فينيسيا – محمد هاشم عبد السلام

مُجدّداً، يتعاون “مهرجان فينيسيا” مع المنصة الأميركية “نتفليكس”، بحصوله على إنتاجات جديدة لها، بعد انقطاع تام في الدورة الماضية. هذا يؤكّد ريادة المهرجان في التعاون مع مختلف شبكات البث، مثل “أمازون” و”أبل” و”موبي” و”سوني”. بينما تحاول مهرجانات دولية كبرى، حالياً، السير على نهجه، وإنْ بات هذا متأخّراً، فغالبية الشبكات، وأوّلها “نتفليكس“، أصبحت تخصّ المهرجان بأفضل إنتاجاتها الحصرية وأحدثها.

غياب “نتفليكس” عن “فينيسيا” كان مؤقّتاً. تأثرت المنصة باستقالاتٍ عطّلت خطّة الإنتاج، وأدّت إلى تأجيل الجديد. هذا العام، عادت بقوة لتعويض غيابها، وبسط نفوذها، مُقدّمة ثلاثة أفلام في المسابقة: “منزل الديناميت” لكاترين بيغولو، و”جاي كيلي” لنواه بومباخ، و”فرانكشتاين” لغييرمو دِلْ تورو. إضافة إلى فيلمٍ رابع، لكنْ خارج المسابقة: “بعد الصيد” للوكا غوادانينو.

هذا يدلّ على أنّ المنصة لا تزال تعبأ ليس فقط بإضافة مزيد من جوائز “الأسد الذهبي” إلى رصيدها، بل بالمواظبة على الوجود في مهرجان، باتت أفلامه تُرشَّح لـ”أوسكار”، وتحصل على جوائز. يبدو أنّ المنصة، التي لم ينل أي من أفلامها جائزة “أوسكار” أفضل فيلم، تطمح إلى تحقيق هذا عبر بوابة “فينيسيا”.

المُثير للانتباه بشدة أنّه، عند مُراجعة أفلام المنصة المعروضة في الدورات السابقة للمهرجان، تتّضح أمور عدة: مُشاركة سنوية بثلاثة أفلامٍ على الأقل، أغلبها في المسابقة؛ رغم إنتاجها مختلف الأنواع السينمائية، يغلب على أفلام “فينيسيا” ثلاثة أنواع: أفلام سِيَر شخصيات عامة (حقيقية أو متخيلة)، ومُخرجين، كـ”روما” (2019) لألفونسو كوارون، و”يد الله” (2021) لباولو سورّنتينو، و”باردو” (2022) لأليخاندرو إيناريتو، و”شقراء” (2022) لأندرو دومينيك، و”مايسترو” (2023) لبرادلي كووبر. في الدورة 82 (27 أغسطس/ آب ـ 6 سبتمبر/ أيلول 2025)، هناك “جاي كيلي”.

كذلك، تُشارك المنصة بأفلام إثارة وتشويق لا تخلو من السياسة والراهن: “المغسلة” (2019) لستيفن سودربيرغ، و”أتينا” (2022) لرومان غافراس، وحالياً “بيت من الديناميت” (يُعرض في اليوم الأخير للدورة هذه). إضافة إلى أفلام وحوش ومسوخ ومصاصي الدماء، التي بدأت تُنتجها سنوياً منذ عام 2020، لعرضها على جمهورها، أو في المهرجانات، كـ”الكونت” (2023) لبابلو لارين. هذا العام، هناك “فرانكشتاين”.

المُلاحَظ أنّ الرابط بين الأنواع الدرامية الثلاثة حرصها على توليفة تجمع الفني بالتجاري والترفيهي. ثم أنّ الوجود النوعي هذا يطرح تساؤلات حول فرض المنصة نفسها، وفرض أنواع محدّدة، وشروطها طبعاً. فأحد آخر الشروط المعلنة، الذي قاله ألبيرتو باربيرا، المدير الفني للمهرجان، طلب المنصة عدم عرض أحدث أفلام لوكا غوادانينو في المسابقة.

هل تكرار هذه الأنواع السينمائية في المهرجان، في دورات عدّة، مصادفة بحتة، أمْ هناك غاية ما؟ هل يعني هذا أنّ للمنصة خطة مُحدّدة، تهدف إلى إنتاج أفلام معيّنة للمهرجانات أولاً، وإدخال بعضها في المسابقات الرئيسية، واستبعاد أخرى من المنافسة؟ ما تأثير هذا على مستوى برمجة الأفلام في المهرجانات، وعدالة المنافسة؟

أسئلة ستظلّ مطروحة، خاصة في ظلّ الضعف البالغ، والأداء المملّ، والموضوع المستهلك والمتوقع في “جاي كيلي”. هل تأدية جورج كولوني دور البطولة فيه، مع آدم ساندلر، بتوقيع مخرج مخضرم مثل بومباخ، يُزيل التعجّب من زجّ فيلمٍ كهذا؟ ما الجديد في تأدية كولوني شخصية نجم سينمائي مشهور، يعاني وحدة وعزلة وانقطاع التواصل الإنساني والعائلي، حتى مع أصدقائه ومدير أعماله؟

لماذا لم يعرض “جاي كيلي” خارج المسابقة، كـ”بعد الصيد”، الذي لا جديد فيه يذكّر بالموهبة اللافتة لمخرجه، إذْ اكتفى بتكرار حبكة سيناريو تطرح مواضيع معتادة، من دون معالجة جديدة مُبرّرة، وببصمة لا تشبه أبداً تقرّبه من السينما الأميركية البحتة؟ مُجدّداً، لعلّ مردّ هذا وجود جوليا روبرتس مع أندرو غارفيلد. فالفيلم يطرح حقائق من زوايا مختلفة، ويتحدّث عن تصادمها، بحبكةٍ عن شكوك حول إساءة وتحرّش الأستاذ الجامعي هنريك (غارفيلد) بطالبة، وعدم وقوف أستاذتها ألما (روبرتس) إلى جانبها. هذا يثير تساؤل عن العلاقة بالنجوم في إنتاجات أفلام المنصة، والاستعانة بمخرجين كبار لتنفيذها حسب الطلب، كما يبدو.

يختلف الأمر مع “فرانكنشتاين”، الذي راود المخرج منذ سنوات طويلة، إلى أنْ حقّقه بالكيفية التي أرادها. لكنْ، أهناك جديدٌ فيه، مع أنّه سيلقى إعجاباً وإقبالاً وإشادة من جمهور المنصة، المتيّم بهذا النوع من الأعمال؟ تساؤل آخر عن ماهية تنفيذ أفلام كهذه، بميزانيات طائلة، وديكورات هائلة، واشتغالات بصرية رائعة ومُكلفة، من دون استمتاع بها على الشاشة الكبيرة. إذْ لا شك في أنّ عرضه على الشاشة الصغيرة سيُفقده جمالاً كثيراً، علماً أنّ هناك تحفّظات تنفيذية على هذه النسخة من “فرانكشتاين”.