محمد هاشم عبد السلام

 

جريدة النهار اللبنانية – 16-08-2019

 

 لا ينبت الفنّ إلا في مناخ كامل أو شبه كامل من الحرية

 

“الأمر في حاجة إلى فضّ اشتباك لتوضيح الصورة. هل المقصود التراجع الكمّي أو الكيفي؟ في النظر إلى التراجع الكمّي، فإنه يرجع إلى عقود بعيدة، لا إلى السنوات الأخيرة فحسب. عدد الأفلام المُنتِجة سنوياً – المتراوح منذ سنوات طويلة بين ٢٥ و٣٥ تقريباً – يكفي لإيضاح الأمر بجلاء. الأسباب عديدة جداً ومتداخلة. كلها تصب، في النهاية، في ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي. للدولة دورها الكبير قطعاً، سواء على نحو مباشر أو غير مباشر. يتمثّل دورها المباشر في عدم اهتمامها وحمايتها للصناعة ككلّ. بدايةً من صالات العرض وانتهاءً بالتوزيع، عبر قوانين وتشريعات، لم تصدر منذ سنوات.

الدولة لن تخترع العجلة. يكفي فقط الاقتداء بالنظام الذي تسير عليه السينما عالمياً. ولنا في السينما الفرنسية خير مثال. أما دورها غير المباشر، فيتجلى في التضييق على الفنون عامةً. لا ينبت الفنّ ويزدهر ويتألق إلا في مناخ كامل أو شبه كامل (إيران نموذجاً)، من الحرية والديموقراطية. وعليه، فالدولة مسؤولة عمّا آل إليه مستوى الفنّ والمبدعين، والدراسات الأكاديمية والقائمين عليها، والمناخ عامةً.

يقودنا هذا إلى ما يتعلّق بالكيف. المناخ المصري السائد لم يتغير منذ عقود، بل ازداد سوءاً وانحداراً. لذا، كان من الطبيعي والمنطقي تردي الإنتاج الكيفي، عامةً، إلى مستويات غير مسبوقة. أهذا استثناء من القاعدة؟ المراجعة المُنصفة تجيب عن السؤال سلبياً. على امتداد تاريخ السينما المصرية، المحاولات التي شقت طريقها إلى “العالمية” كما يُقال (وليست العالمية مقياسها المهرجانات السينمائية فحسب)، محاولات محض فردية، وليست نتاجاً لتيار مستقلّ، أو تخطيط، أو نظام إنتاجي، أو طفرة. حتى تلك المحاولات، وبعضها على قدر من الفنية، لا تصمد عند المقارنة الفنية الخاضعة لمعيار القيمة. ولم تنجح حتى داخلياً في تشكيل أي تيار أو موجة أو توجه.

التطرق إلى الريادة يُعيدنا ثانيةً إلى ما هو كمّي. كانت هناك ريادة، نظراً إلى كمّ الإنتاج. مع انحسار الكمّ – لاعتبارات عدة – خبت الريادة الناجمة في الأساس عن الانتشار. أما مقارنة السينما المصرية بغيرها، فيصعب القول بأن ثمة طفرة أو حتى انتعاشة في السينما العربية. كلها، على امتداد الوطن العربي، محض جهود فردية، منسوبة لفنّانين لم تتبلور رؤاهم بعد، أو تتفاوت إبداعاتهم من عمل إلى آخر. وما يميز الجيد من هذه الأعمال، يرجع لانفتاح أصحابها على الإنتاجات المشتركة. ما أدى لطرح موضوعات مغايرة، وبناء فيلمي أكثر حرفية واحترافية. وإن ظلت الرؤى الفنية والفلسفية، في النهاية، غائبة. الأسباب عديدة: مجتمعات تعاني من أمراض سياسية واجتماعية واقتصادية منذ عقود، يستحيل التخلص من آثارها قريباً. تلك المشكلات لم تقض على المجتمعات العربية عامةً، والمصرية خاصة، لذا يصعب للغاية القول بموت أو نهاية سينما ما، فستظل المحاولات والنجاحات فردية، أكانت مصرية أم عربية”.