محمد هاشم عبد السلام

 

عن الهيئة العامة المصرية لقصور الثقافة صدر في سلسلة “آفاق السينما” العدد رقم 68، كتاب يحمل عنوان “أسرار النقد السينمائي، أصول وكواليس” من تأليف الناقد والسيناريست والأكاديمي السينمائي القدير دكتور وليد سيف. وقد جاءت فصول الكتاب الثمانية، الذي يبلغ حجمه 380 صفحة من القطع الكبير ومزود بأكثر من خمسين صورة للقطات من أفلام عربية وأجنبية، على نحو شيق جمع بين جفاف الأسلوب الأكاديمي والدراسي والبحث العلمي الجاد البالغ الرصانة وبين الخبرات الحياتية والإنسانية العذبة والمخاطبة الحميمية المباشرة للقارئ التي وصلت في بعض الأحيان إلى تحفيزه وتحريضه وحثه أيضًا. أما عناوين الفصول الثمانية فقد جاءت على النحو التالي: عن مفهوم النقد الفني، ومن مدارس النقد والفن، وفي النقد السينمائي، والنقد وتحليل الفيلم، والسينما وما بعد الحداثة، والنقد وفنون الدراما، ونحن وثقافة الفيلم الأجنبي، وأخيرًا الفصل الثامن الذي انقسم إلى ثلاث عناوين فرعية حملت عنوان، نحو خطاب نقدي جديد، وملف المقالات، وأخيرًا مسرد المراجع وتعريف بالكاتب.

يتناول الفصل الأول، “عن مفهوم النقد السينمائي”، ما يكتنف مفهوم النقد السينمائي من خلاف أو اختلاف في وجهات النظر حوله وتعدد الآراء الخاصة بوضع تعريف محدد له، بصرف النظر عن مناهجه واتجاهاته المتعددة والمتشعبة. وهو يرجع هذا الاختلاف وذلك التعدد إلى رؤية ومنظور وأسلوب كل ناقد وتباين خلفياته الثقافية والفنية والفكرية، ويرجعه أيضًا إلى الظروف والوقائع التاريخية ومنها الحروب وحركات التحرر وغيرها من الأحداث عبر مراحل مختلفة من الفكر الإنساني التي ساهمت دون شك في طرح وصياغة أفكار وفلسفات وأيديولوجيات شكلت وجهات نظر ورؤى واتجاهات ومدارس نقدية وفنية وفلسفية جاءت متباينة فيما بينها. وكيف أن عملية النقد تطورت وتقدمت وتعمقت على مدار حياتنا وباتت جد مركبة وتعتمد على الفكر والخيال والثقافة والمعرفة والقيم الجمالية والآراء الخاصة والظروف الاجتماعية والسياسية وغيرها من العوامل الكثيرة التي حالت في حصرها داخل تحريف جامع مانع.

ويتتبع دكتور وليد سيف في نقاط فرعية بهذا الفصل جذور العملية النقدية واختلاف النقد الجاد عن المفهوم العام والشائع للنقد لدى الغالبية العظمى من الناس، أي بين الإعجاب أو الإثارة أو الانطباع الذي يتركه عمل من الأعمال في نفس المتلقي وبين النقد الفني بمفهومه العلمي المحدد، ولذلك يرجع في إحدى النقاط إلى مصطلع النقد في لغتنا العربية ويسبر معناه من خلال المعاجم وغيرها من كتبنا التراثية، ثم يرصد تطور تلك المفردة “النقد” حتى استخدامنا الحديث لها اليوم بالمعنى المقصود والمتعارف عليه، ويفعل الشيء نفسه مع المصطلع في اللغة الإنجليزية، ويبين لنا كيف اتسع المفهوم الضيق والجامد للكلمة ليتفق، كما يقول، مع اتساع دوره وتنامي أهدافه واتساع أعماله، وكيف أن العملية النقدية اليوم لتتكامل أبعادها يجب أن تتضمن العمليات الأربع التالية: الوصف، والتفسير والتقييم والتنظير، حول فلسفة العمل الفني. ثم ينتقل بعد ذلك إلى تعريف النقد الفني كمجال معرفي، وكيف أصبح النقد “بمعناه الحديث أقرب لفن الحكم على نوعية الشيء الجمالي وقيمته مع القدرة على تصنيفه ووضعه في إطاره وسياقه الفني والتاريخي والمعرفي”. ويضرب لنا أمثلة في هذا الإطار نذكر منها الفيلم الروسي “المدرعة بوتمكين” والإيطالي “روما مدينة مفتوحة” والهندي “ثلاثية أبو” والفرنسي “قواعد اللعبة” والأمريكي “المواطن كين” والياباني “راشومون” والمصري “يوم أن تحصى السنين أو المومياء”.

ثم ينطلق بعد ذلك لتبيان أهمية النقد الفني ومدى الإمكانية الكبيرة التي يلعبها النقد في النهوض بالمستوى الثقافي للأفراد مما قد ينعكس على المجتمع بوجه عام. ولذلك كان على الدكتور وليد أن يتطرق في هذه النقطة إلى دور الناقد أيضًا، ومدى قدرته على التمييز بين الأعمال الفنية الحقيقية وغير ها من الأعمال، أو كما قال “ت. إس. إليوت”، بين الفن واللافن. ومن ثم كان على مؤلف الكتاب أن يتناول بالتحليل والتفصيل دور أو وظيفة الناقد والفنان وكذلك المتلقي، ثم يختتم هذا الفصل، بعد مناقشته لوظيفة الناقد وأهميته واستعراضه للآراء النظرية حول دور النقد ووجهات النظر المتنوعة حول الأغراض التي وجد من أجلها، برصده لثمانية نقاط أساسية يحدد فيها مدى الأهمية الكبير التي لعملية النقد الفني.

يتطرق الفصل الثاني، “من مدارس النقد والفن”، إلى المدارس النقدية وبداية ظهورها وترسخها منذ الحضارة الإغريقية وحتى وقتنا الراهن. ثم يناقش بعد ذلك بالتفصيل نشأة المدارس النقدية، بداية من المدرسة الكلاسيكية وأول استخدام لمدلول كلمة كلاسيكية وكيف أنها كانت تعني كل ما هو مثال للجودة والكمال والأفضلية وكيف كان يقصد بها المدح وأن إطلاقها اليوم على عمل من الأعمال يوحي بأنه أصبح من النماذج الرائدة أو الروائع الثابتة والراسخة في تاريخ الفن، ثم مصطلح المدرسة الكلاسيكية وأول من أطلقه والغرض منها ثم تطورها وتشكل المذهب الكلاسيكي الفرنسي دون أن يغفل ذكر فضل أفلاطون وأرسطو وغيرهما وذكر أراءهم وأفكارهم، وتبيان الاختلاف بين الكلاسيكية القديمة والنقد الكلاسيكي الجديد الذي امتد في الفترة ما بين القرن السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر. ثم ينتقل إلى المدرسة الرومانسية وكيف خرجت كنقيض للكلاسيكية على يد الناقد الألماني “فريدريك شليجل” ثم نضجها على يد الإنجليز والفرنسيين فيما بعد. وبعد ذلك ينتقل بنا إلى النقد الأيديولوجي الذي يقول عنه: “حين بدأت المدرسة الرومانسية في الأدب الأوروبي بالظهور بدت كملامح لمناهج نقدية متعددة هدفها الثورة على القواعد الكلاسيكية، فبرزت العديد من صور النقد الأيديولوجي مثل النقد العلمي (النفسي والتاريخي والاجتماعي) كما نشأ أيضًا ما يعرف بالنقد التأثري (الانطباعي)، ويمكن تقسيم النقد الأيديولوجي إلى عدة اتجاهات رئيسية منها…”، ويأخذ في ذكر وشرح كل اتجاه من هذه الاتجاهات، النفسي والتاريخي والاجتماعي والتأثيري باستفاضة. ثم يحدثنا بعد ذلك عن المدرسة الواقعية التي ظهرت ردًا على المدرسة الرومانسية، ويشرح لنا تقسيماتها المتعددة، من الواقعية النقدية إلى الواقعية الطبيعية إلى الواقعية الاشتراكية. وينتقل منها إلى الحديث عن المدارس الحديثة ومنها مدرسة النقد الشكلي والبنيوي ومدرسة النقد البراجماتي أو الوظيفي وفي روسيا المدرسة النقدية البنيوية، هذا غير العديد من الاتجاهات التي ظهرت بأمريكا وغيرها. وبعد ذلك يذكر لنا لمحة عن فكر ومنهجية البنيوية أو التركيبية، دون التحدث عن مدارس كالظاهراتية أو الاجتماعية أو غيرها، وأخيرًا المدرسة الموضوعية التي يذكر عنها أنها:

“تجمع بين جميع الاتجاهات السابقة الذكر، وينظر عبرها إلى العمل الفني نظرة موضوعية شاملة لا يغلب فيها أي اتجاه على الآخر. والنقد الموضوعي هو الذي يصدر عن دراسة وبعد مراجعة. ويطبق فيه الناقد القواعد الفنية والمعايير العلمية في التحليل وهو يسعى إلى استخدام مختلف الأساليب النقدية ويتناول العمل من مختلف زواياه. وهو يسعى للجمع بين تحكيم ذوقه وعقله وما اكتسبه من ثقافة فنية وخبرة حياتية في آن واحد. وهو يهدف للوصول إلى حكم موضوعي، بعيد عن الميول والمؤثرات الشخصية والتحيز. وتأتي أحكامه العامة والتفصيلية مدعمة بالحجج والبراهين. وهو يجميع بين النظرة الشمولية للعمل وبين تحليل عناصره بطريقة أقرب للتفصيلية ليكشف عن كل مظاهر القوة والضعف في العمل. وهي مدرسة لا ينتمي لها إلا النقاد من ذوي الخبرات الكبيرة والقادرين على توظيف أساليب ومدارس نقدية مختلفة ومعرفة جيدة بأسرار العملية الفنية بمختلف فروعها، وهذا إلى جانب امتلاك ثقافة عامة واسعة تعين الناقد على الموازنة وتطبيق القواعد النقدية”. ويقول في مكان آخر من هذا الفصل الهام، “بل إن الناقد حتى يومنا هذا قد يمارس العملية النقدية بانتماء واضح ومحدد إلى مدرسة بعينها دون أن يدرك ذلك. وهو عبر مسيرته النقدية قد ينتقل من أساليب مدرسة انطباعية يغلب عليها طابع الاستجابة التأثيرية والعاطفية إلى مدرسة موضوعية لها أدواتها ومناهجها المختلفة”. وأن تحديد الانتماء إلى مدرسة نقدية بعينها يجب ألا يشغل الناقد كثيرًا أثناء تصديه للعمل الفني، وكيف أن “اختيار المنهج النقدي قد تفرضه طبيعة العمل نفسه الذي يناسبه تناولا من منظور مدرسة نقدية أفضل من أخرى، بعيدًا عن أي تعصب أو انسياق أعمى”.

بعد استعراض موسع بعض الشيء في هذا الفصل لمختلف المدارس النقدية، وبعد ذكر مقتضب إلى حد ما للحداثة وتوظيف الأساليب الحديثة في خطابنا النقدي العربي، يختتمه المؤلف والناقد وليد سيف بذكر بعض الخبرات والأدوات التي يتعين على الناقد أن يتسلح بها، ولا يغفل عن التحدث بالطبع عن لغة الناقد وإجادته للتعبير اللغوي المنظم والواضح: “سواء في اختيار المفردات أو في بناء الجملة بتركيبة سليمة.. أو في البناء العام المتصل والمتواصل بين الجمل والفقرات”، فتلك كلها بطبيعة الحال تشكل قوام أسلوب الناقد وأدواته التي يعمل من خلالها على إيصال ما يرغب فيه إلى القارئ بحيث تنعدم المسافة بين ما يكتبه الناقد وما يصل إلى القارئ: “لا شك أن أقصى درجات التمكن لدى الناقد حين تقرأ له وكأنك تستمع إليه.. حيث تكاد تنعدم المسافة بين طريقته في التعبير وأسلوبه في الكتابة”.

يحمل الفصل الثالث عنوان، “في النقد السينمائي”، وفيه يطرح المؤلف سؤالا هامًا عن الكيفية التي أصبحت بها السينما فنًا جديرًا بالنقد ويحاول الإجابة عنه عبر رصده لبدايات السينما وتحولها من مجرد وسيلة جذب لأغراض التسلية والترفيه إلى فن جدير بهذا الاسم، والجدال النقدي الذي ثار حول أدواتها وأولوياتها، ويتطرق في هذا الصدد إلى اتجاه المُنظر الروسي الشهير “سيرجي إيزنشتاين” الذي اعتبر أن المونتاج هو عملية الخلق الحقيقة للفيلم، والاتجاه الآخر الذي انحاز للصورة بكل مكوناتها وصفاتها والحركة داخلها، وكيف أن التكوين والإضاءة وحركة الممثل وزاوية التصوير هي العوامل التي يلزم الالتفات إليها ومنحها الأولوية، وبعد ذلك طرح المُنظر والناقد السينمائي الفرنسي “أندريه بازان” في منتصف القرن الماضي الذي أكد فيه على أن أهمية فن الفيلم تكمن في قدرته على محاكاة الواقع وإعادة إنتاجه. ثم ينطلق بعد هذه النقطة ليحدثنا عن النقد والفن والمبادئ النقدية وارتباطها ببدايات الفن السابع ومن أين جاءت ولماذا أطلق عليه الفن السابع، ثم يحاول ترسيخ بدايات النقد السينمائي وفقًا للأسماء والتواريخ والتي ترجع إلى مطلع القرن الفائت في فرنسا وكيف كان النقد يمارسه هواة أو دخلاء على هذا الفن، ثم دخول محبي هذا الفن إلى الساحة ورفدها بكتابات متفاوتة بين الحين والآخر، إلى أن جاء المتخصصون إلى الحقل السينمائي وبدايات إصدار المؤلفات النقدية والمجلات السينمائية المتخصصة عوضًا عن الصحف العامة غير المتخصصة، ثم تأسيس أول رابطة للنقد السينمائي.

ثم ينطلق من هذه المرحلة ليحدثنا عن النقد السينمائي في مصر بداياته وبداية الاهتمام به ورواده ومجلاته ويرصد لنا سريعًا لمحات أو محطات هامة من هذا التاريخ في مطلع القرن الفائت، ثم ينتقل ليحدثنا عن النقاد المصريين المعاصرين وتكوين جمعية نقاد السينما المصريين وجماعة السينما الجديدة، ويتحدث تحت عنوان الناقد والنافذة عن الصعوبة التي يواجهها النقاد الشباب أو النقاد الجادين والمحترمين بصفة عامة في إيجاد نوافذ يطلون من خلالها على قرائهم ويكتبون فيها عما يشاءون من أفلام دون مراعاة لأي اعتبارات أخرى، ومن تلك الاعتبارات الأخرى يشرح مدى أهمية النقد للجمهور وكذلك لأصحاب الأعمال الفنية، وهل النقد والنقاد مؤثرين بالفعل في العملية الفنية في الوقت الحالي على الأقل بمصر، وهل يلتفت الفنانون بالفعل إلى ما يكتبونه، وهل ثمة تقصير فعلا من جانب الإعلام في الترويج لأهمية دور النقد والناقد بالمعنى الحقيقي للكلمة؟ ولذلك نجده بعد هذا التساؤل يفرد مساحة تحت عنوان دور الناقد، يتحدث فيها عن الصحافة الفنية، وتقلص المساحات النقدية التي كانت مخصصة للنقد الحقيقي فعلا، ودور الناقد في ترسيخ مكانته وتحقيق مصداقيته وجديته ووجود بعض النقاد الذين ينشغلون أكثر بالجوانب التجارية أو الجماهيرية للأفلام والنجوم والعلاقة بين النقاد الجادين والمخرجين سواء الجادين منهم أو غير الجادين، بين من يقدمون فنًا أو اللافن، وكيف أن هناك حتى بعض المخرجين الكبار أمثال خيري بشارة ويوسف شاهين ومحمد خان هاجموا في كثير من الأحيان العديد من النقاد الجادين وبشدة.

الموضوعية، التي هي الكلمة المفتاحية التي توصل إليها المؤلف والناقد أثناء كتابته وتناوله لأي عمل من الأعمال الفنية بالنقد والتحليل دون مراعاة لأي اعتبار من الاعتبارات السالفة، وتحت عنوان فرعي، كيف تكون موضوعيًا في حكمك على الأفلام؟، كتب يقول: “قد ينحاز البعض لأفلام لمجرد أنها تتفق مع آرائهم وانتماءاتهم السياسية أو الفكرية أو عصبياتهم الطائفية أو الفئوية. وقد يعميهم هذا الانحياز عن إدراك أي عيوب في العمل…” ثم أدرف، “يفتقد الناقد موضوعيته أيضًا عندما ينحاز لنوع من الأفلام ويتربص بآخر. وقد يظن كثيرون مثلا أن الأفلام البوليسية يجب التعامل معها بتربص، بمنطق إنه فيلم متواضع حتى يثبت العكس، مع أن النوع البوليسي كان إطارًا مناسبًا للعديد من الأفلام ذات الطابع السياسي عالية القيمة ومنها “زد” لجافراس، و”الكاتب الشبح”، لبولانسكي وغيرهم”. ويظل يعدد لنا الأمثلة على ضرورية حيادية الناقد، رغم تأكيده في مكان آخر على أنه ليس ثمة روشتة أو برنامج علاج أو تدريب يصنع من الناقد شخصًا موضوعيًا وأن هذا يجب أن يكون نابعًا من داخله قدر المستطاع، وتأكيده أيضًا في مكان آخر على أن أحدًا لا يستطيع على الإطلاق ادعاء امتلاكه لصفات الحيدة والنزاهة والأمانة وصفاء النفس بشكل مطلق.

بعد ذلك يحدثنا الدكتور وليد سيف عن كتابة المقال النقدي، وهنا يأخذ هذا الفصل منحى ذاتيًا بعض الشيء، إذ يكتب لنا الناقد عن تجربته بطريقة سردية حميمة ومحببة تطلعنا على جانب كبير من تجاربه وخبراته في كيفية كتابة المقال النقدي والعثرات التي جابهته والأخطاء التي وقع فيها واستفاد منها وتلاشاها، ويظل عبر عدة صفحات يسدي للناقد المبتدأ أو للقارئ بعض الملاحظات عن كيفية كتابته للمقال عبر عدة عناوين فرعية جاءت على النحو التالي، كيف أكتب المقال؟ ومن قلب مطبخ الكتابة، ومهارات وخبرات، وتطوير الكتابة، ومن الهواية إلى الاحتراف، ولغة الناقد، وخطأ شائع، وحضرة الناقد الفنان – عن بعض المخرجين أو كتاب السيناريو الذين كانوا نقادًا قبل ممارستهم للإخراج السينمائي أو لكتابة السيناريو مثل فرانسوا تروفو وجان لوك جودار في فرنسا، ورفيق الصبان ويسري نصر الله في مصر – واتهامات متبادلة، وأمور محيرة، وواجبات ليست مهنية – ينصح الناقد بتجنب الخوض فيها – ثم يختتم هذا الفصل وتلك النقاط بعنوان الأفلام المستقلة، والجدل الدائر حول سبب تسمية هذه الأفلام بالمستقلة وطبيعتها، وكيفية تعامل النقاد معها فيكتب: “لا يمكن أن ننهي حديثنا عن النقد دون التعرض لتجربة السينما المستقلة ودوره فيها، فقد يرى البعض أن حركة الأفلام المستقلة صنعت حالة من العزلة بين النقاد والسينمائيين الجدد الذين لجأ معظمهم إلى الأفلام الرقيمة كوسيلة أسهل وأسرع لتحقيق مشروعاته ولتجريب أدواته وقدراته الفنية وتطويرها”، وينتهي في الختام إلى رفضه لتلك العزلة بين النقاد والسينمائيين الجديد وإلى أن الصعوبة باتت تكمن في ملاحقة التطورات والمنجزات الجديدة في عالم السينما ويختم الفصل قائلا في تلك النقطة: “وهكذا فإن مسئولية الناقد ودوره يتزايدان في ظل الواقع الجديد على عكس ما يزعم البعض بموت الناقد بعد أن ادعوا من قبل موت المؤلف”.

في الفصل الرابع الذي جاء تحت عنوان، “النقد وتحليل الأفلام”، يُصدّره المؤلف بالفقرة التالية: “العلاقة بين النقد والتحليل ليست بالبساطة التي يتصورها البعض، والحدود الفاصلة بينهما ليست بالوضوح الكافي، فكل عملية تحليل تشمل في محتواها جانبًا نقديًا، وكل عملية نقدية هي بالتأكيد ناتجة عن نظرة تحليلة للعمل الفني. وإذا كان البعض يستريح إلى اعتبار أن أي تجربة تحليل لفيلم هي الخطوة السابقة لإجراء العملية النقدية تجاهه، فأي ناقد سينمائي عليه أن يحلل عناصر الفيلم ويختبر مدى جودتها وقدرتها على خدمة الرؤية التي يسعى السينمائي إلى طرحها. وهكذا فإن عملية التحليل ذاتها تبدأ من نقطة انطلاق نابعة من مفهوم أو مفتاح نقدي أيضًا لفهم النص”. ومن خلال هذه الرؤية للعلاقة بين النقد والتحليل ينطلق المؤلف عبر هذا الفصل لتحليل وقراء الفيلم السينمائي بشكل دقيق ومتوسع عبر دراسة عناصره كافة ويبدأ بالنص السينمائي تحديدًا أو السيناريو الذي يكون أول ما يتعامل معه الناقد ويراه أمامه على الشاشة. وهنا يضرب لنا الناقد مثالا من أحد سيناريوهاته، سيناريو فيلم “الجراج”، ليبين لنا مراحل بناءه، بداية من تكوّن الأفكار والشخصيات والسؤال الدرامي والمضمون وتكثيف الفكرة والحبكة أو الهيكل الدرامي وتحديد وبناء الشخصيات والعلاقات بينها وتوظيف المكان والمعالجة الدرامية والسيناريو المبدئي ثم السيناريو الحوار وتطوير السيناريو وإعادة الكتابة ويختتم هذا الشرح بملاحظات أساسية ومعلومات عامة توصل إليها عبر خبرته العريضة في تلك المهنة.

ثم ينتقل بعد ذلك ليحدثنا، حتى نهاية صفحات هذا الفصل الشيق، عن بقية عناصر العرض السينمائي على نحو تفصيلي وكيف تم تطبيقها في أعمال سينمائية متنوعة، وهي التصوير، والديكور والملابس والمكياج، والمونتاج، والأداء الصوتي والحركي، ثم يختتم تناوله لهذه العناصر ولهذا الفصل بأهم عنصر فيها ألا وهو الإخراج. وأثناء تناوله لكل عنصر من هذه العناصر يدلل على كلامه بأمثلة من أفلام عربية أو أجنبية، قديمة أو حديثة تسهم دون شك في إيصال وجهة نظره النقدية على نحو دقيق.

الفصل الخامس، “السينما وما بعد الحداثة”، وهو تقريبًا من أقصر فصول الكتاب، يحاول المؤلف أن يقرب للمتلقي العادي مفهوم الحداثة وتاريخه وارتباطه بالفن والنقد ويلامس كذلك تعريف مفهوم ما بعد الحداثة ومحاولة الإمساك بالسمات التي يمكن رصدها والتي تميز سينما ما بعد الحداثة، رغم تبنيه للفكر الذي طرحه الناقد الكبير “أمير العمري” عن أن: “أن الطرح الخاص بما بعد الحداثة يعتبر طرحًا نظريًا يتطور باستمرار ولا يمكن تصور أنه لا يمكن مراجته، وأن الأساس في فكر ما بعد الحداثة هو التطور المستمر والتعديل والتديل والتداخل، بل والانتقال ما بين مفردات الحداثة وما بعدها في نسيج فني واحد”.

ثم يتناول جيل ما بعد الحداثة ومشكلات التعبير، ثم فكرة النجم/الإيقونة أو “الأيقونية” كما يطلق عليها، وأنها في أغلبها أنماط ارتبطت بصورة سطحية لا تتطلب جهدًا في التلقي أو التفسير أو الإحالة لأفكار عميقة ومعادلات رمزية. بعد ذلك يبين لنا تحت عنوان معارضة الحداثة أن فلسفة ما بعد الحداثة أقرب منها لرؤية نقدية معارضة لفلسفات مرحلة الحداثة التي سيطرة على الفكر الغربي بعد عصر النهضة وقيام الثورة الصناعية. ويختتم هذا الفصل بعنوان نحن وما بعد الحداثة ويتحدث تحت هذا العنوان متسائلا عن علاقتنا نحن بالحداثة وما بعد الحداثة وعن مرورنا بتلك المراحل مثل الغرب أم أننا لا دخل لنا بها؟ ثم يجيب عن هذا التساؤل موضحًا وجهة نظر وجيهة في هذا الشأن، كما نجده في خضم تلك الإجابة يستثني السينما بعض الشيء من هذا الطرح لأن العرب ومصر الشام وشمال أفريقيا عرفوا السينما مع بداياتها وفي وقت مبكر لا يبتعد كثيرًا عن شيوعها في أوروبا.

في الفصل السادس الذي اختار له المؤلف عنوان، “النقد وفنون الدراما (مسرح وإذاعة وتليفزيون)”، أراد أن يوسع من نطاق الكتاب الذي يقتصر على فن السينما والنقد السينمائي بوجه خاص، ويستفيض إلى حد كبير في التحدث عن فنون درامية أخرى وهي المسرح والإذاعة والتليفزيون، ووجهة نظره في هذا أنها جميعًا كوسائط تتلاقى كثيرًا مع فن السينما وتتفق معه في توظيف عناصر تعبيرية مشتركة، وذلك على الرغم من خصوصية كل وسيط تعبيري واستقلالية لغته وعناصره وأدواته. ويضيف موجهًا حديثه إلى الناقد الفني: “يجب أن يكون على معرفة جيدة بالفنون الدرامية باختلاف أنواعها (المسرح والسينما والإذاعة والتليفزيون). وأن يكون على معرفة متخصصة سواء عن طريق الدراسة المنتظمة أو التثقيف الذاتي في المجال الذي يتخصص فيه من بين هذه المجالات”، ويضيف في مكان آخر، “على الناقد أن يكون متابعًا جيدًا لما ينشر من نقد تطبيقي للأعمال الفنية المحلية والعالمية، فلا يصح أن يكتب الناقد دون وعي بما يكتب حوله، فهو بكتاباته يشكل جزءًا من منظومة نقدية عليه أن يدرك حدود دوره فيها وموقعه منها، كما أنه وفي ظل ظروف العولمة والغزو الثقافي عليه أن يتابع كل ما يدور في العالم من حوله لكي يضيف لثقافته ولثقافة قرائه ولا يتركهم نهبًا لثقافات غريبة دون مناقشة أو مراجعة، وهذا بالإضافة إلى ضرورة متابعته الدائمة لأحدث التطورات التقنية والفنية المرتبطة بالمجال الفني الذي ينقده، فالوعي بالإمكانات والأدوات المتاحة يجعل الناقد قادرًا على تقييم العمل الفني بشكل سليم”. ثم يأخذ في تناول هذا الكلام بالتطبيق على المسرح والإذاعة والتليفزيون، ويختتم هذا الفصل بتناوله كذلك لقلة النقد الفني المتعلق بهذه الوسائطة أو ندرته والصعوبات والعثرات التي يواجهها في هذه الأيام.

الفصل السابع، “نحن وثقافة الفيلم الأجنبي”، يتطرق إلى الأفلام الأجنبية التي كانت تعرض بمصر منذ بدايات القرن الماضي تقريبًا، وتنوعها بين الجاد والاستهلاكي ومدى تأثيرها على النقاد وهواة السينما والجمهور العريض بصفة عامة، ثم يتوقف عند هيمنة السينما الأمريكية ودورها في مواجهة الفيلم المصري، وبعد ذلك يتناول الدور الفريد الذي لعبته المراكز الثقافية الأجنبية في مصر حتى مطلع هذا القرن والأفلام والمدارس السينمائية والإخراجية التي شاهدوها وتعرفوا عليها عبر هذه المراكز مثل معهد جوته والمركز الثقافي الإيطالي والمركز الثقافي الإسباني (ثيربانتيس) والمركز الثقافي الروسي والمركز الثقافي الهندي والمركز الثقافي الياباني وغيرها من جمعيات ونوادي السينما مثل جمعية الفيلم ونادي سينما القاهرة ثم المهرجانات السينمائية بمصر، ويدلل على هذا بأرقام إحصائية تذكر عدد البلدان وعدد الأفلام التي عرضت من جانب كل بلد من هذه البلدان، ويبين في هذا الفصل مدى أهمية مشاهدة تلك الأفلام فيكتب: “تتشكل ثقافة الناقد السينمائية بالدرجة الأولى من مخزون مشاهدته من الأفلام. وكلما اتسع مجال هذه المشاهدة زادت قدرات هذا الناقد وتفتح وعيه وتعمق فهمه للغة السينمائية وأساليب الفيلم ومعالجته. ويصبح بهذا الرصيد قادرًا على التحليل والتقييم والحكم على الأفلام بشكل واع وسليم. وعلى جانب آخر تتطور تجربة الناقد مع ازدياد وعي المشاهد نفسه واطلاعه على ألوان ومدارس من السينما. وكلما ارتفعت ثقافة المشاهد، كان من الضروري أن ترتفع قامة الناقد”. ثم يختتم هذا الفصل بحديثه عن تجربته الخاصة في لجان مشاهدة الأفلام بالمهرجانات وتجربته في إدارة قصر السينما.

في الجزء الأول من الفصل الثامن، الذي جاء تحت عنوان “نحو خطاب نقدي جديد”، يتوقف الناقد ليتأمل ويطرح أسئلة عما إن كان النقد الفني قد قام بدوره المحدد خلال السنوات السابقة، وما هي الحدود الفاصلة بين الواقع والمأمول في هذا الإطار والدور المنشود في المرحلة المقبلة، خصوصًا في ظل تزايد المصاعب التي يواجهها الناقد تجاه مسئولياته مع انتشار وسائل الاتصال الحديثة وتزايد حصة المشاهدة والمتابعة للأعمال الفنية وفي ظل أيضًا تطور التقنيات الرقيمة الحديثة. ويتطرق أيضًا إلى دور الدولة وضرورة إعادتها ودعمها لنوادي وجمعيات السينما. وفي الجزء الثاني من هذا الفصل، ملف المقالات، يعرض المؤلف بعض مقالاته التي جرت الإشارة إليها خلال فصول الكتاب بغرض إضافة المزيد من الإيضاح على رؤيته وملاحظاته وأفكاره التي طرحها على امتداد الكتاب عن الكتابة النقدية، ويذكر الكاتب أنه راعى فيها أن تكون في معظمها عن أشهر وأحدث الأفلام المصرية والأجنبية التي ربما شاهدها أو تُمكن للغالبية أن يشاهدونها، وأغلب هذه المقالات نشرت في جريدة القاهرة المصرية أو مجلة شاشتي المصرية أو مجلة العربي الكويتية.

والدكتور وليد سيف كاتب سيناريو وناقد سينمائي وباحث متفرغ بالمجلس الأعلى للثقافة، ويحمل دكتوراه في النقد السينمائي من أكاديمية العلوم الروسية عام 1998، وتولى عدة مناصب سينمائية منها: نائب رئيس مهرجان الإسكندرية، ومدير مهرجان جمعية الفيلم والمستشار الإعلامي لمهرجان الاتحاد الأوروبي ورئيس قصر السينما، وعمل أستاذًا للنقد السينمائي بأكاديمية الإعلام الدولية، ويشغل الآن منصب مدير مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي، وله عدة مؤلفات منشورة في النقد السينمائي.