محمد هاشم عبد السلام
يستعرض كتاب “الجينات والشعوب واللغات” لمؤلفه الإيطالي لويجي لوقا كافللي، البحوث التي أجريت في مجال دراسة مراحل تطور الإنسان في العديد من المجالات عبر تاريخه، فالكتاب بمثابة تاريخ للمائة ألف عام الأخيرة من تاريخ الإنسان، لكن مل يميز هذا الكتاب هو دراسة واستعراض هذا التاريخ باستخدام أدوات ومجالات دراسة عديدة منها، علم الآثار القديمة (الأركيولوجيا)، وعلم الوراثة، وعلم اللغة. لكن لماذا هذه العلوم الثلاثة تحديدًا؟ ويجب كافللي قائلاً: “تقدم هذه العلوم الثلاثة الآن، لحسن الحظ، الكثير من البيانات الجديدة والتبصرات. ولنا أن نتوقع أن تدور هذه جميعًا حول قصة واحدة شائعة بينها، وخلفها لابد أم يوجد تاريخ واحد. بكل من هذه المناهج العديد من الثغرات إذا أُخذ منفردًا، لكن معالجتها مجتمعة قد يسهم في ملء الفراغات. ثمة علوم أخرى تسهم بإنجازاتها – الأنثروبولوجيا الثقافية، الديموغرافيا، الاقتصاد، والسوسيولوجيا – لتصبح عن حق دعامات التفسير والتأويل”.
لموضوع هذه الكتب تضمينات ذات شأن بالنسبة لمشاكل اجتماعية هامة. فهو يفسر – بين ما يفسر – لماذا تكون العنصرية فاسدة، وكيف أن للوراثة أثرها في تشكيلنا، وكذلك البيئة التي نحيا بها، حضارية كانت أو اجتماعية أو فيزيقية. كما يبين أن الفروق الوراثية الرئيسية توجد بين الأفراد لا بين العشائر – التي تسمى “العروق” أو “السلالات”. وأن الفروق ذات الأصل الوراثي بين السلالات ليست فقط صغيرة ولكنها سطحية أيضًا، وتعزى في معظمها إلى الاستجابات، وذلك لاختلاف المناخ بالمناطق التي نحيا بها. ويبن أيضًا أن هناك صعوبات جد خطيرة في التمييز ما بين الفروق الوراثية والفروق الحضارية – بين الطبع والتطبع.
كذلك يتناول الكتاب التباين البيولوجي والتباين الثقافي، فالفروق العرقية قد تكون بيولوجية الأصل (وهنا نسميها فروقًا وراثية لنعني أنها تصلك مع الدنا الخاص بك)، وقد تكون أحيانًا سلوكية يتعلمها الفرد من الآخرين (وهذه أسباب ثقافية)، وفي أحيان أخرى قد تكون بيولوجية وسلوكية معًا. والصفات الوراثية صفات ثابتة جدًا على مر الزمن، على عكس السلوك المحدد اجتماعيًا، أو المنقول بالتعلم، الذي قد يتغير بسرعة كبيرة جدًا.
ويجيبنا كافيللي عن سؤال السلالات النقية بقوله، “أنه من المستحيل علميًا أن توجد. فلكي نحقق حتى نقاء جزئيًا، فإن الأمر يتطلب عشرين جيلاً على الأقل من التربية الداخلية (مثلاً بتكرار زواج الأخ بأخته، أو أحد الأبوين بنسله). ومثل هذه التربية الداخلية تؤدي إلى نتائج وخيمة بالنسبة لصحة الأطفال وخصوبتهم. ولنا أن نتأكد أن أحدًا في التاريخ لم يجرؤ على محاولة التربية الداخلية”.
ومن بين الأسئلة الأخرى التي يطرحها كافللي في كتابه، هل هناك أساس علمي للعنصري؟ ما هي السلالات البشرية وتصنيفاتها؟ ولماذا هذه التصنيفات؟ لماذا يوجد تشابه بين التطور البيولوجي واللغوي؟ وما معنى مصطلح استبدال اللغات؟ وهل من الممكن أن يسهم البحث الوراثي في تفهم التطور اللغوي، والعكس بالعكس؟ كذلك نشأة التوسعات البشرية، ومرحل استعمار الإنسان المعاصر للأرض؟ وأيضًا اللغة واللسان والتطور الثقافي عند أسلافنا؟ والتطور الزراعي واستكشاف الأراضي والقارات الجديدة واستيطانها. كذلك نوع انتشار أسلافنا هل كان انتشارًا “ديميا” أي انتشار الناس، أم “ثقافيًا” أي انتشار المعارف والعادات والتقاليد وطرق الزراعة وأدواته؟ وغيرها من الأسئلة الممتعة والشيقة في أسلوب تخلى كثيرًا عن الصبغة العلمية الأكاديمية في تناول الموضوعات وشرحها.
أما فصول الكتاب فقد حملت العناوين التالية: “الجينات والتاريخ”، “طريق في الغابة”، “عن آدم وحواء من هو الإنسان الحديث؟”، “الثورات التكنولوجية وجغرافيا الجينات التوسعات الحديثة للبشر”، “الجينات واللغات”، “نقل الثقافة والتطور”.
ومن بين النتائج الهامة التي تستخلصها من هذه الفصول أن التطور الوراثي للإنسان عمومًا قد تأثر كثيرًا بالابتكارات التكنولوجية وبتغير الحضارة. وفي الختام يقول كافللي في الفصل السادس من الكتاب، تحت عنوان مستقبل البشرية، “لا يحمل المستقبل البشري من المنظور الوراثي الكثير من الإثارة – فالأغلب أن نوعنا لن يتطور أكثر، هو لن يتطور على أية الحال بالسرعة التي تطور بها حتى الآن. لقد تسبب التطوير الثقافي في إبطاء التطور البيولوجي بشكل واضح” .
عنوان الكتاب: الجينات والشعوب واللغات
المؤلف: لويجي لوقا كافللي – سفورزا
المترجم: د. أحمد مستجير
الناشر: مهرجان القراءة للجميع – مكتبة الأسرة – مصر
الطبعة: الأولى 2004
الصفحات: 253 قطع كبير