محمد هاشم عبد السلام

 

الخميس 1 يناير 2015

صدر عن مطبوعات مهرجان القاهرة السينمائي، الكتاب الوحيد حتى الآن في عالمنا العربي الذي  يتناول سيرة حياة وأعمال الناقد اللبناني غسان عبد الخالق. وقد صدر الكتاب تحت عنوان: “غسان عبد الخالق: عشر سنوات على الرحيل”، وهو من إعداد وتأليف الصحفي والناقد والأديب محمود الغيطاني.

ولد غسان عبد الخالق في التاسع عشر من مارس عام 1951، ببيروت. كبر الصبي غسان وسط عائلة منفتحة للعلم ومتمسكة بالمبادئ الإنسانية والأخلاقية، عائلة وفرت له كل ما يحتاج إليه كي يتكوّن ويتشكل ثقافيًا على نحو شديد العمق. وكان غسان حاد الذكاء ونابه في دراسته، وتحصّل على شهادة في العلوم السياسية والقانون الدولي من الجامعة اللبنانية.

بعد ذلك، غادر غسان لبنان مع اندلاع الحرب الأهلية، ووفاة والدته الشابة آنذاك، الأمر الذي كان له أكبر الأثر عليه، لذا قرر الرحيل نهائيًا ومرافقة والده إلى باريس والعيش معه هناك. وبفرنسا، حصل غسان على شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون، حيث قدّم أطروحة في العلاقات الدولية. كما حصل على أخرى في العلوم السياسية من جامعة نانت.

بدأ غسان حياته الإذاعية في عام 1977، براديو مونت كارلو في إمارة موناكو، وظل  يعمل هناك لمدة عامين متتاليين قدّم وحرّر فيهما العديد من البرامج الثقافية والفنية الهامة. ثم انتقل بعد ذلك إلى باريس للعمل في قسم البرامج، ثم انتقل منه إلى قسم الأخبار، حيث قدّم عددًا كبيرًا من البرامج السياسية والثقافية. وكان على رأسها تغطياته الشاملة لكل المهرجانات السينمائية التي تواجد بها سواء كمراسل صحفي أو كناقد سينمائي. حيث كان غسان عضوًا بالنقابة الفرنسية لاتحاد نقاد السينما العالميين.

وقد أسس غسان عبد الخالق وترأسس أول مهرجان للسينما العربية في باريس عام 1983، لمدة تسعة أعوام على التوالي. كذلك أنشأ وترأس في العام 1984، مجلة “جديد مونت كارلو” الشهرية. وكانت آنذاك مجلة ذائعة الصيت وأحدثت تأثيرًا ملحوظًا على الصحافة العربية من حيث الشكل أو المضمون أو الأسلوب.

كما ساهم غسان في إعداد وتنظيم العديد من المؤتمرات الكبرى بأكثر من بلد عربي وفي أوروبا، حول الكثير من الموضوعات المختلفة سواء سياسية أو ثقافية أو سينمائية. وكان من أقرب معاوني وزير الخارجية المغربي الأسبق “محمد بن عيسى” في مواسم “أصيلة”، حيث شارك في تنظيم وإعداد فعاليات المهرجان السنوي المقام هناك.

وقد شارك غسان عام 1999 في تأسيس نادي الصحافة العربية في باريس. وكان رئيسًا له عند رحيله. وكان عضوًا مؤسسًا وضمن مجلس إدارة مركز استقبال الصحافة الأجنبية التابعة لوزارة الخارجية الفرنسية.

وقد اختير غسان في عام 2002 لرئاسة لجنة تحكيم مسابقة “ضد التيار” الرسمية بمهرجان “فينسيا” السينمائي الدولي. وبهذا، كان ولا يزال أول عربي يتولى رئاسة لجنة تحكيم رئيسية في مهرجان عالمي بهذا المستوى العريق.

كتب غسان وحرر العديد من الأعمال غير المنتهية. وقد عمل منذ السبعينات على إعداد واقتباس مجموعة من النصوص الأدبية التي صاغ منها في النهاية عملا أوبراليًا جاء تحت عنوان “كنعان”، تناول الحضارة الأوغاريتية. ومع الانتهاء من هذا العمل عام 2000، قام بتأليف النوتة الموسيقية له المؤلف الفلسطيني “باتريك لاما”، وعُرض في مهرجان الموسيقا الكلاسيكية العريق في مدينة “ركلنغهاوزن” بألمانيا، وحضره غسان وسط الجمهور، ولاقى العرض استحسانًا بالغًا.

وفي يوليو عام 2004، نظم غسان وأدار الملتقى الأول لسينما الجنوب في أصيلة. وكان المهرجان قد حقق نجاحًا طيبًا في الأوساط السينمائية والفنية. وكان من المنتظر أن يضطلع غسان بتنظيم وإدارة الملتقى فيما بعد، لكنه توفي بعدها بشهور قليلة، وتحديدًا في الرابع والعشرين من أكتوبر 2004، وهو في قمة تألقه وعطائه المهني.

عقب مقدمة مؤلف الكتاب، الصحفي والناقد والأديب محمود الغيطاني، جاءت مقدمة الناقد السينمائي سمير فريد تحت عنوان “الناقد والإنسان الذي فقدته الثقافة العربية”، ثم بورتريه شخصي بقلم المؤلف عن غسان عبد الخالق جاء تحت عنوان “العاشق”. بعد ذلك، جاء أطول فصول الكتاب، مائة وعشرة صفحة تقريبًا، وحمل عنوان “أحاديث مونت كارلو”. بذل فيه الكاتب، دون شك، جهدًا كبيرًا، من أجل تفريغ ونقل وترتيب تلك المادة الغزيرة التي تركها الراحل بخط يده، والتي كانت قوام البرنامج الثقافي الإذاعي لغسان عبد الخالق في إذاعة مونت كارلو. وكان يُطل من خلاله على جمهوره على نحو شبه يومي متناولا شتى المجالات الثقافية من السينما والكتب والفن التشكيلي والموسيقا والمسرح وغيرها. ويتراوح حجم مادة كل حلقة ما بين صفحة أو أكثر قليلا ناقش فيها الراحل موضوعًا أو أكثر، وذلك منذ مطلع عام 2000 وحتى نهاية عام 2001 تقريبًا.

ثم قدم لنا المؤلف في الفصل التالي أحد النماذج البحثية البالغة الأهمية التي كان قد كتبها الرحل، وجاء تحت عنوان “السينما العربية في فرنسا… صورة وإطار”. يناقش فيه غسان الصورة العربية في فرنسا أو في الغرب إجمالا وذلك من خلال السينما العربية، من دون التطرق إلى ما كانت عليه تلك الصورة قبل أن تكون هناك سينما عربية، تدخل إلى الغرب على حد قوله عبر هذا الاختراع الغربي.

وفي الفصل التالي، نلتقي مع ملف خاص كانت مجلة “سينما” قد أعدته بمناسبة رحيل غسان، تحت عنوان “ربع قرن من دون مشادة واحدة” اسهم فيه بالكتابة: قصى الصالح الدرويش، وسمير فريد، وإبراهيم العريس، وكمال رمزي، ونائلة نصر زوجة غسان عبد الخالق، ونبيل أبو شقرا، وفريدة الشوباشي، ورأفت الميهي، وليلى علوي، وخالد يوسف، ومصطفى المسناوي، وإيناس الدغيدي، ولبلبة، وماري خوري، ونبيهة لطفي، وسلمى الشماع، وسهير عبد القادر، وأحمد راشدي، وعزت العلايلي، وشيماء سليم.

الفصل التالي، وهو صغير نسبيًا، عبارة عن حوار أجراه مؤلف الكتاب مع السيدة “نائلة نصر” أرملة الناقد الراحل غسان عبد الخالق، راح يستفسر فيه منها عن بعض النقاط الغامضة التي استوقفته أثناء إعداده للكتاب في حياة ومسيرة عمل زوجها. وقد أجابته السيدة نائلة بكل صراحة كاشفة عن، على سبيل المثال، سبب حرصه وولعه باللغة العربية الفصحى، وعن الحرب التي تعرض لها غسان في إذاعة مونت كارلو، وعن تقويض مهرجان السينما العربية الذي أسسه، وغيرها من الأمور المهمة.

ويلي هذا الفصل، مجموعة من المقالات النقدية المهمة، والمختارة بعناية، التي كتبها ونشرها غسان في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، والتي تناول فيها بقلمه النقدي مجموعة من الأفلام الشديدة الفنية لأهم مخرجين السينما في عصرنا مثل مانويل دي أوليفيرا، وستيفن فريرز، وفيم فيندرز، وبيتر جريناواي، وروبرت  ألمان، ولارس فون تراير وتيار الدوجما 95 الدانماركي.

ثم يختتم المؤلف كتابه بمجموعة من الأخبار التي كانت قد نشرت بالصحافة العربية لتأبين غسان عبد الخالق، سواء في الحياة اللندنية أو الشرق الأوسط أو الأهرام المصرية، وكذلك المقالات التي كتبت بأقلام محمد الأحمد، أو حسن شامي، أو ليلى حافظ أو إبراهيم العريس أو عبده وازون أو بيار أبي صعب أو ناجح حسن أو حسن حداد. يليها مجموعة من الصور لغسان عبد الخالق في مراحل عمرية مختلفة مع أعلام الصحافة والأعلام والفن والسينما بالعالم العربي.