برلين – محمد هاشم عبد السلام
عرض اليوم ضمن فعاليات المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي الخامس والستين، فيلمان من روسيا وألمانيا. الأول بعنوان “تحت السحب الكهربائية” للمخرج الروسي ألكسي جيرمان الابن، والآخر بعنوان “كل شيء سيكون على ما يرام” للمخرج الألماني فيم فيندرز.
تحت السحب الكهربائية
يقدم المخرج وكاتب السيناريو الروسي ألكسي جيرمان الابن، في التاسعة والثلاثين من عمره، في فيلمه الثامن الشديد التميز والتجديد، والذي حمل عنوان تحت السحب الكهربائية، ملحمة معاصرة، تواصلت على مدى يزيد عن ساعتين ونصف الساعة، لروسيا الحديثة، وذلك عبر ثمانية أجزاء متفاوتتة الطول، يحمل كل منها عنوانًا منفصلا.
عبر رؤية بصرية وقوية ومبتكرة إلى حد بعيد جدًا، لم تستمر على هذا النحو للأسف على امتداد الفيلم بأكمله، تدور أحداث تحت السحب الكهربائية في عام 2017، أي بعد مرور مئة عام على وجه التحديد على الثورة الروسية. والقاسم المشترك في الفيلم، نراه ماثلا على نحو رمزي في إحدى نطحات السحاب غير المكتملة، ويبدو أنها ستظل غير مكتملة، حيث أنها الرابط الذي يظهر في جزء من أجزاء فيلم أكسي جيرمان. والذي يدور كل منها حول شخصية من الشخصيات أو مجموعة شخصيات، التي تحكي عن نفسها ومشكلاتها وهمومها أو تناقش قضايا عامة وذلك داخل سياق قصة ذلك البناء غير المكتمل.
كما تتحدث معظم شخصيات جيرمان الابن في الفيلم عن مصيرها ومصير كوكب الأرض، وتندب أحوالها وتطرح أسئلة من دون أجوبة أو توجيه اللوم لأحد أو التحدث عن سبل ما للخروج من المأزق الروحي والنفسي والأخلاقي الملتبس والمحبط الذي تعيش فيه تلك الشخصيات. وهي جميعًا تحمل رؤى ووجهات نظر مختلفة تشكل معًا في النهاية فسيفساء رمزية، جمع فيها ألكسي بين ماضي وحاضر ومستقبل روسيا المتناقض.
“رحل الماضي. ويمكننا بناء عالم جديد. فقط يلزمنا التخلص من بعض الأحمال الميتة”، تقول فتاة شابة في الفيلم، والعبارة الواضحة، إلى جانب ناطحة السحاب، وكذلك تمثال لينين القبيح، الذي ظهر كثيرًا طوال الفيلم وهو يمد يده اليمنى صوب المجهول، وغيرها من الرموز التي توضح دون شك ما يرمي إليه ألكسي فيما يتعلق، بمصير روسيا المعاصرة، المثقل تاريخها بكثير من الأحمال التي لا تزال الأجيال الجديدة تحمل عبئها وتحاول الفكاك منها.
كل شيء سيكون على ما يرام
في العرض الثاني من عروض المسابقة اليوم، كان العرض العالمي الأول لفيلم فيندرز الجديد “كل شيء سيكون على ما يرام”، وهو فيلم ثلاثي الأبعاد، من بطولة جيمس فرانكو وشارلوت جينسبرغ وراشيل ماك آدامز.
جدير بالذكر أنه قد وقع الاختيار على فيم فيندرز، مواليد عام 1945، من جانب مهرجان برلين لمنحه جائزته التكريمية لهذا العام. وبهذه المناسبة، تعرض عشرة من أهم أفلام فيندرز، في إطار العروض التكريمية. والمعروف أيضًا أن فيلم فيندرز التسجيلي “ملح الأرض” من الأفلام المرشحة بقوة هذا العام للفوز بأوسكار الأفلام التسجيلية مع إعلان الجوائز بعد أيام قليلة.
أما فيلم فيندرز الجديد، كل شيء سيكون على ما يرام، وهو لكاتب السيناريو النرويجي “بيورن أولاف يوهانيسن”، وتصل مدة عرضه لما يقترب من ساعتين، فيتناول بقدر يتسم بشيء من التجديد قصة الكاتب الروائي “توماس”، الذي يعاني نفسيًا على نحو عميق، ولا يستطيع التصالح مع نفسه ولا مسامحتها، وذلك على امتداد سنوات طويلة، امتدت لاثنتي عشرة عامًا، كادت فيها حياتها أن تتقوض كلية، رغم محاولته تجاوز ما حدث، والوقوف على قدميه مجددًا، واستئناف الكتابة وتحقيق مجد شخصي لنفسه، وتكوين أسرة، بعد فشل علاقته، عقب الحادث الذي تعرض له وأثر على مجرى حياته كلية.
كان توماس قد ارتكب، عن دون قصد، حادث سير تسبب في مقتل طفل بسيارته، وهو الذي يعاني من عدم الإنجاب. وبالرغم من تصالحه نوعًا ما مع والدة الطفل، إلا إن علاقته بكريستوفر، شقيق القتيل، الذي لم يُصب في الحادث، تظل هي حجر العثرة أمام تكيف توماس مع ما حدث ومواصلة حياته على النحو الذي يبغيه، من دون إحساس بالذنب. ولم يكن هذا ليحدث، في النهاية، لولا اقتراب كريستوفر المفاجئ، بعدما بلغ السابعة عشر من عمره، من توماس وتصالحهما على نحو ما، الأمر الذي رسم الابتسامة في النهاية على وجه توماس، الذي ظل كئيبًا وحزينًا طوال الفيلم.
نحن، دون أدنى شك، أمام مخرج كبير مسيطر على كل شيء بداية من السيناريو إلى التمثيل والكادرات، باختصار، أمام فيلم متقن بالفعل ومحكم البناء جدًا، وأمام مخرج يعرف ما يفعله. لكن، في النهاية، لا بد من طرح تساؤل لا مفر منه، هل هذا هو فيم فيندرز بالفعل؟ صاحب ثلاثية الطريق وغيرها من الأفلام البديعة على امتداد مشواره المهني، وحتى فيلمه التسجيلي الأخير الشديد القوة؟ ما الذي يحدث للمخرجين الكبار عندما يصلون لمرحلة متقدمة من العمر، والأمثلة عديدة وهي ملحوظة حتى في مسابقة البرلينالة هذا العام.
كتب البرلينالة
كعادته منذ عام 2006، افتتح اليوم على هامش المهرجان، وفي إطار سوق الفيلم الأوروبية، وبالتعاون مع معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، “كتب البرلينالة”، وهو المعرض الخاص بترويج الكتب التي اختارها المهرجان، وذلك لكي تعمل شركات الإنتاج على تحويلها إلى أفلام في المستقبل القريب. وقد تم اختيار أحد عشر كتابًا فى هذه الدورة من بين مائة وثلاثين كتابًا من 25 دولة، والأحد عشر كتابًا اختير كتابها من الدول التالية: بريطانيا، وألمانيا، والسويد، وإيطاليا، والدنمارك، والنمسا، وفرنسا، وهولندا، وفنلندا.