محمد هاشم عبد السلام
خلال مؤتمر صحفي انعقد في العاصمة الفرنسية باريس، ظهر الخميس 10 أبريل/ نيسان 2025، وبحضور رئيسة المهرجان “إيريس كنوبلوخ”، أعلن “تيري فريمو” المدير العام لـ”مهرجان كان السينمائي الدولي” القائمة الرسمية للأفلام المشاركة في فعاليات الدورة الـ78، التي ستنعقد بين 13-24 مايو/ أيار القادم 2025.

افتتحت “كنوبلوخ” المؤتمر بكلمة موجزة عن التسامح والانفتاح والتنوع والفخر بالمهرجان، وما قدمه من أسماء مخرجين ومخرجات، والجوائز التي حصدتها أفلامه حديثا، ثم تطرقت إلى سحر السينما، ومدى أهمية هذه الصناعة وفاعليتها وضرورتها، لا سيما في ظل قدوم الذكاء الصناعي، وغيره من التحديات، مثل الحرائق التي كادت تقضي على أستوديوهات هوليود في لوس أنجلوس.
لكن حديثها عن الجرأة وأهمية المهرجان، وعن دور الإنسان والفن وغير ذلك، لم يحمل بادرة تضامن إنسانية مع أهل غزة، وضحايا الحروب والأزمات الإنسانية عامة حول العالم، أسوة مثلا بذكرها لجهود الأميركيين في إنقاذ أستوديوهات هوليود من الحرائق الطبيعية.
برمجة بروح شبابية لمسابقة المهرجان
اللافت للانتباه في اختيارات “المسابقة الرئيسية”، التي تضمنت هذا العام 19 فيلما، هو انضمام الوجوه الجديدة على المسابقة إلى الأسماء المكرسة، فمسابقة هذا العام تضم 7 مخرجين ومخرجات يشاركون لأول مرة. يبدو أن المدير الفني يراهن على ما قد تنطوي عليه أفلامهم من مفاجآت تثري المسابقة، وتستحق المنافسة مع أعمال أندادهم من المخرجين المخضرمين، أو الفائزين السابقين بجوائز المهرجان.
وقد عاد إلى المنافسة عدد من الأسماء البارزة وحاصدي الجوائز، منهم: الإيراني جعفر بناهي، والأوكراني “سيرجي لوزنيتسا”، والبرازيلي “كليبير ميندونسا فيليو”، والإيطالي “ماريو مارتوني”، والأخوان البلجيكيان “جان لوك” و”بيير دردان”، والفرنسية “جوليا دكورناو”، ومن أمريكا “ويس أندرسون”، و”أري أستر”، و”ريتشارد لينكلاتر”.
هذا التوجه الشبابي الطابع، وجرأة الدفع بوجوه جديدة، وإفساح المجال لها، يؤكده وجود أسماء أخرى بارزة أو من المخضرمين والفائزين بجوائز المهرجان، كان متوقعا أن يشاركوا في “المسابقة الرئيسية” وينافسوا على جوائزها، لكن أفلامهم تقرر عرضها في أقسام أخرى غير تنافسية، منها “كان برميير” و”خارج المسابقة” و”عروض خاصة”. ومن هذه الأسماء التركي الألماني “فاتح أكين”، والروسي “كيريل سيريبيرنيكوف”، والتشيلي “سيباستيان ليليو”، والأسترالي الأيرلندي “أندرو دومينيك”، والفرنسية “ريبيكا زلوتوفسكي”.

وبسبب غياب أستوديوهات هوليود الكبرى عن فعاليات المهرجان الرئيسية، لن يحضر العديد من نجوم الصف الأول عن شاطئ “الكروازيت”، على عكس السنوات الماضية. ومن هنا، كان إعلان المهرجان بفخر عن سعادته باقتناص عرض الفيلم السادس من سلسلة “المهمة المستحيلة” (Mission Impossible)، ويحمل عنوان “الحساب النهائي” (The Final Reckoning). وتأكيد حضور النجم الأمريكي وبطل الفيلم “توم كروز” عرض الفيلم الأول، مما سيضفي بريقا هوليوديا على السجادة الحمراء، إلى جانب حضور أسماء لامعة مثل توم هانكس، وخواكين فينيكس، وجودي فوستر، وسكارليت جوهانسون.
فيلم الافتتاح.. مغامرة غير مسبوقة
أعلنت إدارة المهرجان فيلم افتتاح هذا العام، ألا وهو الفيلم الدرامي الغنائي الرومانسي “إجازة ليوم واحد” (Partir un jour) للمخرجة الفرنسية “إميلي بونان” المولودة عام 1985، وهو رابع فيلم فرنسي يعرض في افتتاح المهرجان.
وقد كانت أفلام الافتتاح السابقة تحمل توقيع مخرجين معروفين، لكن هذا العام يغامر مدير المهرجان “تيري فريمو” مغامرة غير مسبوقة في تاريخ المهرجان، بتقديم مخرجة فرنسية في أول تجربة روائية طويلة لها، مما يؤكد التوجه أو الميل البارز في الاختيارات الشبابية، والدفع بأسماء جديدة.
كانت إدارة المهرجان الفنية قد أعلنت سابقا اختيار الممثلة والنجمة الفرنسية “جولييت بينوش” لرئاسة لجنة تحكيم “المسابقة الرئيسية”، ولم تعلن حتى اللحظة أسماء بقية أعضاء لجنة التحكيم، ولا رؤساء لجان التحكيم والأعضاء في مسابقات قسم “نظرة ما”، و”الكاميرا الذهبية”، و”الأفلام القصيرة” وغيرها.

من ناحية أخرى، أعلنت إدارة المهرجان قبل أيام منح “سعفة كان” الفخرية للنجم “روبرت دي نيرو”، أثناء مراسم حفل الافتتاح، وذلك تكريما لمسيرته السينمائية العريضة والحافلة، وبصفته “أسطورة” من أساطير الفن السابع، كما وصفته إدارة المهرجان.
تراجع عربي ملحوظ
مقارنة بالأعوام السابقة، سواء من حيث المشاركة في أكثر من قسم أو المنافسة على الجوائز وحتى الفوز ببعضها، يمكن القول إن المشاركة العربية في شتى أقسام المهرجان مخيبة للآمال كثيرا هذا العام. حتى على مستوى التكهنات التي راهنت قبل إعلان البرنامج اشتراك ثلاثة أفلام على الأقل في أقسام المهرجان، منها: “قصص” للمخرج المصري أبو بكر شوقي. و“مجهولة الهوية” للمخرجة السعودية هيفاء المنصور. و“شارع مالقا” للمخرجة المغربية مريم توزاني.
هذا، وقد خلت خلت التظاهرات أو البرامج الفرعية الأخرى المهمة، مثل “أسبوع النقاد”، من الأفلام العربية الطويلة، الروائية أو الوثائقية. أما تظاهرة “أسبوعا المخرجين” فيعرض ضمن برنامجها المكون من 18 فيلمًا، الروائي الطويل “كعكة الرئيس” للعراقي حسن هادي. وفي قسم “أسيد”، أعلن عن مشاركة الوثائقي الطويل “الحياة بعد سهام” للمخرج المصري نمير عبد المسيح. وبذلك، لن تتعدى المشاركات العربية هذا العام 7 أفلام روائية طويلة ووثائقية. وكان التواجد العربي قد بلغ 15 مشاركة قبل 3 أعوام، مما يثير أسئلة كثيرة عن أحوال السينما العربية.
المثير للغرابة أكثر، هو غياب المشاركات المعتادة بقوة من دول المغرب العربي، المغرب وتونس والجزائر، ولا سيما المغرب، فقد اعتدنا وجود مشاركات من الأجيال الشابة، وأصحاب التجارب الأولى، والمخرجين المخضرمين. ولولا مشاركة الممثلة والمخرجة الفرنسية التونسية حفصية حرزي بفيلم “الأخيرة” (The Last One) في “المسابقة الرئيسية”، والمخرجة التونسية أريج السحيري بفيلم “سماء بلا أرض” (Promis le ciel) في قسم “نظرة ما”، لغابت دول المغرب العربي تماما، مما يضع علامات استفهام حول آليات التخطيط والإنتاج والتنفيذ السينمائي في هذه الدول، والمنطقة العربية برمتها.
مخرجان من أصول عربية في “المسابقة الرئيسية”
ينافس المخرج المصري السويدي طارق صالح في “المسابقة الرئيسية” بفيلمه الجديد “نسور الجمهورية” (The Eagles of the Republic)، وهو ثالث فيلم له، والأخير في ثلاثية “القاهرة”، وكان أولها -الذي لفت الانتباه لاسمه- بعنوان “حادثة فندق النيل” (2017)، وقد نال “جائزة لجنة التحكيم الكبرى” في “مهرجان صندانس”، ثم تلاه فيلم “ولد من الجنة” الذي نافس على “السعفة الذهبية” في “مهرجان كان” عام 2022، وأحدث مفاجأة بفوزه بجائزة “أفضل سيناريو”.
يعود طارق صالح إلى “كان” بفيلم يقوده بطله المحبب فارس فارس، وعمرو واكد، ولينا خضري، وشرين دعبس، وشروان حاجي. ويتناول قصة ممثل مصري شهير، تجبره السلطات على التمثيل في فيلم يورطه مع الجهات السيادية المنتجة للفيلم.

كما تحضر في المهرجان الممثلة والمخرجة الفرنسية التونسية الأصل حفصية حرزي، وهي إحدى بطلات ثلاثية “مكتوب يا حبي” (Mektoub My Love) للتونسي عبد اللطيف كشيش. تنافس حفصية مخرجةً في “المُسابقة الرئيسية” أول مرة، وذلك في خامس عمل لها خلف الكاميرا، ويحمل عنوان “الأخيرة”، ويدور حول رواية بنفس العنوان للكاتبة الجزائرية فاطمة داعس، نشرت عام 2020.
يتناول الفيلم قصة مراهقة فرنسية مسلمة، تعيش في ضواحي باريس، تحمل اسم فاطمة داعس، وهي بصدد التعرف على هويتها وذاتها والمجتمع من حولها.
“نظرة ما”.. مشاركة تونسية مصرية فلسطينية
اختيرت 3 أفلام عربية للعرض ضمن قسم “نظرة ما”، الذي أعلن 16 فيلما فقط حتى الآن في مسابقته التنافسية، المخصصة للأفلام الأولى أو الثانية لمبدعيها، أو للأفلام ذات التجارب الجديدة أو الأساليب الفنية المغايرة.
بعد عدة أفلام قصيرة، ووثائقي متميز بعنوان “رجال السكة الحديد” (2018)، وآخر روائي أقل قوة وتماسكا وفنية بعنوان “تحت شجرة التين” (2022) في قسم “نصف شهر المخرجين”، تعود أريج السحيري بمثابرة واجتهاد إلى المهرجان، للمشاركة أول مرة في مسابقة قسم “نظرة ما”، وتلك نقلة نوعية في مسارها، سواء على مستوى المنافسة في المهرجان، أو بتقديمها لفيلم روائي طويل للمرة الثانية، بعد تركيز دام سنوات على الأفلام الوثائقية القصيرة.
يتناول فيلمها الدرامي الجديد “سماء بلا أرض” قصة 4 فتيات من أعمار مختلفة، يعشن معا في نفس المنزل، وقد انضمت إليهن الشابة كينزة، وهي ناجية من تحطم أحد قوارب الموت، وأثناء عيشهن معا، ومواجهتهن للأزمات اليومية، تتعرف الفتيات على أنفسهن وتتوطد علاقتهن.
منذ مشاركة الفيلم الروائي الطويل “اشتباك” للمخرج المصري محمد دياب، الذي اختير لافتتاح قسم “نظرة ما” عام 2016، لم ينافس في هذه المسابقة أي فيلم مصري آخر. وبعد مشاركة الفيلم القصير “عيسى” أو “أعدك بالفردوس” للمخرج المصري مراد مصطفى (2023) في مسابقة “أسبوع النقاد”، عاد مراد مصطفى إلى “كان” هذا العام، لكن هذه المرة للمنافسة في قسم “نظرة ما”، وذلك بأول روائي طويل له، بعنوان “عائشة لا تستطيع الطيران”، ليمثل مصر في مسابقة غابت عنها منذ 10 سنوات تقريبا.
لا يبتعد الفيلم كثيرا عن أجواء فيلمه القصير السابق، وتدور أحداثه حول الشابة عائشة، وهي مهاجرة أفريقية تعيش في القاهرة، ويرسم الفيلم رحلتها وعيشها مهاجرةً أفريقية في المجتمع المصري، وما لاقت من توترات ومضايقات في مجال عملها بالرعاية الصحية.
اشتهر الأخوان التوأم طرزان وعرب ناصر بأفلامهما الساخرة المريرة، النابعة من قلب الواقع الفلسطيني، العاكسة لروح قطاع غزة وواقعه الذي لا يزال يضرب للعالم أمثلة غير مسبوقة في الصمود والتحدي والمقاومة والتضحيات. وُلد المخرجان في غزة عام 1988، وكانا قد اشتركا في مهرجان “كان” بفيلم قصير عنوانه “كوندوم ليد” عام 2013. كما عُرض فيلمهما الروائي الأول الطويل “ديجراديه” عام 2015 في قسم “أسبوع النقاد”. وبعد عرض فيلمهما الروائي الثاني “غزة مونامور” في مهرجان البندقية عام 2020، يعودان إلى “كان” بعد عشر سنوات، لينافسا بثالث أفلامهما الروائية “كان ياما كان في غزة” (Once Upon a Time in Gaza).

تدور حبكة الفيلم في قطاع غزة كالمعتاد، لكن الأحداث ترجع إلى عام 2007، وتتناول ضلوع أحد الطلاب الشباب في تجارة المخدرات، والمواجهة الحتمية الشرسة مع شرطي فاسد متربص به.
بهذه المشاركة، تعود السينما الفلسطينية إلى التظاهرة بعد آخر مشاركة، وكانت في عام 2022 للمخرجة مها الحاج، وفازت يومئذ بجائزة “أحسن سيناريو” عن فيلمها “حمى البحر المتوسط”.