محمد هاشم عبد السلام

قبل إعلان ألبيرتو باربيرا، المدير الفني لـ”مهرجان فينيسيا السينمائي“، أفلام الدورة 82 (27 أغسطس/آب ـ 6 سبتمبر/أيلول 2025)، تساءلتُ بدهشة: إنْ كانت أفلام لوكا غوادانينو وغاس فان سانت وجوليان شنايبل وصوفيا كوبولا وفيرنر هيرتزوغ وألكسندر سوكوروف وغيرهم ستعرض خارج المسابقة، فماذا هناك للمسابقة الرئيسية؟

بعد دقائق قليلة، اختتم باربيرا إعلانه ببرمجة أفلامٍ لإليديكو إنييدي وجيم جارموش ويورغوس لانتيموس وغييرمو دِلْ تورو وكاترين بيغولو ولازلو نيميش وباولو سورينتينو، وغيرهم، لتتفاقم الدهشة من قدرة الرجل، في سنوات قليلة، على جذب كلّ هذه الأفلام والأسماء والنجوم، مُؤكّداً تفوّق المهرجان على نفسه، وعلى غيره، دورة تلو أخرى، ليصبح “فينيسيا” بإدراته، وبجدارة، الأهمّ والأكثر فنيّة ومصداقية.

بعيداً عن برمجته المسابقة الرئيسية، ستشهد منافسة “شرسة” لأسماءٍ مُكرّسة وأخرى طامحة، وبخلاف قوّة البرمجة وتنوّعها في مختلف الأقسام، هناك تغييرات مُفاجئة وغير مُعلنة مسبقاً، أوّلها إلغاء قسم “آفاق إكسترا”، المُدَشَّن في الدورة 77 (عام 2020)، والمُقام أصلاً بوصفه جزءاً من تطوير قسم “آفاق”.

في إعلان “آفاق إكسترا”، قيل يومها إنّه سيُركّز على أفلامٍ تُظهر تجريباً وتنوّعاً في الأسلوب والرؤية، وذات مواضيع غير تقليدية، وإنّه يُفسح مجالاً لأعمال روائية ووثائقية غير كلاسيكية، كما خُصّصت به جائزة تُمنح بناءً على تصويت الجمهور.

المُثير أنّ “آفاق إكسترا” نفسه حَلّ محلّ قسم “سكونفيني (Sconfini)”، الذي أُنشئ عام 2018 لعرض أفلامٍ طليعية وتجريبية، أو هجينة، أو منتمية إلى “آرت هاوس”، أو سلاسل تلفزيونية. ألغي القسم في دورة عام 2020 بسبب الإجراءات المرتبطة بتفشّي كورونا، وضرورة تقليص برنامج العروض لإتاحة المقاعد لأفلام الأقسام الرئيسية فقط. ثمّ أُلغِيَ “سكونفيني” عام 2021، واستُبدِل بـ”آفاق إكسترا”، مع الاحتفاظ ببعض خصائص القسم المُلغى، والتركيز على أنْ تزيد مدّة الأفلام المعروضة عن 60 دقيقة، وألّا يتجاوز عدد أفلامه 10.

هذا العام، تغيّر فجأة عنوان “آفاق إكسترا” (مع الإبقاء على مقوّماته وسماته وعدد أفلامه)، فأصبح “أضواء فينيسيا”، وهذا من دون سبب أو مبرّر. المثير أنّ غالبية الأفلام المختارة للقسم (ثمانية ـ تسعة أفلام فقط)، لا تتوفّر فيها العناصر المُعلَنة، أو التي تستهدفها برمجته، فغالبيتها ذات طابع كلاسيكي، ما يدعو إلى التساؤل عن آلية برمجتها، أو تدشين القسم نفسه، المُتغيّر عنوانه أكثر من مرّة.

هذا تُؤكّده مثلا طبيعة الأفلام العربية المعروضة فيه منذ إطلاقه، كـ”جنائن معلّقة” (2022) للعراقي أحمد الدراجي، و”نزوح” (2022) للسورية سؤدد كعدان، وأخيراً “البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو” (2024) للمصري خالد منصور.

كما ألغى القسم المُستقل “عروض خاصة”. وتمّ تغيير اسم القسم الفرعي “عروض خاصة”، المُدرج “خارج المسابقة”، وبات عنوانه “عروض سينمائية وموسيقية خاصة خارج المسابقة”، ما يُثير تساؤلات عدّة عن إلغاء قسم، وتغيير عنوان آخر، أو ماهية برمجة قسم فرعي للعروض الخاصة به (أربعة أفلام فقط).

وفقاً للتقسيم الجديد، أصبحت البرامج/الأقسام الرئيسية سبعة: المسابقة الرئيسية، خارج المسابقة، آفاق، أضواء فينيسيا، كلاسيكيات فينيسيا، أفلام الواقع الافتراضي، أفلام بينالي الجامعات. إضافة إلى تظاهرتين فرعيتين: “أسبوع النقّاد”، و”أيام المؤلّفين”.

مُتغيّرات أخرى: وَقْف التعاون مع لورينزو ماتوتي، الفنان التشكيلي والمُصمّم الإيطالي لملصقات المهرجان، منذ الدورة 75، وصاحب البصمة المتميّزة في تصميم الملصقات السابقة، واستبداله بالإيطالي مانويل فيور، رسّام الكاريكاتور المعروف، ودارس العمارة في فينيسيا، قبل تحوّله إلى فنّ الرواية المُصوّرة. ورغم ما ينطوي عليه تصميم فيور من جماليات وفنيات ووجهة نظر خاصة، وإبراز دور العمارة الفينيسية، إلا أن المهرجان فَقَد الهويةَ البصرية المميّزة لملصقات دوراته الماضية.

أيضاً، وخلافاً للدورات السابقة، قُلِّص عدد أعضاء لجنة تحكيم المسابقة الرئيسية إلى سبعة أفراد، بدلاً من ثمانية، كما في العام الماضي. هذه ليست مصادفة، مع التنبّه إلى تقليص عدد أعضاء لجنة تحكيم “آفاق” إلى خمسة فقط، بدلاً من سبعة سابقاً. أمّا عدد أعضاء لجنة تحكيم “مسابقة العمل الأول ـ لويجي دي لورنتس”، فبات ثلاثة بدلاً من خمسة.

إلى هذه التغييرات، التزم المهرجان، كعادته، العدد نفسه للأفلام المبرمجة في كلّ قسم، وإنْ كانت برمجة الأفلام، خاصة القصيرة، تُثير حيرةً، إذْ يسهل ببساطة ضمّ هذه الأفلام في برنامج واحد، عوضاً عن توزيعها في “آفاق للأفلام القصيرة” و”آفاق للأفلام القصيرة خارج المسابقة”، وهذا القسم يحتوي على فيلمٍ واحد فقط. أيضاً، تخصيص قسم فرعي منبثق من قسم “خارج المسابقة”، لعرض ثلاثة أفلام قصيرة في “أفلام قصيرة خارج المسابقة”. هذا بخلاف أفلام الطلبة القصيرة، المُدرجة أصلا في قسم “آفاق”، أيضاً.