كارلوفي فاري – محمد هاشم عبد السلام
29 يونيو 2023
تحرص برمجة الأفلام المتنافسة في مسابقتي الدورة الـ57 لـ”مهرجان كارلوفي فاري” على تمثيل أكبر قدر ممكن من الأنواع السينمائية، والتنوع في الموضوعات، ومخاطبة مختلف الأذواق. الحب، والإيمان، والصداقة، والخوف من الوحدة والمستقبل والعالم، و مفهوم العودة إلى الوطن أو الهجرة، سواء كانت جسدية أو مجازية، وغيرها الكثير، من الموضوعات المنتقاة من جانب فريق البرمجة. وذلك بعد مغامرة مشاهدة فريق البرمجة لما يقرب من 2000 فيلم، وفخرهم باختيار الأعمال المُشاركة في دورة هذا العام. يكمن الجوهر دائمًا في كيفية اختيار وبرمجة وتوليف مجموعة متنوعة من الأفلام الخالقة لتوازنات نوعية وجغرافية وفنية. “التنوع لا يقتصر على المحتوى الفني فحسب، بل يمتد جغرافيًا، أيضًا”، وفقًا لما ذكره كاريل أوخ، الذي يُكمل، مع هذه الدورة، عامه الـ13 كمدير فني للمهرجان.
الكرة البلورية
في المسابقة الرسمية للمهرجان “الكرة البلورية”، تتنافس 9 أفلام فى عروضها العالمية الاولى، إضافة إلى فيلمين كعرض دولي أول. انطلاقًا من فيلم الكندي باسكال بلانت، “الغرف الحمراء”. وتدور أحداثه حول امرأة مهووسة بقاتل متسلسل أثناء المحاكمة. وذلك في إطار قصة مثيرة حول الانجذاب الخطير إلى الشر. تُنافس السينما اللبنانية بالوثائقي “الرقص على حافة بركان” لسيريل عريس. يستعرض المخرج كيف دمر انفجار كارثي في مرفأ بيروت، فى 4 أغسطس 2020، ليس فقط جزءًا كبيرًا من العاصمة اللبنانية، بل أيضًا ما بقى من آمال سكانها فى حياة كريمة. تشل الصدمة طاقم الفيلم، في منتصف الإنتاج، حيث أصبحت مسألة الاستمرار فى متابعة مشروع أحلامهم أكثر تعقيدًا. وذلك من خلال فيلم عن خلق فيلم يطرح حالة بلد رائع مريض، أمام معضلة كبيرة، هل يجب أن يبقى المرء في وطن محبوب، حتى لو كان ذلك يعني العيش دون كرامة إنسانية؟
في حين تقدم الإسبانية إيتساسو أرانا في “الفتيات بخير”، حكاية صيفية عن التعايش بين أربع ممثلات وكاتبة تتدرب على مسرحية، وذلك فى مطحنة قديمة معزولة عن العالم. وذلك حتى يتاح للفتيات التعرف على بعضهن البعض والأفكار التى يطرحها العمل، عن الحب، والجمال، واليتم، والإيمان، والصداقة، والتمثيل، والموت. يقدم التشيكي توماس كلاين في “شخص حساس”، رؤية هزلية قاتمة للجانب الآخر من الحياة. وذلك في دراما يحاول فيها الأب مور، الممثل المتجول، وزوجته مام، وابنيهما، العودة إلى الديار. الدخول فى عداء مع الظروف والواقع والحياة تجبر البطل على اكتساب الحكمة والنظر للحياة بمنظور آخر. الفيلم تجربة سينمائية حول الحب والخوف من الوحدة والعزلة والفقد والتقدم في العمر.
للسينما الإيرانية حضورها المتعدد والبارز في دورة هذا العام. في المسابقة يُنافس “فيرمونت”، لباباك جلالي الإيرانى البريطاني. وهو دراما بالأبيض والأسود تدور أحداثها حول مترجمة أفغانية سابقة للقوات الأميركية تعمل الآن فى مصنع لكعكات الحظ فى فريمونت، بأميركا. الوحدة والأرق من المشاكل التى تحاول الشابة معالجتها، فى البداية بمفردها، وبعد ذلك بمساعدة مُعالج غريب الأطوار. ليس من الواضح ما إذا كان من الصعب عليها التصالح مع ماضيها المؤلم أو وجودها الحالي المضطرب، وذلك في إطار كوميديا قاتمة حول السعي لاكتشاف الذات.
ومن إيران أيضًا ينافس “الشِباك الفارغة” لبهروز كراميزادة. وذلك في إطار درامية واقعية تدور في إيران المعاصرة، التى تتجنب أو تعادي الحق فى الحب. تتمحور الأحداث حول حبيبين، أمير ونرجس، يصادفهما سوء حظ عبثي للغاية، يقف بالمرصاد أمام حبهما وطموحاتهما وأحلامهما.
في الفيلم البلجاري “دروس بلاجا” لستيفان كومانداريف، المعروف بانتقاده المنهجي للأوضاع الاجتماعية في بلجاريا ما بعد الشيوعية، تتمحور الأحداث حول شخصية بلاجا، الأرملة المستقيمة الصارمة المتقاعدة مؤخرًا، بعد طول عمل في مجال التدريس، وكيف تنقلب حياتها بعد عملية نصب تتعرض لها. أما الفيلم التشيكي “لم نكن معاصرين أبدًا” لماتي هوباتشيك، فعبارة عن دراما بوليسية مثيرة، ذات منظور إنساني تقدمي عميق حول مديرة مصنع، على وشك الوضع، تعثر فجأة على جثة رضيع، حديث الولادة، في فناء المصنع الخاص بها.
في الإيطالي “حيث تهب الرياح” لماركو ريجي، يقدم تفسيرًا بسيطًا بشكل استثنائي للحياة الدينية في العهد الجديد. وذلك من خلال شخصية أنتيمو العامل الزراعي الورع، الراغب في الوصول إلى جوهر الإيمان بعيدًا عن أية تقعيدات. خاصة المتعلق منها بالكنسية وطقوسها. وفي “القديس المواطن” للجورجية تيناتين كياريشفيلي، تستعرض المخرجة عبر حبكة ساخرة، بالأبيض والأسود، قصة اختفاء قديس الصليب، في بلدة تعدينية، أثناء إصلاح التمثال. وكيف قرر القديس العيش بين البشر. تتساءل المخرجة عما يريد الناس أن يؤمنوا به بالضبط، وهل للقديسين أهمية أكبر كرموز جامدة أو أن لهم الحق فى الوجود كبشر أحياء؟
أخيرًا، ينافس “التنويم المغناطيسي” للسويدي إرنست دي جير، والذي تدور أحداثه حول أندريه وفيرا، شريكان في الحياة والعمل يحاولان إطلاق تطبيق للصحة الإنجابية، عبر شركة ناشئة تهدف إلى جذب انتباه المستثمرين المحتملين، وتأتي التجربة بآثار غير متوقعة. يتناقش الفيلم كيف يشجعنا المجتمع الفردي على أن نكون أنفسنا، ومع ذلك، يظل متشددًا في مطالبه المتعلقة بالطريقة التي يجب علينا التصرف بها.
بروكسيما
في مسابقة “بروكسيما“، التى دُشِنت العام الماضي كبديل لمسابقة “شرق الغرب” وتتسم أفلامها بالتجديد والتجريب والابتكار والخيال الجامح، تتنافس تسعة أفلام روائية وثلاثة وثائقية. الإيراني “المادة المظلمة” لكريم لاكزاده. تدور أحداثه حول ممثل وممثلة يجتمعا معًا أثناء اختيار فريق فيلم. ورغم إنهما لا يحصلان على الدورين المناسبين، إلا أنهما يقرران صنع فيلمهما الخاص، بدلا من ذلك. وذلك بتحديهما لقواعد كثيرة ومعوقات جمة في صناعة السينما، وعلى رأسها الرقابة.
الوثائقي “أرسيني. آخرة مُذهلة” للروماني ألكسندرو سولومون، يتناول شخصية أرسيني. وهو كاهن وعالم لاهوت وصوفي اضطهده النظام الشيوعي. وصار مقدسًا لدى العديد من المؤمنين، رغم أنه لم يكن كذلك. يعيد المخرج تمثيل مشاهد من حياته، ومناقشة المعجزات المنسوبة إليه، والتأمل في الحالة الراهنة لعالم ومجتمع متناقض يسعى إلى الحفاظ على الإيمان بالمعجزات في عصر مليء بالمعلومات المتناقضة والتهديدات العالمية.
تقدم الكورية الجنوبية جي يونج يو، في “ولادة”، علاقة حب شائكة بين شابين. كاتبة ومدرس. وكيف كانت علاقتهما تسير بانسجام وتناغم إلى أن يحدث حمل، لم يكن مرغوبًا، يعوقهما عن التقدم في مسيرتهما. ما يجعل علاقتهما معًا على المحك، ويثير تساؤلات كثيرة حول الحب والزواج والعيش المشترك والتضحية، إلخ.
في التشيكي “حرارة شديدة” لألبرت هوسبودارسكي، تدور الأحداث في إطار خيالي فانتازي. حيث تنفصل قطعة هائلة الحجم من الشمس، وتتجه نحو كوكب الأرض، الذي ترتفع درجة حرارة سطحه بشكل غير متوقع ولا متخيل. وطبعًا، لا يمكن تصوره، إذ ليس معروفًا ما هي درجة الحرارة التي يبدأ معها الجسم البشري في الذوبان بفعل الحرارة. هذا كله ضمن سياق حبكة تتناول حياة مراهق، 18 سنة، يضل طريقه في هذه الأثناء، إلى كوخ عائلته في الغابة.
في الكولومبي “أغنية أوريكانتوري” لكاميلا رودريجيز تريانا، اعتقدت روسيو لسنوات عديدة أن والدتها ألبا ماتت. وتلتقيها للمرة الأولى منذ أن كانت طفلة. بينما تبحث روسيو عن طريقة للتواصل مع والدتها، يموت الناس في الجوار، ويزداد التوتر في مواجهة مستقبل غامض. دراسة حميمة عن حب الأم، في جو قوي من الخوف والضيق والرعب الناجم عن هواجس الشر. يدور “الأطفال المفقودون” للبلجيكية ميشيل جاكوب، حول أودري، 10 سنوات، وإخوتها الثلاثة، وقد وجدوا أنفسهم متروكين في منزل قديم. حيث كان من المفترض أن يقضوا عطلتهم الصيفية مع والدهم، لكنه اختفى فجأة ليلا. ينتظر الأطفال عودته عبثًا. وسرعان ما يدركون أنه سيتعين عليهم الاعتناء بأنفسهم. وهو أمر لن يكون سهلاً، في ظل الغابة المحيطة بالمنزل المنعزل، وحدوث أشياء غريبة، خاصة بعد حلول الظلام. وعلى الصغار مواجهة كل هذا في رعب نفسي وخوف وهواجس لا تهدأ.
في الهندي “جوراس” لسوراف راي، تدور الأحداث في شمال الهند، حول طقوس قروية ذات طبيعة درامية غير متوقعة. وذلك بعد اختفاء كلب الفتاة المحبوبة جوراس، ذات التسع سنوات. وتدور الإشاعات حول سرقته من قبل شخص من القرية المجاورة، أو أكله النمر الشارد في المنطقة.
لا يطمح العشريني عدن إلا ليكون ممثلا. يبذل جل جهده ويرتكب الكثير من المغامرات والمحاولات والحماقات، بحثًا عن العمل أو الدور المناسب، والشخصية الراغب في تجسيدها. وذلك في فيلم “في الكاميرا” للبريطاني نقاش خالد. ويناقش الفيلم أخلاقيات العمل التجاري ومفهوم الهوية، المتعدد المستويات والمشكوك فيه أيضًا. في الوقت نفسه، استكشاف موضوعات محددة بنبرة اجتماعية نقدية، لا تخلو من إنسانية وفكاهة.
في اليوناني “جنين اليرقة” لكيروس بابافاسيليو، يعيش بينيلوب وإيزيدوروس في عالم رومانسي خاص بهما، يومًا تلو الآخر. لكن ذات يوم، فجأة، لا يعود يعرف أحدهما الآخر. حيث يتوقف تدفق الزمن. وتظهر الأيام بشكل عشوائي، الماضي والحاضر والمستقبل. جالبة علاقة تتغير باستمرار، في فيلم خيالي عن مفارقات الزمن والمكان والعلاقات الرومانسية وغيرها.
تدور أحداث البولندي “إيماجو” لأولجا تشايداس، في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، قبل هبوب رياح التغيير في بولندا الشيوعية. وذلك من خلال سرد حياة الشابة والفنانة إيلا، التي تكافح شياطينها الداخلية، والخارجية أيضًا، ممثلة في دولة ونظام ومجتمع. وتوق للحب، تستعوضه عن التدخين الشره والكحول وحياة الليل.
في الوثائقي الفرنسي، “الحفاظ على أمي” لإميلي بريسافوين، تدور الأحداث حول عائلة المخرجة إيملي. في ملحمة ساحرة حميمة، تغوص في أعماق الروح. مطلقة صرخة سينمائية قوية من مخرجة تسبر بعمق وصدق أغوار وآثار الحب والمشاعر والعواطف والعلاقات الأسرية. وذلك بعد ثماني سنوات على عرض فيلمها الأخير، “أوه لا لا بولين!” (2015)، في مهرجان “كان”. في السويسري “قل وداعًا” لتوماس إمباخ، يتحدث المخرج عن “إله السينما”، جان لوك جودار، كمخرج وإنسان. في محاولة لتكريم جودار، وإقناعه بالتصوير معه، عبر يوميات أصلية ومرحة، على iPhone وعلى 35 ملم. وذلك من خلال فيلم طريق يحاول أن يقربنا من جودار، ويرينا العالم من خلال السينما.