محمد هاشم عبد السلام
عن دار ميريت للنشر والتوزيع في القاهرة صدر مؤخرًا، العمل الإبداعي الجديد للكاتب الشاب مصطفى ذكرى، الذي ينتمي إلى جيل التسعينات الأدبي في الكتابة المصرية.
يشذ الكتاب، عن قصد، عما اعتدناه من تصنيفات سابقة للأعمال الإبداعية المتعارف عليها. مجموعة قصصية أو رواية أو نصوص، إلى آخره. ما دعا الكاتب والناشر أيضًا إلى عدم إلصاق أي تصنيف عليه، قد يضعه تحت طائلة ما المتعارف عليه أو المعتاد.
وعليه يتيح ذكري منذ البداية فرصة للقارئ أن يفتح الكتاب من أي صفحة يريدها ليبدأ القراءة. فهو ليس برواية يحتاج القارئ إلى متابعة تسلسلها الدرامي الخاص بالأحداث أو الشخوص. والأمر نفسه مع من سيعتقد أنه مجموعة قصصية تحتوي على عدة قصص متفاوتة، من حيث الحجم أو الجودة إلى آخر ما هو شائع في المجموعات القصصية.
الأغرب من هذا أن قارئ الكتاب سيصاب بحيرة وشك شديدين، لأنه قد يفتح الكتاب متصفحًا الورقات الأولى منه، أو بضع صفحات في الوسط، أو مقتطفات من هنا وأخرى هناك، كما نفعل دائمًا قبل الشروع الجدي في القراءة، وعليه فسيفاجأ مثلاً بأنه قد قرأ نصوصًا مثل “سنوات، أو أجندة، أو تجربة، أو ساق اصطناعية”، وهي من نصوص الصفحات الأولى للكتاب. مستقلة بذاتها. مرة ثانية، لكن في منتصفه، وبشكل شديد الشبه بما كانت عليه في الصفحات الأولى، وبالتالي سيشك القارئ بعض الشيء في ذاكرته. ومن ثم، لن يكون له من خيار سوى أن يعود إلى أول الكتاب ليعيد القراءة من جديد، لكن بتأن وعمق. أو، أن يستطلع سريعًا بقية الكتاب. سواء قام بهذا أو ذلك فستكون النتيجة واحدة. حيرة شديدة، وشعور بالاضطراب. فثمة نصوص قصيرة تتكرر أكثر من مرة بكيفية مختلفة. وأخرى تقرأ أكثر من مرة، إما مفردة أو بعد إدخال تعديلات طفيفة عليها. وأخرى تأتي هي عينها لكنها موجودة ضمن سياق آخر مغاير تمامًا لما كان عليه الأمر في صفحات سابقة. وهذا واضح في “مرآة 202″، و”حياة ميتة”. وبذلك يكون الهدف الحقيقي الذي سعى إلى تحقيقه مصطفى ذكري دائمًا في جميع كتبه قد أنجز. حيث التلاعب بالقارئ أو معه، لكن هذه المرة بصورة مضاعفة. وأقول أنه قد حقق هدفه بشكل مضاعف هذه المرة، لأنه استطاع ليس فقط خداع القارئ عن طريق النصوص نفسها حيث- اللعب بتقنيات الزمن أو السرد المباشر الموجه للقارئ صراحة أو غيرها من الألعاب التقنية شديدة الحرفية، المميزة لكتاباته، وتلك وغيرها موجودة أيضًا في هذا الكتاب- لكنه يستخدم أيضًا التلاعب بالنصوص نفسها ككتل تتبدل وتتغير كأداة تقنية أخرى من أدوات الكاتب المصرح باستخدامها. وبذلك أيضًا يضع ذكري من يحاول عرض الكتاب (كاتب هذه السطور، مثلاً) في مأزق أشد صعوبة، لتعرض الأخير لحالة عجز عن تلخص أو سرد بعض موضوعات أو أحداث الكتاب أو التحدث عن شخصياته أو التيمات المستخدمة بالطريقة الشائعة، لإحساسه بأن هذا كله لا طائل تحته، بل وحتى تناول الكتاب بنقد عميق جيد واف يليق به ويبرز جمالياته الفنية، غير المعتادة، سواء للقارئ المتخصص أو غير المتخصص يبدو غير مفيد. وعلى ذلك لا يجد من يحاول عرض الكتاب سوى الاكتفاء فقط بالإشادة أو رفض نوع كهذا من أنواع الكتابة. من جهتي كقارئ للكتاب قبل أن أكون عارضًا له، لا يسعني سوى تقدير هذا الجهد اللافت للانتباه في أعمال ذكري بصفة عامة، الشديدة التميز عن غيرها من النصوص التي يطرحها سواه من الكتاب والأدباء المعاصرين.
صدر للمؤلف “تدريبات على الجملة الاعتراضية” قصص 1995 المجلس الأعلى للثقافة القاهرة،” هراء متاهة قوطية” رواية 1997 دار شرقيات القاهرة، “الخوف يأكل الروح” رواية 1998 دار شرقيات القاهرة، “لمسة من عالم غريب” قصص2000 دار شرقيات القاهرة.
كما قدم الكاتب للسينما: سيناريو فيلم ” عفاريت الإسفلت ” 1996، وسيناريو فيلم ” جنة الشياطين ” 1999.
الكتاب: مرآة 202
الكاتب: مصطفى ذكري
الناشر: دار ميريت القاهرة 2003
الصفحات : 88 صفحة من القطع الصغير