محمد هاشم عبد السلام

 

يلخص فروم المغذى من كتابه هذا في تصديره قائلاً: “ستكون قراءة هذا الكتاب تجربة مليئة بخيبة الأمل لأي إنسان يتوقع تعليمات سهلة في فن الحب. إن هذا الكتاب – بالعكس – يريد أن يبين أن الحب ليس إحساسًا عاطفيًا يمكن للإنسان أن ينغمر فيه بسهولة من قِبَل أي إنسان بغض النظر عن مستوى النضج الذي وصل إليه. الكتاب يريد أن يقنع القارئ بأن جميع محاولاته للحب مقضي عليها بالفشل ما لم يحاول محاولة أكثر فعالية لتطوير شخصيته الكلية وذلك لكي يحقق هدفًا منتجًا، وذلك الإشباع للحب الفردي لا يمكن الحصول عليه بدون مقدرة على محبة الجار وبدون التواضع الحق والشجاعة والإيمان والنظام”.

إن إريك فروم يريد في هذا الكتاب أن يجعل من الحب فنًا. لقد تراكمت الدراسات عن كيف يصبح الإنسان محبوبًا أما إريك فروم فيرى أن الأهم هو كيف يصبح الإنسان محبًا كيف يستحيل الحب إلى فن من الفنون.

كما يرى فروم أن الحب “ليس قوة عليا تهبط على الإنسان، كما أنه ليس واجبًا مفروضًا عليه، إنه قوته التي بها يرتبط بالعالم ويجعله عالمه حقًا”. ويصف فروم الحب بأنه “ليس حالة سلبية بل هو حالة إيجابية”، وأنه “العطاء أساسًا وليس التلقي”.

إن فروم يريد أن يعلمنا فن الحب، وفن الحب – شأنه شأن أي فن آخر – يتطلب ثلاثة أمور: معرفة نظرية بخصائص هذا الفن، وممارسة عملية وفق هذه المعرفة النظرية، وتكريس الحياة لهذا الفن.. وفن الحب بحسب وصف فروم يقتضي منا أن نتعلم أصوله، أن نتعلم كيف نحب حقًا بشكل مثمر.. فالحب موقف إزاء الكون، إنه موقف يعلن أن الإنسان يخرج من حالته الجزئية ويعانق العالم كله من خلال محبوبه ويرتفع من ذاته الجزئية إلى الكلية، فالحب من وجهة نظره رؤية تجاه الحياة: “ليس الحب أساسًا علاقة بشخص معين، إن الحب موقف، اتجاه للشخصية يحدد علاقة شخص بالعالم ككل لا نحو (موضوع) واحد للحب”.

وعن الشروط الخاصة باكتساب وممارسة هذا الفن يقول فروم: “إذا أراد الإنسان أن يصبح سيدًا في أي فن يجب أن يكرس حياته كلها له أو يتعلق به على الأقل. إن شخص الإنسان يصبح وسيلة ممارسة الفن ويجب أن يظل ملائمًا بما يتمشى مع الوظائف النوعية التي عليه أن يحققها. وبالنسبة لفن الحب هذا يعني أن أي شخص يأمل في أن يصبح أستاذًا في هذا الفن يجب أن يبدأ بممارسة النظام والتركيز والصبر طوال كل حقبة من حقب حياته”.

والكتاب مقسّم إلى أربعة فصول سبقتها مقدمة للمترجم بعنوان: “الحب في قبضة الاغتراب”، تناول فيها مفهوم الاغتراب بشكل موسع وعلاقته بالحب من وجهة نظر فروم. وتلا المقدمة الفصل الأول تحت عنوان: “هل الحب فن؟” وفيه أجاب عن هذا السؤال. أما الفصل الثاني “نظرية الحب”، فقد شرح فيه فروم بشكل موسع: كيف أن الحب يمثل من وجهة نظره، “… جواب على مشكلة الوجود الإنساني”، وكذلك تناول فيه الحب بين الوالدين والطفل، وموضوعات الحب: الحب الأخوي، الحب الأمومي، الحب الشبقي أو الجنسي، حب الذات، حب الله. ثم الفصل الثالث، وفيه ناقش مشكلة الحب وتفككه مفهومه في المجتمع الغربي المعاصر، وتحليل فروم لمشكلة التفكك هذه يمس بشكل كبير جدًا مجتماعاتنا العربية. وفي الفصل الرابع تعرض فروم لما يسمى بممارسة الحب وشروطها ومفهوم الإيمان وعلاقته بالحب وممارسته.

يختم إريك فروم كتابه الشيق والممتع هذا بقوله: “وفي الحقيقة، أن الحديث عن الحب ليس (وعظًا) لسبب بسيط هو أنه يعني الحديث عن الحاجة القصوى و الحقيقة في كل إنسان. وإذا كانت هذه الحاجة قد تشوشت فهذا لا يعني أنها ليست موجودة”.

إريك فروم (1900 – 1980) عالم نفس ألماني المولد أمريكي المواطنة. ولد في فرانكفورت وتدرب على التحليل النفسي بجامعة ميونخ ومعهد التحليل النفسي ببرلين. اضطر في ظل النازية إلى ترك ألمانيا عام 1934 واستقر في الولايات المتحدة الأمريكية ودرس بجامعة كولومبيا وييل والمكسيك وميتشجان ونيويورك وهو يبدي اهتمامًا بالفلسفة من خلال مشكلة الاغتراب ودفعه هذا إلى دراسة الفلسفة الماركسية والوجودية وفلسفة الأخلاق عند اسبينوزا. من أهم مؤلفاته ذات الطابع الفلسفي: “الخوف من الحرية، الإنسان لنفسه، المجتمع السوي، فن الحب، هل يمكن للإنسان أن يسود؟ مفهوم ماركس للإنسان، ما وراء سلاسل الوهم، ثورة الأمل”.

 

عنوان الكتاب: فن الحب

الكاتب: إريك فروم

ترجمة وتقديم : مجاهد عبد المنعم مجاهد

الناشر: مكتبة دار الكلمة –  مصر

الطبعة: الأولى 2005

الصفحات: 145 قطع متوسط