برلين – محمد هاشم عبد السلام
كاتب وناقد ومترجم – مصر
ولد كارل فريدريش شينكل، المهندس المعماري الألماني ومُخطط المدن والرسام ومصمم الأثاث وديكورات المسرح، في الثالث عشر من مارس عام 1781، في نيوروبين، بولاية براندنبورج. وهو يعتبر من أكبر وأبرز المهندسين المعماريين الألمان في النصف الأول من القرن التاسع عشر. وبالرغم من تصميمه للعديد من المباني الهامة في مدن أخرى غير برلين، مثل كنيسة القديس نيكولاس في بوتسدام وبيت الحراسة في دريسدن، إلا أن أعماله الرئيسية المعروفة كانت في برلين. ومن أهم أعماله ببرلين التي لم يطالها التدمير أو الهدم، بيت الحراسة الجديد، والمسرح الملكي أو بيت الكونسير، والمتحف القديم، وكنيسة فريدريش سفيردير. والحقيقة، كما تذكر المراجع، إن شينكل هو من أعاد صياغة العاصمة برلين كعاصمة حضرية للدولة البروسية على أحدث طراز قبل تدميرها خلال الحربين العالميتين، لدرجة أنه كان يقال آنذاك “إن من يعرف برلين يعرف شينكل”.
درس شينكل العمارة دراسة أكاديمية بعد انتقال أسرته إلى برلين عام 1794، وتتملذ على يد المعماري المعروف “فريدريش جيللي” في الفترة بين 1798 – 1800، وصار صديقه الحميم فيما بعد رغم فارق السن. وقد تبنى شينكل بصفة عامة الأسلوب اليوناني الحديث في العمارة عوضًا عن الأسلوب الروماني، ولم يكن هذا كراهية في ذاك الأسلوب بحد ذاته وإنما للابتعاد عن نمط معماري كان سائدًا ومرتبطًا آنذاك بعمارة الفرنسيين المحتلين لبلاده، ولهذا السبب اعتبر شينكل من رواد إحياء الأسلوب اليوناني في العمارة.
وقد ابتعد فريدريش شينكل، إلى حد كبير، في مرحلة متقدمة من مساره المهني، عن المدرسة اليونانية في العمارة وتبنى الأسلوب القوطي الحديث، وأنجز وفقًا لهذا الطراز العديد من المباني الهامة التي لا يزال بعضها باقيًا حتى يومنا هذا، ومنها “كنيسة فريدريش سفيردير”. وكان شينكل أول من استخدم الأسلوب القوطي الحديث في بناء المباني في ألمانيا، وكذلك أول من استخدم القرميد أو الطوب الأحمر في وجهات المباني وأيضًا توظيفه الجديد لخامة الحديد الزهر في البناء وإقامة النصب التذكارية.
بعد تخرجه من كلية الهندسة المعمارية أو مدرسة العمارة، سافر شينكل في أولى رحلاته الخارجية إلى إيطاليا عام 1803، لدراسة الأساليب المعمارية والفنية السائدة هناك وأيضًا تلك التي للعصور الوسطى، وكان مهتمًا على نحو خاص بالمبادئ الأساسية للبنايات الكبيرة ذات الشقق السكنية المتعددة التي كانت منتشرة بنابولي، وجذب انتباهه إلى حد بعيد القباب القوطية وخاصت تلك التي لكاتدرائية ميلانو، كذلك اهتم بالطرز المعمارية الرومانية والبنايات الحجرية المنتشرة في بولونيا. مع عودته إلى برلين عام 1805 مر شينكل بأوقات عصيبة، لا سيما بعد الهزيمة التي منيت بها بروسيا على يد الفرنسيين عام 1806، واحتلال العاصمة وبالطبع انتفاء أية إمكانية لقيامه بمهام أو تكليفات معمارية أو بنائية أو تخطيطة. ولذلك بدأ يكسب عيشه كرسام وفنان تشكيلي، وقد أنجز شينكل عددًا هائلا من اللوحات المتميزة بالفعل التي تنتمي إلى المدرسة الرومانسية، وكانت في معظمها لوحات لمناظر طبيعية. وقد أضطلع بتنفيذ بعض الأعمال الفنية الأخرى على هامش انشغاله الأساسي بالرسم.
لكن في عام 1810، وبعد زيارته لأحد المعارض الفنية ببرلين، ومشاهدته لأعمال الفنان الألماني الكبير كاسبر ديفيد فريدريش، خاصة لوحته الشهيرة “رجل يتأمل فوق بحر من الغيوم”، قرر أنه لن يصل أبدًا لمستوى يسمح له بإبداع لوحة مثلها أو في إتقانها وأنه لن يبلغ مرتبة كاسبر ديفيد، ومن ثم كان قراره النهائي بالتحول عن الرسم إلى مجالات أخرى متنوعة. فراح يعمل في تصميم وتنفيذ ورسم “الديورامات”، والديوراما هي النموذج المبكر أو المرحلة التي سبقت تطور “البانوراما”. وعمل شينكل أيضًا في تنفيذ البانورامات ومنها “مدينة قروسطية على المياه” عام 1813، كما عمل في تلك الفترة كمصمم للديكورات والخلفيات والمناظر المسرحية، وكان أبرز ما نفذه في هذا الصدد ديكورات أوبرا “الناي السحري” لموتزار عام 1815، ولا يزال الكثير مما نفذه شينكل يستخدم في المسارح الملكية الألمانية. هذه الأعمال جعلت شينكل معروفًا، ولفتت إليه أنظار الملكة لويز التي كلفته بإعادة تجديد العديد من ديكورات القصر الملكي ببرلين وشارلوتنبورج. وخلال تلك الفترة تم تعيينه بوزارة الأشغال العامة، وتكليفه بتقييم وتقدير المحتوى الجمالي والفني لجميع المباني المملوكة للدولة أو تلك التي تقوم بإنشاءها. وأسندت إليه عام 1813 مهمة تصميم وسام “الصليب الحديدي” البروسي الشهير، الذي لا يزال يمنح حتى اليوم كوسام ألماني رفيع.
بعد انتهاء الحرب، راحت الدولة البروسية ترمم وتعيد تخطيط وهندسة مبانيها ومدنها وعاصمتها. وفي عام 1815، جرت ترقية شينكل لوظيفة المسئول عن المباني الملكية الخاصة بالدولة البروسية وكذلك لجنة التشييد والبناء، وقد منحته هذه الترقية صلاحيات واسعة لتخطيط مدينة برلين والمتابعة المباشرة لجميع أبنية الدولة والقصور الخاصة بها، والإشراف على الأعمال التوسعية في الأراضية البروسية من راينلاند في الغرب إلى كونيجسبيرج في الشرق. وقد استغل شينكل هذا المنصب لإصدار مرسوم مهم بخصوص الحفاظ على الآثار الوطنية مما أدى لحماية الدولة لجميع المباني التاريخية في كافة أنحاء بروسيا. وكان من بين ما اهتم به في تلك الفترة ترميم كاتدرائية كولونيا عام 1816. وقد أنجز خلال تلك الفترة عدة تصميمات هندسية مهمة منها ضريح الملكة لويز، وأشرف عام 1819 على أعمال التجديد الداخلي والخارجي لكاتدرائية برلين القديمة القوطية الطراز. واشتغل بالتدريس الأكاديمي وعمل بأكاديمية الفنون الجميلة ببرلين منذ عام 1820.
النُصب التذكارية
بدأ شينكل تصميم وتنفيذ أول علاماته المعمارية المتميزة في الفترة بين 1816 – 1818، وحمل اسم “بيت الحراسة الجديد” بشارع تحت ظلال الزيزفون الشهير في المنطقة الواقعة بين متحف التاريخ الألماني وقصر الأمير هينريخ، مقر جامعة هامبولدت حاليًا بوسط العاصمة برلين. واليوم يعتبر هذا المبنى النصب التذكاري الرئيسي للجمهورية الألمانية لضحايا الحروب والاضطهاد والاستبداد والمشردين واللاجئين وغيرهم، ويتسم المبنى ببساطة تصميمه البديع ودلالته الرمزية، وقد حاكى فيه النمط المعماري للمعابد الرومانية. وقد تعرض المبنى لبعض الأضرار أثناء الحرب العالمية الثانية لكن أعيد ترميمه وتجديده. ويتميز المبنى من الداخل بوجود حجرة كبيرة فارغة إلا من مسقط ضوء رأسي وفي منتصفها تمثال أمومي من البرونز يحمل اسم “أم مع ابنها المتوفي”، وهذا العمل النحتي من إبداع واحدة من أهم الفنانين التشكيليين الألمان “كاثي كلوفيتس” التي توفيت مطلع القرن العشرين.
في عام 1818 شرع شينكل في تنفيذ نصب تذكاري آخر لضحايا الحروب النابوليونية، ويحمل عنوان “النصب التذكاري الوطني لحروب التحرير البروسية” في كروزبرج ببرلين. وقد تم الانتهاء منه عام 1821، والنصب قطعة فنية شديدة الجمال والتميز مصنوعة من الحديد الزهر على الطراز القوطي الجديد. وللنصب ستة عشر واجهة يحتل كل منها تمثال نحتي من أبطال الأساطير اليونانية يرمز للأبطال الذين خاضوا حروب التحرير في الفترة من 1813 – 1815. ومن أجل ارتفاع البناء المصنوع بالكامل من الحديد إلى أقصى ذروة له دون أن يفقد جمالياته الزخرفية، استلهم شينكل نمط الأبراج الإبرية، المستدقة الطرف، التي تعلو وتميز الكنائس القوطية، لتنفيذ نموذجه الحديدي فوق قاعدة حجرية. وخلال تلك الفترة، 1818 – 1821، صب شينكل جل اهتمامه في الخروج بتخطيط عصري لمدينة برلين، وإعادة بناء “بيت الكونسير الألماني”، كما يعرف الآن، بميدان جيندأرمنماركت.
بيت الكونسير الألماني
كان مبنى الكونسير في السابق هو المسرح الوطني للدولة، لكنه تعرض لحريق مدمر عام 1817. أقام شينكل مبناه الجديد على أنقاض المسرح الوطني المحترق، مع محافظته على بعض الجدران والأعمدة الناجية أو المتبقية من مبنى المسرح الوطني القديم، خاصة الأعمدة الأيونية الستة في واجهته الأمامية. كما قام شينكل بإعادة تقسيم المبنى لثلاثة أجزاء متعددة الأغراض، الأول منطقة المنتصف التي أقيم بها المسرح وقاعة اجتماعات ضخمة، وزودها بمجموعة عريضة من السلالم تؤدي إليهما. والثاني والثالث عبارة عن جناحين جانبيين لمنطقة المنتصف، الأيسر به قاعة الاحتفالات الموسيقية ومكاتب الإدارة، والأيمن يضم قاعات التدريب وورش العمل وغيرها. وفي عام 1883 – 1884 جعلت واجهة المبنى من الحجر الرملي، وفي بداية القرن العشرين أعيد تصميم القاعة الكبرى على الطراز الباروكي الجديد. وقد تعرض المبنى لدمار بالغ أثناء الحرب وانتهت عملية إعادة ترميمه عام 1984، وفقًا للتصميم الأصلي الذي وضعه شينكل للمبنى على الطراز الكلاسيكي الجديد الذي جمع فيه بين طراز المعابد اليونانية والمصرية القديمة، كما أعيد ترميم ونحت تماثيل المؤلفين الموسقيين الموجودة خارج المبنى وأعلاه وإعادتها كما كانت عليه. وتحول المسرح منذ ذلك التاريخ إلى قاعة للحفلات والعروض الموسيقية، وهو الآن مقر أوكسترا برلين السيمفوني، ويعتبر بيت الكونسير، من حيث التجهيزات السمعية، من أفضل خمس أماكن في العالم لإقامة الحفلات الموسيقية والأوبرالية.
تخطيط حديقة المتعة
بعدما فرغ من بيت الكونسير راح يعمل على إعادة صياغة حضرية شاملة لما يعرف بـ “حديقة المتعة” الواقعة الآن أمام كاتدرائية برلين، بما في ذلك إعادة تنظيم مرور مياه نهر شبري المطلة عليه، وإقامة جسر جديد من الحديد الزهر يسمح بعبور المراكب أسفله، يربط بين الحديقة وشارع تحت ظلال الزيزفون، وتزيين أعمدة الجسر بثمانية من التماثيل النحتية تجسد شخصيات المحاربين وآلهة الحرب والنصر في الأساطير اليونانية. وقد وضع في مخططه لتلك البقعة إقامة متحف جديد، بعدما قام بنقل ما يعرف بساحة التعبئة وإمدادت الشحن الواقعة على النهر إلى مكان آخر، لإفساح أكبر مساحة ممكنة لتدشين أحد أروع المتاحف الألمانية تصميمًا ويحمل اسم “المتحف القديم”.
المتحف القديم
هو أحد أهم التحف المعمارية التي أبدع شينكل في تصميمها وتنفيذها على الطراز الكلاسيكي الحديث ويقع أمام حديقة المتعة، وضمن نطاق ما بات يعرف الآن بجزيرة المتاحف. شرع شينكل في وضع التصميم المبدئي للمتحف عام 1822، ثم سافر بعد ذلك إلى إيطاليا وفرنسا ولاحقًا إلى بريطانيا للاطلاع على أحدث ما وصلت إليه العمارة الحديثة في تصميم المتاحف، ثم عاد عام 1826 ليضع تصوره النهائي للشكل الذي خرج عليه المتحف بصورته الحالية. وقد أشرف شينكل بنفسه على تنفيذ مبنى المتحف على فترات متقطعة أثناء مرحلة البناء نظرًا لاعتلاله الصحي واضطراره للذهاب مرارًا وتكرارًا إلى المنتجعات الصحية لاستعادة عافيته، وذلك حتى اكتمال تنفيذ المتحف عام 1830. تطالعنا خلف واجهة المتحف العريضة مجموعة من السلالم الكبيرة التي تفضي إلى رواق تتصدره مجموعة من الأعمدة الأيونية الضخمة تبلغ ثمانية عشر عمودًا تميز واجهته، وبعد اجتياز تلك الأعمد نجد أنفسنا داخل بهو دائري ضخم أو ما يطلق عليه روتوندا تعلوه قبة عالية، وقد حاكى شينكل في تنفيذه للمتحف الطراز الروماني لمبنى البانثيون بروما، لكن داخل شكل مكعبي الهيكل مكون من دور أرضي وطابق واحد علوي. والمتحف القديم أول متحف يبنى في بروسيا، وكان وفقًا لتصميم شينكل، وخلافًا لما عليه الآن، يستخدم حديقة المتعة أمامه كمتحف مفتوح لعرض قطع المتحف النحتية الكبيرة بالخارج.
كنيسة فريدريش سفيردير
كانت كنيسة “فريدريش سفيردير” 1824 – 1830، بالقرب من حديقة المتعة، أول بناء مميز من القرميد الأحمر يقام في برلين منذ العصور الوسطى، وأيضًا أول كنيسة تبنى على الطراز القوطي. وكان شينكل قد أنجز أربع تخطيطات لتنفيذ البناء، أحدها وفقًا للطراز الكلاسيكي وآخر للعصور الوسطى وآخر ينتمي للطراز القوطي الجديد، وقد وقع الاختيار على تنفيذ الأخير لإقامة البناء الحالي للكنيسة، الذي يتسم ببنية هيكلية مكعبية الشكل، ويعلوها عوضًا عن السقف الجمالوني الشائع آنذاك آخر مسطح. ويميز تصميم شينكل التيجان الأربعة المدببة المرتفعة فوق البرجين الرئيسيين الموجود بهما الجرسين، إضافة إلى ستة عشر تاجًا مماثلا موزعًا فوق سطح الكنيسة من كافة الجهات، ومتصلة فيما بينها بسور من الحديد الزهر. وقد استلهم شينكل النمط القرميدي الواجهة في البناء من العمارة الإنجليزية، الذي كان سائدًا في تلك الفترة، ووظفه بطريقة كانت فريدة وقتها ضمن الطراز القوطي لدرجة يصعب معها عند النظر للكنيسة للوهلة الأولى تصور أنها تنتمي إلى الطراز القوطي. ومن الطريف في هذا الشأن أن العمال والبنائين واجهتهم بعض الصعوبات في التعامل مع البناء بالقرميد الذي كان غريبًا عليهم وقتها وغير معتادين عليه.
وبعدما أدخل شينكل هذا النمط الجديد في البناء إلى ألمانيا، استمر الاعتماد على استخدام القرميد في الواجهات حتى مطلع القرن العشرين. وتعتبر كنيسة فريدريش سفيردير من المباني القليلة التي تعرضت للكثير من الأضرار أثناء الحرب، خاصة المذبح وأحد البرجين وبالطبع النوافذ الزجاجية الملونة، إلا أنها ظلت محافظة على مظهرها الأصلي وبنيتها المعمارية الداخلية والخارجية. وكانت الكنيسة لما يزيد عن مائة سنة مكانًا للعبادة فقط، وذلك حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وبعدها ظلت لأربعة عقود غير مستخدمة نظرًا لحالة الدمار التي كانت عليها. لكن في عام 1987، وبمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ 750 لمدينة برلين وانتهاء أعمال الترميم والجديد بها، استخدمت كملحق لمبنى المتحف الوطني، حيث يوجد بها متحف شينكل المخصص لعرض حياته وأعماله الفنية، إضافة لاستضافتها للعديد من الأعمال النحتية والفنية الأخرى لعدد كبير من الفنانين الألمان.
وفاة شينكل ونهاية مساره المهني
كان تصميم وتنفيذ مبنى كلية الهندسة المعمارية أو مدرسة العمارة على نهر شبري، في الفترة من 1831 – 1835، من الأعمال الأخيرة التي أنجزها شينكل خلال مساره المهني، وقد تعرض المبنى للضرر أثناء الحرب العالمية الثانية ثم هدم أثناء الفترة الشيوعية، وكان من القرميد الأحمر. ومنذ عام 1838 شغل شينكل أحد أهم المناصب في الدولة البروسية آنذاك، المشرف الرئيسي على التخطيط الإقليمي بالدولة، وهي فترة لم تدم طويلا نظرًا لاعتلاله الصحي وتعرضه لسكتة دماغية أسهمت إلى حد بعيد في وفاته في التاسع من أكتوبر عام 1841. وكانت جنازته حدثًا وطنيًا عظيمًا ومهيبًا، أشرف صديقه الملك فريدريش فيلهالم الرابع بنفسه على تنفيذها.
متحف شينكل
في العام التالي لوفاته، أصدر الملك قرارًا باقتناء الدولة كافة أعمال شينكل الإبداعية، من لوحات واسكتشات ورسومات وتصميمات وتماثيل ومنحوتات، ومقتنيات فنية أخرى، كان شينكل يمتلكها. وذلك من أرملته سوزان وغيرها من الجهات الرسمية وغير الرسمية والأفراد، لتوضع بعد ذلك في متحف مخصص له جرى افتتاحه عام 1844. وقد ضم المتحف وقتها قرابة ثلاثة آلاف اسكتش ورسمة وتخطيط وأربعة عشر لوحة زيتية. واللافت أن متحف شينكل كان أول متحف من نوعه يكرس لفنان أو معماري بمفرده. وعلى مدى سنوات ظل المتحف يتنقل من مكان لآخر، من الدور الأرضي بأكاديمية العمارة ثم إلى الجامعة التكنولوجية، فالمتحف الوطني، والمتحف القديم وغيرها، وذلك لأسباب عديدة. وقد تعرضت بعض المقتنيات للفقد والضياع أثناء الحرب، 250 اسكتشًا ولوحة، وتضرر البعض الآخر جراء عدم الحفظ الجيد، إلى أن استقرت الآن في متحف شينكل بكنيسة فريدريش سفيردير. ويبلغ ميراث شينكل الفني الآن بعد حصره خمسة آلاف وخمسئة منتج فني من إبداعه أو إبداع تلاميذه تحت إشرافه أو مقتنياته لفنانين آخرين، وجزء كبير من هذه التركة الضخمة محفوظ بمتحف المطبوعات والرسومات ببرلين.
معرض حديث لشينكل في برلين
قد أقيم بإحدى قاعات المنتدى الثقافي بميدان ماتاكير بالعاصمة برلين معرضًا هامًا تحت عنوان “كارل فريدريش شينكل: التاريخ والشعر”، استمر من السابع من سبتمبر العام الماضي 2012 وحتى السادس وعشرين من يناير 2013، لعرض الأعمال الفنية والمعمارية التى تركها فنان الأسرة الملكية البروسية وأحد أهم المعماريين في تاريخ العمارة الألمانية. وقد انتقل المعرض إلى مدينة ميونيخ في الأول من فبراير وتستمر فعالياته حتى نهاية شهر مايو من العام الحالي. وقد ألقى المعرض الكثير من الضوء على اللوحات الفنية التى أبدعتها يد الفنان المعمارى، ومن بينها لوحته الشهيرة “مدينة العصور الوسطى الواقعة على النهر”، التى أنجزها عام 1815، إلى جانب عرض بعض الماكيتات والمخطوطات الهندسية التى وضعها لبعض المنشآت الهامة فى برلين.