محمد هاشم عبد السلام

منذ أعوام، بدأ الصحافيون والنقاد يشتكون من مشكلة صعوبة إجراء مقابلات صحافية مع النجوم، بخاصة في المهرجانات السينمائية الكبرى. وذلك بعد تكرار التأجيل أو الإلغاء، أو اختصار الوقت، أو المطالبة بمقابل مالي، يبلغ أحياناً آلاف اليوروهات.

قبل عامين تقريباً، بعدما كان إجراء مقابلة يسيراً، وطلب مُشاهدة فيلم قبل عرضه الرسمي، لغرض المقابلة، باتت الأمور مستحيلة، والمقابلات تُعقد بحضور أكثر من صحافي في الجلسة نفسها، والجميع يطرحون ما يتيسّر من أسئلةٍ، في فترة زمنية وجيزة.

العام الماضي، في مهرجان فينيسيا، بعد موافقة عسيرة على إجراء مقابلات مع ممثلي “الجوكر“، أجبرت “وارنر براذرز” الصحافيين على عدم تسجيل الصوت، وأكّدت أنّ الملفات الصوتية والمواد التحريرية سترسل لاحقاً. هذا صار يحدث في كلّ مقابلات تطبيق “زووم”، إذْ لا يُسمَح لصحافي أو ناقد تسجيل الصوت والتقاط الصورة، في نسخة احتياطية، أو لأغراض التحرير. ممارسة اعتُبرت رقابية، ومثيرة للمشاكل في حال طرح أسئلة جدالية، أو حصول لُبسٍ، واضطرار الصحافي للدفاع عن نفسه. كما تعني أنّ “وارنر” وغيرها باتت مُتحكّمة في عمل الصحافيين، والسيطرة عليهم، وتدجين ما ينشر، وجعل المهنة أداة لحملات التسويق، واعتبار عملهم امتداداً للعلاقات العامة.

بعد احتدام الأمور في فينيسيا، وقّع أكثر من 100 صحافي دولي رسالة مفتوحة للتنديد بصعوبة الوصول إلى النجوم، وللتحذير من أنّ الصحافة السينمائية مُعرّضة لخطر الانقراض، إذا استمرّ مسؤولو الاستديوهات والوكلاء والموزّعون في هذا السلوك.

ثم تفجّرت الأمور بعد عرض “مودي” لجوني ديب (إخراجاً وتمثيلاً)، في مهرجان سان سيباستيان، العام الماضي. إذْ دُعي 12 صحافياً دولياً فقط إلى مائدة مستديرة بطاولتين، مع ديب وبعض النجوم، وتخصيص 15 دقيقة فقط لكلّ طاولة. رغم هذا، وافق الصحافيون، لكنْ على مضض. وبذريعة ضيق الوقت، أُبلغوا لاحقاً بإجراء المقابلة في مجموعة واحدة من 12 شخصاً، لـ20 دقيقة، ما أثار اسيتاءً وغضباً، فكان قرار بالتراجع والانسحاب، وعدم تغطية الفيلم أصلاً.

جوني ديب- مقاطعة لقاءات معه مخرجاً وممثلاً.

صُعِّد الموقف، بخاصة أنّ غالبية الصحافيين ليسوا موظّفين، ويدفعون من مالهم الخاص، ويعتمدون على هذه المقابلات، التي تحظى بالنشر والقراءة، أكثر من غيرها. إثر هذا، هدّد البعض بالضغط على وسائلهم الإعلامية لمقاطعة الأفلام والفنانين الذين يحرمونهم من المقابلات، ووصل الأمر إلى التهديد بمقاطعة المهرجانات نفسها، والعزوف عن التغطيات والكتابة، وترك مراجعات الأفلام وكتابة النقد للذكاء الاصطناعي؛ وإلى أنّ الفنانين، غير المؤمنين بدور الصحافة وأهمية المقابلات، وتخصيص دقائق من وقتهم في المهرجانات لهم، لا داعٍ للاهتمام بهم أساساً.

الضغط على المهرجانات ينبع من كونها معنية، أصلاً، بالتغطيتين الصحافية والنقدية للأفلام والنجوم، ومن أنّ تكريسها لهذه الأوضاع الخاطئة يدفع الإعلام إلى هجر المهرجانات، فيبقى حينها هواة ومعجبون ومؤثّرون وصنّاع محتوى.

في الدورة الأخيرة لمهرجان برلين، اختلف الأمر قليلاً، ربما لقلة الاستديوهات الكبيرة المشاركة، أو ندرة حضور النجوم. استجابت تريشيا تاتل، مديرة المهرجان، للضغوط، ووافقت على عقد حلقة نقاشية، من محاورها إقناع وكلاء المبيعات وشركات الإنتاج والتوزيع أنّ نشر المقابلات، وإثارة النقاش والنقد حول الأفلام، وسيلة جيدة للتسويق وجذب الجمهور. كما طُرح سؤال رفض إجراء المقابلات الثنائية أو الجماعية، أو دفع أي مقابل مادي: “إنّ نقد الأفلام بالغ الأهمية، وقلّة المشاهير المتاحين لإجراء المقابلات يمثّل تحدّياً. كمهرجان، نتواصل أكثر مع الاستديوهات. ورغم صعوبة تغيير الأمر، سنواصل دعم النقد السينمائي، لأنّه أساسي لمنظومة السينما” (“المراجعة” الألمانية، 18/ 12/ 2024).

التصريح نفسه، تقريباً، ذكره ألبيرتو باربيرا، المدير الفني لمهرجان فينيسيا: “نعلم أنّ هناك مشكلة تواجه الصحافيين في الحصول على مقابلات مع النجوم. لكنْ، مٌجدّداً، هذا خارج عن سيطرتنا. إنّه قرار فريق الإنتاج، أو الوكيل الصحافي لكلّ فيلم. نحاول إقناعهم بأنْ يكونوا أكثر انفتاحاً ووجوداً. هذه مشكلة كبيرة، لكنّي لا أعرف ما الذي يمكن فعله لحلّها” (“هوليوود ريبورتر” الأميركية، 22/ 7/ 2025).

يؤكّد كلام باربيرا أنّ الاستديوهات والوكلاء والموزّعين لا يعبأون كثيراً، ويفعلون ما يخدم مصالحهم فقط، وأنّهم يرون إمكانية تجاوزهم الصحافة التقليدية في العصر الحديث، عبر تغطيات وسائل التواصل والمؤثّرين والدعاية، وهذه وسائل يسهل التحكّم بها، وتوجيهها لصالحهم بشكل أفضل. بينما الصحافة وسيلة قديمة، لا أحد يهتمّ بها، وليست المحرّك الرئيسي لاستراتيجية الترويج والتسويق، والصحافيون والنقاد فقدوا حصريتهم وقوتهم، ولا حاجة ملحّة إليهم وإلى مطبوعاتهم.

كما طُلب من مديري المهرجانات عدم إذاعة المؤتمرات الصحافية على الهواء مباشرة، وتأجيل البثّ إلى أوقات لاحقة، لعدم إفساد عمل الصحافة، والإضرار بالصحافيين. إذْ بات آلاف متابعي وسائل التواصل الاجتماعي ينسخون ويترجمون جهود الصحافيين، ويربحون من عوائد نشر الروابط، التي تصل إلى مئات آلاف المتابعين، من دون أي جهد يُذكر منهم. بينما يعاني الصحافيون مشقّة السفر والتكاليف المرتفعة، والانتظار في صفوف طويلة، وبذل وقت وجهد، للتمكّن من حضور المؤتمر الصحافي، وطرح سؤال واحد على الأقلّ، لتكون المفاجأة أنّ ما يُحرّر ويُنشر بُثّ ونُشر فعلاً.

تزخر الدورة 82 (27 أغسطس/آب ـ 9 سبتمبر/أيلول 2025) لمهرجان فينيسيا بنجوم الصف الأول، وبمخرجين تُنتظر أفلامهم بقوة. فهل تتكرّر مشاكل الدورة الماضية، وتتسبّب الحوارات الصحافية بتفجير أزمة كبرى؟ هل تتعمّق أكثر صعوبات وتحدّيات مهنةٍ اندثرت منها، تقريباً، المقابلات السينمائية، الحصرية والمعتادة، مع النجوم وكبار المخرجين؟