محمد هاشم عبد السلام

 

يبحث هذا الكتاب في الجذور التي شكلت العقل الأوروبي الأمريكي الحديث وصاغت أفكاره، والمقصود بالعقل هنا: تيارات الفكر الأساسية وروافدها التي صاغت المزاج الفكري لإنسان العصر الحديث في القارتين الأوروبية والأمريكية. ذلك العقل الذي كان غارقًا في السبات والجهل منذ انهيار الإمبراطورية الرومانية حتى انبعاث حركات الإصلاح والنهضة والتنوير. ثم امتلك وساد هذا على مدار خمسة قرون، ولا يزال متصدرًا مسيرة الحضارة.

والكتاب يسرد قصة هذه المسيرة، وصراع هذه التيارات الفكرية ودراما التحول الاجتماعي الثقافي على أرض القارة الأوروبية. كذلك يكشف الكتاب عن المفارقة الغريبة بين بداية الحقبة الحضارية وبين ما آلت إليه، وكيف، على سبيل المثال، صار ما هو ثوري وما هو مطلب ملح يمثل تقليدًا وجمودًا ومحافظة تعوق التغير والتطور.

ويتعرض الكتاب أيضًا للصراعات والمعارك والانقسامات والاتهامات بالكفر والزندقة وأحكام القتل التي سبقت وواكبت التحول من جاهلية العصور الوسطى، إن صح التعبير، إلى تنوير العصر الحديث. والمراحل التي تم اتباعها لتحقيق ذلك، والتي من بينها، التصدي للتحديات التي فرضها الواقع وكان التعامل معها ضرورة حتمية. كذلك مواجهة التقليد والتقديس الأعمى والإجلال الخانع للكتب والأسفار وكل ما هو موروث عن الأسلاف، وكيف تمت غربلة كل هذا وفحصه ومراجعته وتفسيره وتجريبه واختباره والتحقق من مدى صلاحيته ومناسبته للعصر. وعليه فقد كان الولاء للتراث ولاء إبداعيًا في الأساس، وبراجماتيًا أيضًا، وفي غمرة كل هذا كان الإدراك بأن الأصالة والتاريخ يضربان بجذورهما في أعماق موغلة في القدم تمتد إلى ما قبل ظهور المسيحية، وأنه من الواجب دراسة التاريخ والتعامل معه أولاً بصرف النظر عن أي سلطة كانت. باختصار، إيجاد صيغة جديدة في التوفيق بين النقل والعقل، الأصالة والمعاصرة، أو بمعنى أدق التراث وحاجات العصر.

وكان لانتصار الإنسان في هذا بداية لانتصاراته في العلم والثقافة والحركة العلمانية وغيرها من الحركات، وكذلك إيذانًا بانبعاث حركات تطويرية وإصلاحية، الأمر الذي استلزمت تحطيم الكثير من السلطات كسلطة النبلاء على سبيل المثال، وأيضًا الثورة ضد الرق في جميع صوره. وعليه فقد بدأت قيم في الانهيار وأخرى في الصعود والرسوخ.

إن كرين برينتون في هذا الكتاب يرصد كل هذه الأمور يحللها، لكنه لا يكتف بهذا فقط، بل يقف بنا أمام أسئلة جوهري هو الغاية من هذا الرصد والتحليل: هل ثمة أزمة تحول حضاري، وكيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ وما هي أسباب هذه الأزمة التي يعيشها هذا العقل رغم النجاحات التي حققها، وما هي مظاهر الخلل الحقيقي؟ وكثير من هذا الأسئلة يحاول إيجاد إجابة عنها في الجذور التاريخية لتطور العقل الأوروبي، والمراحل المختلفة التي مر بها. ويحاول معرفة أسباب استمرار بعضها حتى العصور الحديثة، وما إن كانت هذه المشكلات مشكلات أبدية فعلاً أم لا.

وغني عن القول أن الكاتب تعرض في هذا الكتاب إلى كل المظاهر التي أنتجها العقل البشري الغربي، من فلسفات وسياسات، وفنون وتكنولوجيا، وكذلك يركز على علاقة الإنسان الغربي بالإله والمراحل التي مر بها والتي انتهى إليها في علاقته بالرب وقضية الإيمان بشكل عام.

يقول المترجم شوقي جلال في مقدمته: “يحاول المؤلف في كتابه الكشف عن جذور السخط والغضب، وبيان أسباب الرفض والقلق، ومعرفة العوامل التي اصطلحت على تكوين العقل الحديث ومظان الخلل، لماذا انهارت القيم وتبددت الأحلام، وأحبطت الآمال التي راودت الإنسان مع عصر النهضة فتبدل شعور الأمن والثقة والحرية شكًا وتوجسًا وخيفة. ترى هل العيب في التقدم أم في النظام الاجتماعي؟ أم في النظام المفروض على الإنسان؟ ترى هل تحرر الإنسان من ربقة الكنيسة ورجال الدين ومن ربقة الإقطاع ليعود عبدًا للآلة والتكنولوجيا ومن ثم اللعنة عليهما معًا؟ وهل صحيح أنه تحول عبدًا للآلة والتكنولوجيا أم عبدًا لمن يملكون الآلة ويستثمرون التكنولوجيا ويرسمون أهداف هذا الاستثمار بينما الآلة والابتكارات براءة من كل اتهام؟”

وقد جاءت فصول الكتاب كالتالي: “بناء العالم الحديث: الحركة الإنسانية”، “بناء العالم الحديث: الحركة العقلانية”، “القرن الثامن عشر”، “تطور جديد في نظرة الإنسان إلى الكون”، “القرن التاسع عشر: هجمات من اليمين واليسار”، “القرن العشرين: الهجوم ضد العقل”، “منتصف القرن العشرين: بعض المهام التي لم تتم”.

 

 

عنوان الكتاب: تشكيل العقل الحديث

المؤلف: كرين برينتون

ترجمة وتقديم: شوقي جلال

الناشر: مكتبة الأسرة – الأعمال العلمية – القاهرة

الطبعة: الأولى 2004

الصفحات: 324 قطع متوسط