محمد هاشم عبد السلام – برلين

كاتب وناقد ومترجم مصري

 

كانت بوابة براندبورج، التي تعتبر أحد أهم الرموز التاريخية الألمانية والمزار السياحي الهام بالعاصمة برلين، هي البوابة الرئيسية للمدينة من الجهة الغربية، وكانت هناك عدة بوابة بالجدران التي كانت تحيطة بالمدينة في القرن الثامن عشر. وقد بنيت البوابة، بتكليف من الملك البروسي “فريدريك ويليام الثاني” كرمز للسلام، من الحجر الرملي على الطراز الكلاسيكي الجديد في العمارة الألمانية في الفترة بين عام 1788 و1791، بواسطة المعماري الألماني “كارل جوتهارد لونغانز”، الذي استلهم في بنائها المدخل المهيب لمعبد الأكروبولس بأثينا. ولذلك نجد أن الأعمد الاسطوانية ذات التيجان التي تشكل قوام البوابة، تشبه تمامًا أعمدة معبد الأكروبولس. وتتكون البوابة من 12 عمودًا، على كلا الجانبين، تشكل معًا خمس بوابات للعبور. ويبلغ ارتفاع البوابة 26 مترًا وطولها 65 مترًا تقريبًا وعرضها 11 مترًا.

بعد عامين من اكتمال البناء، وتحديدًا في عام 1793، وضع تمثال الكوادريجا فوق البوابة، والكوادريجا اسم لاتيني لمركبة أو عربة تجرها أربعة خيول. وقد استخدم الرومان الكوادريجا في سباقات العربات الحربية والألعاب الأوليمبية، وكانوا يعتبرونها رمزًا للنصر والشهرة. وقام بتصميم تمثال الكوادريجا النحات الألماني “يوهان غوتفريد شادو”. وبعد غزو نابليون وقواته أمر بإنزال الكوادريجا ونقلها إلى باريس في عام 1806، ولم تعد الكوادريجا لتوضع مرة أخرى فوق البوابة إلا في عام 1814، بعد هزيمة نابليون.

خلف بوابة براندنبورج مباشرة يقع ميدان باريسر (باريس)، ويحمل هذا الميدان اسم العاصمة الفرنسية منذ عام 1814، تكريمًا لاحتلال قوات الحلفاء مع القوات البروسية لباريس في مارس من ذات العام والإطاحة بنابليون، ولتخليد ذكرى المعارك العنيفة التي شهدها الميدان أثناء ثورة مارس، كما تفيد بذلك اللوحات الشارحة الموجودة في كل مكان حول البوابة.

وقد عانت البوابة من الدمار أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية، وتم ترميمها بواسطة حكومتي ألمانيا الشرقية والغربية وغلقها. وبعد أن كانت رمزًا للسلام وتعج الساحة من حولها بالزوار، صارت رمزًا للتقسيم الذي فصل برلين عندها إلى غربية وشرقية وأضحت منطقة مهجورة تمامًا. ولم تدب الحركة في الميدان وتفتح البوابة للمرور والزيارة إلا مع انهيار جدار برلين في أواخر القرن الماضي، لترجع البوابة مرة أخرى رمزًا للسلام، وللوحدة أيضًا. وفي أكتوبر عام 2002، اتخذ مجلس الشيوخ قرارًا بإغلاق البوابة أمام حركة المرور، وتحويله قبلها إلى طريق آخر جانبي.