عرض ضمن المسابقة الرسمية للدورة الثامنة والستين من مهرجان “كان السينمائي الدولي” الفيلم الفرنسي المتميز “قانون السوق” وهو من إخراج ستيفان بريز.
قانون السوق
عرض ضمن المسابقة آخر أفلام الكاتب والممثل والمخرج الفرنسي ستيفان بريز، في التاسعة والأربعين من عمره، والذي يحمل عنوان “قانون السوق”. والفيلم الذي يمتد زمن عرضه لأكثر من ساعة ونصف الساعة بقليل ينتمي لنوعية أفلام الدراما الاجتماعية، وكتب له السيناريو والحوار مخرج الفيلم بالاشتراك مع أوليفيه جورس.
يقوم ببطولة فيلم “قانون السوق” الممثل الفرنسي الكبير فينسيت ليندون في دور “تيري”، وهو مرشح عن دوره في هذا الفيلم وبقوة للمنافسة على جائزة أحسن ممثل بالمهرجان. أما بقية أبطال الفيلم فهم جميعًا من الممثلين غير المحترفين.
يتناول المخرج ستيفان بريز، الذي يشترك في المسابقة الرسمية لكان لأول مرة، في فيلمه المتميز “قانون السوق” عبر شخصية “تيري”، الأزمة الاقتصادية بفرنسا بصفة خاصة، وبالطبع في أوروبا بصفة عامة، وذلك عبر بطالة تيري، الذي كان يعمل بأحد المصانع، ويبحث الآن عن عمل مناسب بمصنع آخر، لكنه يجري الكثير من المقابلات وفي النهاية يرفض في الكثير منها.
يضطر تيري تحت ضغط تلبية متطلبات أسرته المادية، وابنه الذي يعاني من صعوبات حركية وتأخر ذهني، إلى طلب سلفة بنكية لكنه يفشل لعدم تحصله على عمل يدر عليه دخلا ثابتًا، فيحاول تيري أن يبيع منزله، لكن من يتقدمون لشراء المنزل يساومونه من أجل الحصول على المنزل بأبخس الأسعار، الأمر الذي يضطره لرفض البيع.
يلجأ تيري للعمل كحارس أمن في أحد الأسواق التجارية الكبيرة بإحدى المجمعات التجارية، كي يتمكن في النهاية من تلبية احتياجات أسرته والحصول في نفس الوقت على القرض البنكي من أجل إصلاح سيارته المتهالكة. لكن أمور “تيري” لا تنصلح بمجرد عثوره على العمل، إذ يكتشف عبر عمله هذه بالمتجر الكثير من الأمور التي كانت غائبة عنه.
هناك يرى الكثير من البشر العاديين من مختلف المستويات والطبقات الذين يسرقون لاحتياجاتهم للسلع المعروضة أو لعدم توفر الأموال معهم، وأخيرًا يكتشف أن الأمر ليس قاصرًا فحسب على الزبائن بل يمتد أيضًا إلى العاملين الذين يسرقون كوبونات التخفيض على المبيعات، الأمر الذي يضعه في النهاية أمام عدة خيارات إنسانية بصفته ممثلا لسلطة القانون الذي يطبقه في حين أنه يتعارض أو لا يأخذ بعين الاعتبار أبسط الاحتياجات الأخلاقية والإنسانية والمادية التي يعاني منها البشر بسبب الظروف الاقتصادية.
ديبان
للمرة الثالثة يتم اختيار أحد أفلام المخرج الفرنسي الكبير جاك أوديار من أجل الاشتراك بالمسابقة الرسمية للمهرجان. وجاك أوديار الذي فاز فيلمه “نبي” عام 2009 بالجائزة الكبرى للمهرجان، يعود هذا العام ليقدم لنا آخر أفلامه الذي يحمل عنوان “ديبان”.
ديبان، اسم الشخصية الرئيسية التي تقوم ببطولة الفيلم، وهو أحد مقاتلي نمور التاميل في سريلانكا، الذي يقرر منذ مطلع الفيلم الابتعاد عن الحرب الدائرة هناك والفرار من البلاد إلى فرنسا أملا في مستقبل أفضل وأكثر أمنًا. وبالفعل بمساعدة امرأة ليست زوجته وطفلة ليست طفلتها ولا طفلته، يصلون إلى باريس على أنهم كأسرة فرت من أهوال الحرب الدائرة هناك.
وبالوصول إلى باريس ينتقلون من مأوى لآخر حتى يحصل ديبان على عمل كحارس لأحد العقارات النائية في منطقة ما معزولة بفرنسا. تدخل الفتاة الصغيرة المدرسة وتعاني من مشاكل في التعامل والتأقلم مع غيرها من الأطفال هناك. وتحاول المرأة “ياليني”، التي بدأت تعمل عند أحد العجائز نظير مقابل مادي سخي، الفرار من فرنسا والتوجه إلى أهلها وأقاربها الموجودين ببريطانيا، لكن محاولاتها تفشل.
مع تطور أحداث الفيلم، الذي يمتد زمن عرضه لما يقترب من الساعتين، يكتشف ديبان أن تلك المنطقة يسيطر عليها مجموعة من الشباب المتمرد الذي أفلح في تشكيل عصابات باتت تتشاجر مع بعضها وتزعج الأهالي والسكان هناك، ويتطور الأمر إلى حمل السلاح وإطلاق النيران، الأمر الذي يصيب الفتاة والمرأة بالذعر الشعر، وكاد يفقدهما حياتهما، فتذهب المرأة لمحطة القطار من أجل إلى بريطانيا خوفًا من المصير الذي هربت منه بسريلانكا.
يتدخل ديبان ويوقفها، ويحاول أيضًا توفير الأمان النفسي لها وللفتاة، وإشاعة أجواء السلام والآمان بالمنطقة والابتعاد قدر الإمكان عن اللجوء إلى العنف أو غيره، لكن الأمور تتطور ويضطر ديبان في النهاية إلى التدخل العنيف وإلى حمل السلاح واللجوء إلى القتل دفاعًا عن نفسه وعن المرأة والفتاة اللاتي أحبهن واعتبرهن تعويضًا عن أسرته التي فقدها في الحرب.
عبر سرد الأحداث، يتضح لنا بالطبع أن جاك أوديار يطرح في فيلمه تلك القضية الشائكة المتعلقة بالمهاجرين أو الوافدين على أوروبا الذين هربوا من أهوال الحروب والمآسي في بلدانهم بحثًا عن الأمن والأمان المادي والنفسي والاجتماعي وأيضًا التطلع لحياة جديدة ومستقبلا مشرق، وكيف أنه حتى داخل مثل هذه المجتمعات الراسخة المستقرة قد يجد المرء نفسه مضطرًا للدفاع عن حياته وأمنه وإلى حمل السلاح والقتل وإلى تبني كل ما كان يرفضه ويتجنبه ويهرب منه.
وقد لجأ أوديار في فيلمه “ديبان” إلى ممثلين سريلانكيين غير محترفين ليقوموا ببطولة فيلمه الجديد. حيث قام بدور بطل الفيلم “ديبان” على نحو جيد الكاتب أنطونيتازان جيزوتازان الذي يقوم بالتمثيل لأول مرة في حياته، والبطولة النسائية لممثلة المسرح الناشئة كاليازواري سرينيفازان في دور “ياليني”، وهو أيضًا أول دور سينمائي لها، وقد برعت بالفعل في أدائه ولا يستبعد ترشيحها عنه لجائزة أحسن ممثلة.