لافيت، قبل بقية الأسماء الأخرى المهمة.
ما سبق لا ولم يحدث في مهرجانات كبرى أخرى، مثل “فينيسيا وبرلين” وغيرهما. لذا، ومع تسريب أفلام معروفة مُسبقًا، ومحتوى مُلصق شبه المُكرّر، واستحالة عزوف نجوم ونجمات عن المشاركة في لجان التحكيم، وأفلام منجزة أصلا قبل المهرجان: ما سبب هذه التأخيرات، وصدور الأخبار المتقطعة، الواحد تلو الآخر ودون مواعيد محددة، وانعقاد مثل هذا المؤتمر الصحافي المُبتسر أصلا؟